لبنان وقضاياه الشائكة

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 31 ديسمبر 2019 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

لم يكن لبنان فى يوم من الأيام بعيدا عن القضايا والأزمات العربية التى كانت ومازالت تفرض نفسها أو تفرضها أطراف إقليمية أو دولية، أو كلاهما معا على الساحة اللبنانية، وسرعان ما تتفاعل معها الأطياف اللبنانية بألوانها المختلفة أو المتداخلة فتتحول من امتداد لأزمات إقليمية إلى أزمة لبنانية معقدة بقدر تعقيدات التركيبة السكانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية اللبنانية.
وتندرج الأزمة الحالية التى تعصف بلبنان فى هذا السياق ذى الطبيعة العامة الممتزجة بطبيعة الأوضاع فى لبنان. وقد رفعت مطالب فى الأزمة الحالية تبدو فى ظاهرها منطقية وسلمية وأن المطالبين بها على حق، ولكن تنفيذها بالغ الصعوبة إلى درجة عدم الإمكانية لأنها مطالب تقوم على أساس افتراضات نظرية تتصادم بشدة وبقوة مع الواقع الفعلى فى لبنان.
***
إذا نظرنا إلى المطلب العام للأغلبية العظمى من المتظاهرين، وهو مطلب التغيير الشامل على جميع المستويات السياسية من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة تحت الشعار الذى رفعه المتظاهرون وهو: «كلّن يعنى كلّن»، فهو مطلب غير عملى وغير واقعى ويصعب تطبيقه لأن كلا من الرئاسات الثلاث فى لبنان، رئاسة الجمهورية مارونية، ورئاسة الحكومة سنية، ورئاسة البرلمان شيعية، وتمثل كل منها الطائفة التى تتوافق عليها وبالتراضى مع الطوائف الأخرى. هذا إلى جانب الدروز، وهو نظام استقر العمل به فى لبنان بحيث أصبح من تقاليدها السياسية والقانونية المرعية فى عدة عقود.
كما أن التركيبة السكانية فى لبنان قد شهدت عدة تغيرات خلال الأربعة عقود الأخيرة، خاصة ما شهده جنوب لبنان من نمو وتنمية للطائفة الشيعية التى تنضوى تحت لواء حزب الله بحيث أصبحت قوة سياسية واقتصادية وعسكرية ذات نفوذ قوى على الساحة اللبنانية، كما أنها ازدادت تقاربا وتعاونا مع حزب أمل الشيعى، وحققت توافقا مع تيار من المارونيين الذى يتزعمه جبران باسيل وزير الخارجية وينتمى إليه رئيس الجمهورية ميشال عون. وأصبح لحزب الله تمثيلا فى البرلمان ومشاركة فى الحكومة، ومن ثم يكون جزءا لا يتجزأ من الحياة السياسية اللبنانية، وهو ما سبق أن أكده وزير خارجية لبنان جبران باسيل فى مؤتمر صحفى مشترك مع وزير الخارجية الأمريكى أثناء زيارته بيروت. وكانت واشنطن قد أدرجت حزب الله على قوائم التنظيمات الإرهابية، ومارست ضغوطا اقتصادية على لبنان، هذا إلى جانب ضغوط اقتصادية من أطراف إقليمية أخرى ساهمت فى حالة الارتباك المالى والاقتصادى فى لبنان، وأضيف إليها منذ اندلاع المظاهرات شبه توقف للسياحة إلى لبنان وهى من مصادر الدخل المهمة.
وطرحت فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط أو اختصاصيين من غير السياسيين التقليديين أو المنتمين لأحزاب سياسية، ولكن اختيار هؤلاء الاختصاصيين لا يمكن أن يتم بعيدا عن نظام المحاصصة لكل طائفة من الطوائف. وقد رفض هذا المطلب بعض الطوائف لما قد يكون وراءه من مسعى لاستبعادها، خاصة حزب الله، بحيث يكون تشكيل حكومة تكنوقراط بمثابة خطوة على طريق هذا الاستبعاد من أى حكومة مستقبلا. وطرح اقتراح تشكيل حكومة تكنو ــ سياسية، أى تجمع بين التكنوقراطيين والسياسيين، ولكنها مازالت تراوح مكانها.
كما أن الأمر فى نهاية المطاف أيا كانت صورة تشكيل الحكومة سيعرض على البرلمان بتركيبته السياسية الطائفية ليمنح الثقة لها، أو يرفضها. هذا من الأسباب التى جعلت رئيس الجمهورية يطيل فترة المشاورات غير الرسمية للتشاور حول من يترأس الحكومة وتشكيلتها قبل التكليف الرسمى، لأن رئيس الحكومة لابد أن يوافق عليه طائفة السنة ورئيسها سعد الحريرى.
ولا شك أن وجود اللاجئين السوريين فى لبنان وتوفيرهم عمالة رخيصة فى جميع المجالات، والقيام بأنشطة اقتصادية صغيرة وعائلية قد ساهم فى ازدياد لنسبة البطالة بين اللبنانيين ومثل ضغطا على الطلب الفعلى للسلع الاستهلاكية والخدمات فى ظل أزمة اقتصادية متزايدة على مدى نحو ثلاث سنوات دون اتضاح حلول عملية لها.
***
وكان لمشاركة قوات حزب الله مع كل من روسيا وإيران لدعم النظام السورى فى حربه ضد الجماعات المسلحة والمنظمات الإرهابية، تأثير سلبى للغاية على علاقات عدة قوى دولية وإقليمية مع حزب الله بصفة خاصة ولبنان بصفة عامة.
وسبق أن رفض لبنان المشاركة فى المنتدى الاقتصادى فى البحرين والذى دعت إليه واشنطن لتقديم الجانب الاقتصادى والمالى من صفقة القرن لحل القضية الفلسطينية، لما انطوى عليه من توطين اللاجئين الفلسطينيين فى الدول والأماكن المقيمين فيها، وهو ما يرفضه لبنان شكلا ومضمونا بالكلية. وهو ما لم ترض عنه إدارة الرئيس ترامب.
كما أن موقف كل من الرئيس عون ووزير الخارجية جبران باسيل المؤيد للتوافق مع النظام السورى والمطالبة بعودة سوريا إلى مقعدها فى جامعة الدول العربية، لا ترضى عنه دول عربية ولا الولايات المتحدة الأمريكية.

***
لقد أصبحت عدة قوى إقليمية ومنها دول عربية خليجية ودولية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تربط بين علاقاتها ومساعداتها وتعاونها مع الحكومة فى لبنان وبين الارتباط الإيرانى بحزب الله ودوره فى الأزمة السورية وفى المقاومة ضد الأطماع الإسرائيلية فى جنوب لبنان وما اكتسبه الحزب من قوة فعالة فى الشئون الداخلية فى لبنان. وتضغط هذه القوى اقتصاديا وماليا على الحكومة اللبنانية للعمل على الحد من نفوذ حزب الله داخل لبنان وعلاقاته مع إيران وأطراف أخرى فى المنطقة. وهذا مطلب كما سبق إيضاحه بالغ الصعوبة والحساسية ومرتبط ارتباطا وثيقا بالتركيبة الطائفية اللبنانية وارتباط كل طائفة بقوى إقليمية ودولية متقاطعة. كما أن كل محاولة لتحجيم حزب الله وحده دون الطوائف الأخرى لن يتوقع لها النجاح بل ستؤدى إلى مزيد من التوتر والاحتقان الداخلى فى لبنان.
ومن ثم يتضح أن مطالب المتظاهرين بالتغيير الشامل تقف عند حدود النظام القائم والمعمول به وهو الطوائف والمحاصصة؛ حيث لا يمكن تغييره بين ليلة وضحاها وقد أثبتت الأزمة اللبنانية الدامية التى استمرت نحو 15 سنة من 1975 إلى 1990 أن تغيير هذه التوازنات من الصعوبة بمكان، بل إنها ــ أى تلك الأزمة ــ ثبتت ودعمت النظام الطائفى.
ولاشك أن حكماء لبنان، وهم كثر، يدركون ذلك تماما، ويعملون على تجاوز الأزمة وكل الضغوط من كل الاتجاهات، بامتصاص الانفعالات والتركيز على الوقائع والاتجاه نحو مخرج أشبه بالمخرج من الأزمة السابقة يركز على حكومة هدفها الأول هو العمل بكل الوسائل للخروج من ضائقة الأزمة الاقتصادية ومحاربة الفساد والنأى بالنفس عن التدخلات الخارجية قدر الإمكان.

مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved