كَراسٍ مستبدة.. ما نحتاجه هو تصميم أفضل - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كَراسٍ مستبدة.. ما نحتاجه هو تصميم أفضل

نشر فى : الخميس 3 سبتمبر 2020 - 11:00 م | آخر تحديث : الخميس 3 سبتمبر 2020 - 11:00 م

نشرت صحيفة The guardian مقالا للكاتبة Sara Hendren تناولت فيه أضرار الكراسى والجلوس عليها لفترات طويلة، وما نفتقره من تصميمات تدخل فى اعتبارها ما يحتاجه جسم الإنسان.. نعرض منه ما يلى.
كما تقول المعمارية «جالين كرانز» «دعونا نواجه حقيقة أن الجلوس مضر». ليس كل الجلوس بالطبع، ولكن من تخاطبهم «جالين» هم من يعيشون فى المجتمعات الصناعية. فطالما نادى الباحثون أن الكراسى سبب رئيسى للألم والإعاقة وآلام الظهر بكل أنواعها. الجلوس لفترات طويلة يضعف الظهر والعضلات ويضغط على أعصاب أسفل الظهر ويعيق تدفق الدم الذى يحتاجه الجسم لاكتساب الطاقة والانتباه. وبعض المهن التى تتطلب الجلوس لفترات طويلة، مثل قيادة الحافلات، من الممكن أن تقصر متوسط عمر الإنسان.
على مدى التاريخ كان الطبيعى أن الجسم البشرى يتخذ مواضع مختلفة تؤهله للعمل اليومى، مثل جلسة القرفصاء لقضاء المهام اليومية أو الاستلقاء عند تناول الطعام فى بعض الثقافات. ولذا يكون السؤال هو متى ظهر الجلوس على الكراسى؟. تقول «جالين» إن ما يمثله الكرسى من وظيفة يحكى جانبا صغيرا من القصة، أما الثقافة مسئولة عن الجزء المتبقى وما تخلقه من عادات. فعلم الأحياء ووظائف الأعضاء وعلم التشريح لا علاقة لهم بتصميم الكراسى أكثر من علاقة الفراعنة والملوك والمديرين التنفيذيين.
***
ظهرت الكراسى فى مصر الفرعونية وجنوب شرق أوروبا كرمز للمكانة والسلطة التى تجعل من يجلس عليها أعلى مما حوله، واستمرت الكراسى ترمز للسلطة خلال العصور الوسطى وعصر النهضة إلى وقتنا الحالى الذى يستخدم فيه اسم الكرسى، وخاصة فى اللغة الإنجليزية، ليشير إلى منصب ذات سلطة.
قديما قبل الثورة الصناعية، لم تستخدم المنازل الكراسى إلا فى المناسبات الخاصة، وعادة كانت ملكية خاصة للأثرياء. ولكن الثورة الصناعية وطبيعة مهامها المتكررة التى تتطلب الجلوس لأوقات طويلة جلبت لأول مرة الكراسى لحياتنا اليومية وجعلتها متاحة وبأسعار معقولة لأفراد الطبقة الوسطى.. وأدخل مهندسو الديكور بعد ذلك الملمس الجمالى إليها وأعادوا صناعتها مرارا وتكرارا.
ولكن على الرغم مما تتميز به الكثير من تصميمات الكراسى من راحة، إلا أنها فى الحقيقة تضر الجسم. فالكراسى المبطنة تجعل العظام تتأرجح وتلقى وزن الإنسان على اللحم بدلا من العظم، وهو على عكس الجلوس على سطح مستوى ثابت. ولذلك تدعو «جالين» المصممين لتصميم كراسٍ تلبى حاجة الجسم من الحركة.. ولكن يتم تجاهل هذه المبادئ لتتماشى التصاميم مع الموضة وتخفيض التكلفة.
***
كان هناك الكثير من المحاولات من قبل المصممين لإعادة تصميم الكراسى، مثل الكرات النطاطة، لتشجيع تغيير الوزن والحركة. ولكن ستظل الكراسى فى الطائرات والقطارات وأماكن العمل.. إلخ تتعارض كليا مع أى مفهوم عن الراحة. فهذه الكراسى تم تصميمها فقط لتكون وفيرة ورخيصة.. «فيكتور بابانيك»ــ وهو أحد المصممين المشهورين ــ اعتبر تلك التصميمات شكلا من أشكال «اقتل نفسك بنفسك». ما يراه بابانيك أن تصميمات الفترة الصناعية أنتجت القتل على نطاق واسع، من خلال تصميم سيارات غير آمنة تقتل وتشوه الملايين كل عام حول العالم، أو خلق أنواع نفايات لا تتحلل وتفسد الطبيعة، واستخدام مواد تلوث الهواء الذى نتنفسه.. ولذلك يرى «بابانيك» أن المصممين سلالة خطيرة.
فعلى الرغم من إدراكه لطموح المصممين، إلا أنهم فى رأى «بابانيك» ضلوا طريقهم وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. فأدت الثقافة السائدة والتكنولوجيا إلى شهية لكل ما يبدو لامعا وجديدا، وهو ما تهتم به الصناعة الآن. وما يقبله الجماهير هو تلك الأشياء الجديدة اللامعة التى يستمر عمرها الافتراضى حتى وصول الشىء الجديد التالى. وأدت التصميمات الجديدة التى تدعمها الإعلانات إلى رغبة فى اقتناء أشياء فارغة تصبح بسرعة غير صالحة للاستخدام. فما حدث هو إهمال الأجسام البشرية، خاصة فى أماكن العمل التى لا ترى ما يتكون منه الفرد من لحم وعظم بل تعتبره أداة اقتصادية تنظمها الأدوار والمهام.
***
واصل المصممان بيل ستامف ودون شادويك بعد بابانيك صراعهما مع الكراسى، وخاصة مع الكرسى الطبى المصمم لكبار السن. فعلى الرغم من مزاياه، إلا أنه يعد المقعد الخاطئ للكثير من الحالات التى تظهر مع تقدم السن. فكبار السن الذين يعانون ضعف العضلات يواجهون صعوبة فى الجلوس والقيام من على المقعد كما يجدون صعوبة فى الوصول للرافعة المخصصة لتغيير وضع الجسم. كما أن البطانة الكثيفة المستخدمة لتحقيق الراحة تعرض من يجلسون على الكرسى لفترات طويلة لخطر الإصابة بقرح الفراش.
ما توصل إليه المصممان بعد ذلك ما أسموه بكرسى «سارة» الذى يتمتع بمرونة عالية وسهولة تغيير ميل الظهر والذراعين ومسند القدم، مع تقليل بطانة الكرسى وجعله قابلا لمرور الهواء. هذا التصميم رفض فى البداية لأنه لم يحقق ما يجذب إليه السوق، ولكن تم قبوله بعد بضع سنوات. توصل المصممان لنسخة ثانية تصلح لجسد الموظف العادى. بعد إزالة الحشو تماما واستخدام البلاستيك أصبح التصميم عبارة عن مقعد بدون وسادة يعمل على تدعيم شكل الجسم، وليس فقط جسم من تقدم بالسن، ويسمى الآن «Aeron Chair» والذى أصبح مثالا للتصميم العالمى الشامل، وهو التصميم الذى يصل إليه المصمم من خلال نظرته ودراسته لما تحتاجه الأقليات أو مما يقع على الهوامش وليس لما هو مسلم به.. يعنى ذلك مراقبة كبار السن ومستخدمى الكراسى المتحركة والوصول إلى ملاحظات حول ما يحتاجونه، ومن ثم الوصول إلى تصميم يصلح للكل.
***
لم يكن بابانيك هو الذى قدم تصميما عالميا للعالم بل الأشخاص المعاقون هم الذين وضعوا ما أصبح مجموعة من المبادئ يمكن للمصممين اتباعها. رونالد ميس، وهو مستخدم كرسى متحرك ومهندس معمارى، له الفضل فى تقديم مصطلح «التصميم العالمى» فى عام 1985 وهو تصميم يصلح للجميع.
الإعاقة هى قلب الابتكار غير المعترف بها. على سبيل المثال، يرتبط تاريخ الهاتف ارتباطا وثيقا بالصمم. فعمل جراهام بيل مع الطلاب الصم ومعلميهم وبحث عن طريقة تجعل الكلام مرئيا وقابلا لتحويله إلى إشارات وبالتالى يمكن نقله بالوسائل الإلكترونية، وهو ما أوصله لتكنولوجيا الهاتف وساعد على الوصول لطريقة معالجة الإشارات التى ساهمت فى صناعة الكمبيوتر.
يميل التصميم العالمى أيضا إلى تأكيد أهمية المنتجات فى بناء عالم مرغوب فيه. فالمنتج الذى سيكون الاختيار المفضل على المدى القصير سيقدم حلا طويل الأجل. إن الوصول للتصميم والبناء الدقيق للكرسى ليكون مريحا ومفيدا هى مهمة المهندس، لكن البراعة لا تكمن فى الميكانيكا بل فى خلق نظام مستدام قابل للإصلاح والصيانة. فمعظم مصانع الكراسى تستخدم أجزاء يصعب استبدالاها عند تلفها وتصبح الكراسى غير صالحة للاستعمال عند كسرها.. التصميم يجب أن يبقى.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bit.ly/2EX2Xj0

التعليقات