الحوار وأثره في بناء مجتمع جديد

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الجمعة 31 ديسمبر 2021 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

حضرت ندوة نظمتها جمعية السادات للتنمية والرعاية الاجتماعية حول عام المجتمع المدنى 2022 ودوره المنتظر فى نشر ثقافة حقوق الإنسان على ضوء الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أدارها بكفاءة الأستاذ سامح فوزى وحضرت أيضا السيدة فاليرى ريتشى ممثلة السفارة السويسرية الجهة الشريكة فى الندوة. ودعا فيها محمد أنور السادات إلى تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى فى سنة 2022، وحضرها أيضا مجموعة من الشباب النواب والشخصيات العامة وكانت ندوة فيها تنوع كبير فى الأفكار.

الهدف من الحوار هو السعى وراء تحقيق التفاهم المشترك عبر بوابة الاستماع من أجل اكتشاف أوجه التشابه وفهم الاختلافات فى وجهات النظر المتنوعة. وليس هدف الحوار إقناع الآخرين بالموافقة على وجهة نظر الآخرين أو تبرير ما يؤمنون به، إنما الحوار يهدف إلى تخطى عقبات سوء الفهم وتبديد الصور النمطية من أجل تعزيز التفاهم المتبادل. فالاحترام المتبادل يجب أن يسود ويبنى جسور التفاهم بين أصحاب الآراء المختلفة سعيا إلى تحويل العلاقات الإنسانية القائمة على الجهل والتعصب إلى حالة أعمق من الفهم والاحترام لما هو مشترك وما هو غير مشترك.
•••
الملاحظ فى هذه الندوة أن شباب أعضاء مجلس النواب لا يتحملون الرأى الآخر، وفوجئت بأن أحد المتحدثين منهم قال «أنا لن أسمح بهذا الكلام» هذه صيغة مستبدة وغير مقبولة ولا يستطيع هذا النائب أن يمنع أحدا من أن يعبر عن وجهة نظره! فهذه الجملة فى حد ذاتها دليل على عدم معرفة فوائد الحوار وطرق تفهم الآخرين.
هذه الطريقة فى الحوار تؤدى إلى فشل الحوار وعدم الاستماع للآخر، والاحترام المتبادل يعتبر عاملا من عوامل نجاح هذا الحوار، فلكل من له رأى يجب أن يكون مستندا إلى حقائق وليس إلى توهمات حتى يطرح وجهة نظره بشكل موثق.
ونحن ما زال ينقصنا الكثير فى وضع قواعد الحوار الجيد، ورغم كل هذا كانت الندوة جيدة إلى حد كبير. وهنا يجب أن نتنبه إلى تعليم أبنائنا وبناتنا الصغار كيف يتحاورون وكيف يقبلون الآخر من خلال مناظرات بين كل الأطراف، والابتعاد عن الخصومة والتعصب. وفى مجال التربية يؤكد المهتمون بأن الحوار من أهم أدوات التواصل الفكرى والثقافى والاجتماعى والاقتصادى التى تتطلبها الحياة فى المجتمع المعاصر، وأثره كبير فى تنمية الفرد على التفكير المشترك والتحليل والاستدلال وتحرير الإنسان من الانغلاق والانعزالية.
ولابد من تأسيس ثقافة الحوار بين الجيل الجديد والإيمان بالحوار للتواصل بين البشر، وكذلك الإيمان بقيمة رأى الآخرين والاعتزاز بالتعبير عن رأيهم والتحلى بآداب الحوار.
•••
ولى تجربة فى التربية حيث كان الحوار الذى كان يتبناه تلاميذ المراحل الإعدادية والثانوية فى منتهى النضج والاحترام وذلك بعد ممارسات كثيرة تعلموها من خلال الحوارات المختلفة، وكنا فى كل عام نستدعى وزير التربية والتعليم الدكتور حسين كامل بهاء الدين، هذا الرجل العظيم، ويحضر ويدير حوارا بين الوزير والطلاب فى منتهى الشفافية ويطرحون الأفكار التى يتمنون أن يحققوها وكانت استجابة الوزير على أعلى مستوى من القبول والكفاءة، وأصبح هذا تقليدا دائما مع الوزير، وأدى إلى نتائج مبهرة فى من كبر وتمرن على هذا الحوار.
ومن أهم ما جاء فى استراتيجية حقوق الإنسان أن مبدأ المشاركة مبدأ شديد الأهمية ويدعو الجميع فى طرح أفكارهم وآرائهم ليشعروا أن هذا الوطن وطنهم وأنهم جزء من وضع سياساته وتحقيقها.
وبموجب الاستراتيجية يسمح الحوار بين أبناء وبنات المجتمع بمناقشة القضايا الوطنية من خلال مؤسسات المجتمع المدنى وحوارات ولقاءات فى وسائل الإعلام المختلفة، ولا يحرم أحدا مهما كانت آراؤه من أن يدلى برأيه وخاصة فى المؤسسات التربوية، وتشجيع الطلاب على المشاركة الإيجابية فى عملية التعليم ودعوتهم للتفكير فى اقتراح الحلول لها ليستطيعوا فيما بعد أن يتعلموا كيف يعبرون عن رأيهم الشخصى دون ضغط من أحد.
وإذا كنا ندعو إلى بناء الإنسان الجديد فتعلم الحوار وتنشيط العمل الأهلى سيكون ركيزة مهمة فى بناء إنسان جديد فاعل فى نشر ثقافة الحوار، وأن يتعلم الصغار التسامح مع الاختلاف والحرص على التعددية.
وليس الحل فى أن نضع فى كل وزارة مسئولا عن حقوق الإنسان، فهذه الطريقة طريقة عشوائية لا تنتج ثمارا حقيقية. فيجب عندما يختار أحد فى هذه المواقع أن تكون لديه المعلومات الكافية عن حقوق الإنسان وأن يدرب فنيا ومهنيا وعلميا وتوضع له أهداف محددة للعمل فى هذا المجال لبث لغة الحوار البنّاء البعيد عن التعصب. وأن تكون هناك آلية علمية لتعلم ما هى أدوات تحقيق حقوق الإنسان. وكذلك عقد دورات تدريبية لأن الدنيا تتغير بسرعة شديدة فى حال تغير ثقافة الحوار حيث يسود التسلط والعنف والإحساس بانعدام الثقة وعدم التوازن والشلل الذهنى الذى يفقد القدرة على التفكير والتحليل والتحاور، وإذا زادت ثقافة القمع والتسلط سيؤثر ذلك على علاقة الناس ببعضهم وسيؤدى إلى خلق العنف الاجتماعى، وغرس الخوف والطاعة العمياء فيحرمهم من النقد الحوارى فيما يتعلق بشئون الوطن، بدلا من التحرر من كل الانطباعات السلبية ليشعروا أنهم جزء فاعل فى بناء الوطن.
ويبقى الحوار وفهم الآخر هو العامل الرئيسى فى إزالة أى إشكالية تحدث.. وتنمية الحوار بين الجيل الصغير يحافظ على ثقافة المجتمع وشخصيته بدلا مما نواجهه الآن، فكل الشباب يريد أن يتمثل بالثقافات المستوردة. أما تنقية الكتابات فى المجتمع من الإرث التمييزى والتعصب الدينى والمذهبى ضد الآخر فهذا دور الإعلام ودور المجتمع المحلى والجمعيات الأهلية لنبنى مجتمعا ينعم بالسلام الاجتماعى والاستقرار السياسى على الرغم من اختلافاته، وتعزيز ربط الجيل الصغير بالوطن العزيز لأن هذا الجيل هو جيل المستقبل الذى تراهن عليه مصر من الآن.
هذه الندوة التى حضرتها نموذج لتعلم فن الحوار وآدابه وتقاليده، أما «لن أسمح» فهذا مرفوض شكلا وموضوعا لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved