عن أردوغان: آخر السلاطين ومحاولاته العبثية لإحياء إمبراطورية العثمانيين!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 31 ديسمبر 2019 - 11:20 م بتوقيت القاهرة


قبل سنوات تسنى لى أن ألتقى «السلطان» أردوغان فى بيته الريفى فى بعض ضواحى أنقرة.
كان علينا أن ننتظر أردوغان دقائق طويلة قبل أن «يهل» علينا وهو لا يزال يهتم بتسريحة شعره، ويطمئن إلى «انضباط» ربطة عنقه وجوانب سترته وكأنه ذاهب إلى عرض أزياء رجالى.
سلم علينا، ساطع نور الدين وأنا، بأطراف أصابعه، وقال إنه كان فى لبنان منذ فترة وجيزة، ليطمئن على «رعايا السلطنة» ممن تبقى فى بعض أنحاء لبنان، ولا سيما فى عكار.
تحدث عن منطقتنا العربية وكأنه ما زال يحكمها من موقع السلطان، وله حق تعيين الولاة وعزلهم.. وعندما ظهرت على وجهى ملامح الاعتراض، قال بثقة: التاريخ ظالم، يكتبه كذبة ويصدقه جهلة، لكن صناعه لا يهتمون!
***
اليوم، ومع كل صباح، يفاجئك السلطان بتحرك يؤكد لك أنه يعمل، ليلا ونهارا، لاستعادة «أملاك السلطنة» وأمجادها:
تجده محاربا ضد سوريا وبذريعة «إبادة» أكرادها المشاغبين.
وتجده «محاربا» ضد اليونان، بسبب الخلاف على جزيرة قبرص الذى أدى إلى تقسيم الجزيرة الصغيرة إلى «دولتين» أو «بلدتين»، الأولى احتضنها حلف الأطلسى، و«دولة» أخرى خربة ولكنها تؤكد «عظمة» السلطان.
وتجده مقاتلا فى ليبيا البلا دولة، منحازا لسلطتها «الأممية»، منذرا بإرسال جيشه إليها للقتال ضد قوات الجيش الوطنى الليبى، والذى تتقدم أرتاله المصفحة فى اتجاه طرابلس.. بينما «السلطان» يزور تونس فيستقبله رئيسها الديمقراطى مكرها، ويرفض بلطف عرضه المشاركة فى «تحرير ليبيا».. بينما «السلطان» يتحدث عن ليبيا وما جاورها وكأنها لا تزال من أملاك «السلطان».
***
بائس هو المشهد العربى، يثير الحزن ويبتلع الآمال والطموحات ولحظات الاقتراب من الحلم بالوحدة وتحرير فلسطين وبناء الغد الأفضل.
فأما الوحدة، أو حتى الدعوة إليها، فتقع فى خانة التحرير لأسباب متعددة بينها:
1. إن الكيان الإسرائيلى بات أقوى مما كان فى أى يوم، بسبب الدعم الأمريكى ــ والغربى المفتوح.
ومما زاد هذا الكيان قوة تهاوى القضية المقدسة فلسطين بعدما تكاتفت الأنظمة العربية ضد ثورة الشعب الفلسطينى وأغرقتها بالمال والسلاح لتستمد من وهجها ما تنافق به شعوبها، وحتى حولت «الثورة» إلى سلطة أخرى تماثل «السلطة» فى مختلف الدول العربية.. وكان بين الأسلحة فى أواخر الستينيات وبدايات السبعينيات تدفق الذهب والسلاح على «السلطة» مما حولها إلى «حكومة» مثل سائر الحكومات العربية، وحول «الثوار» إلى موظفين يتقاضون رواتب مجزية وبالدولار، تاركين مهمة «التحرير» على عاتق بعض المتطوعين الوافدين من أقطار عربية بعيدة، وبعض المتطوعين بالأجر.. لتحرير فلسطين!
2. وكان منطقيا أن ينتهى الأمر باتفاق أوسلو، الذى مهد للمصالحة «بين الذئب والضحية».. وهكذا أمكن لياسر عرفات أن يدخل فلسطين، بإذن إسرائيل فى ظل حماية دولية، ثم إن يحول «المنظمة» إلى «سلطة» لا يتحرك «رئيسها» أو «وزراؤها» إلا بإذن إسرائيلى وتصريح مسبق.
وكان منطقيا، بالتالى، أن تصير «السلطة» واحدة من حكومات «الدول» البلا نفط وبلا غاز وبلا دخل، يكفى لإعالة شعبها، تعيش على «المكرمات» و«الصدقات» وما يسمح به العدو الإسرائيلى من ضرائب ورسوم.. وأن يتحول «الفدائيون» إلى «شرطة» يطارد رجالها كل من يفكر بـ«الاعتداء على الكيان الإسرائيلى»!
3. يتصل بذلك أن الدول العربية اعتبرت أنها «قامت بواجبها تجاه القضية المقدسة»، فتركت الشعب الفلسطينى «يقرر ما يراه مناسبا» مفترضة أنها متعبة ولابد أن ترتاح وتريح، بعد مساعدته على العودة إلى بعض أرضه، وليس على استعادة أرضه المقدسة ليقيم دولته المستقلة فوقها.
بالمقابل، كانت مصر قد خرجت من ميدان الصراع العربى الإسرائيلى بمعاهدة كامب ديفيد التى عقدها الرئيس الراحل أنور السادات مع الرئيس الأمريكى جيمى كارتر ورئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن المؤرخة فى 17 سبتمبر 1978 والموقع عليها فى العام 1979.
وكان السادات قد زار الكيان الإسرائيلى، وخطب أمام الكنيست، داعيا إلى إنهاء عصر الحرب والمباشرة ببناء عصر السلام.
كذلك فقد جاء الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون إلى سوريا فى 15 يونيو 1974، بعد وقف إطلاق النار فى «حرب أكتوبر»، لكن الرئيس حافظ الأسد رفض توقيع معاهدة سلام.. وسمع من نيكسون فى غرفة جانبية ما مفاده «انتبه إلى هذا اليهودى كيسنجر. إنه يهودى».
ولسوف تستمر المفاوضات، متقطعة، بين واشنطن ودمشق، وكانت أهم مراحلها فى جينيف حين انعقد لقاء قمة بين الرئيس الأمريكى بيل كلينتون والرئيس السورى حافظ فى جنيف، لم تستغرق إلا بضع دقائق خرج بعدها الرئيسان متجهمين.. وفهم أن الرئيس الأسد قد أصر أن تشمل المفاوضات بحيرة طبريا «حيث وأنا ملازم أول سبحت فى مياهها ولست مستعدا لأن أوقع معاهدة سلام لا يعود نصيبنا من هذه البحيرة إلى سوريا».
***
نعود إلى تركيا وسلطانها أردوغان ومطالبته باستعادة أملاك السلطنة العثمانية، وأشار إلى ليبيا وتونس وأنحاء أخرى على أنها بعض تلك الأملاك، وهاجم النظام فى مصر لأنه يعارض طموحاته فى ليبيا ويعمل ضد «حقوق السلطنة» فى أملاكها خلف البحار!.
إن «السلطان» متعدد الوجوه والمواقف:
إنه ينافق العدو الإسرائيلى ويكاد يطلب إليه أن يحالفه، برغم الإهانات الجارحة التى وجهها إليه هذا العدو عندما استأجر بعض المتطوعين باخرة صغيرة تركية وتوجهوا فيها نحو شاطئ غزة حاملين بعض المؤن لشعبها؛ حيث واجههم الجنود الإسرائيليون بالرصاص.
وهو يستقبل قادة الإخوان المسلمين الهاربين من مصر، مما يستفز النظام فى القاهرة.
كذلك فهو يريد أن يكون عضوا فاعلا فى الحلف الأطلسى بشروطه المستحيلة، وهو «حليف مخلص للولايات المتحدة الأمريكية»، ولكن فى الوقت يريد شراء الصواريخ الروسية بعيدة المدى.
***
إنه «السلطان».. مع وعيه بأن أيام السلاطين قد انتهت إلى غير رجعة.
لكن «السلطان» يحب العواصف: لذلك يتقدم لاحتلال بعض شمالى سوريا متحاشيا الصدام مع الجيش الروسى الذى يساند الجيش السورى.
ويحاول الوصول إلى آبار النفط فى شرقى سوريا لكن العسكر الأمريكى يسبقه إليها.
يقاتل الأكراد فى سوريا، و«يتحالف» معهم فى العراق، و«ينافقهم» فى تركيا متحاشيا استفزازهم مما سيضيف أسبابا لاعتراضهم على نصيبهم فى السلطة تحت رعاية «السلطان».
والأيام ستحدد مصير آخر السلاطين بعدما زالت السلطنات جميعا من الوجود.
رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved