حدودٌ سائبة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حدودٌ سائبة

نشر فى : الأربعاء 7 أكتوبر 2020 - 9:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 أكتوبر 2020 - 9:55 م

نشرت مدونة الديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتبين منهل باريش وخضر خضور حول المساعى التركية للسيطرة على المناطق الشمالية فى سوريا لتكون منطقة تعزلها عن قوات سوريا الديمقراطية أو حتى استغلال المناطق لأبعد من ذلك، إلى جانب فرصة تركيا فى تطبيق نفس الاستراتيجية على منطقة شرق الفرات... نعرض منه ما يلى:
كان الانسحاب الأمريكى من المناطق الواقعة شرق الفرات فى أكتوبر 2019 نقطة تحول فى النزاع فى شمال شرق سوريا. فهو سمح لتركيا بالتوسع فى المنطقة، وهو ما أسفر عمليا عن دفع حدودها قُدُما بشكل أعمق داخل سورية، ومكنها من إقامة منطقة عازلة مع قوات سوريا الديمقراطية. وكما هو معروف، هذه الأخيرة هى كناية عن تحالف متنوع يضم مجموعات مسلحة متعددة الإثنيات بقيادة وحدات حماية الشعب، التى تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستانى المُتهم تركيًّا بالانخراط فى أنشطة إرهابية.
مثل هذا التوسع غير طبيعة المناطق الحدودية السورية مع تركيا، وربطها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا بالأقاليم التركية عبر الحدود. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة لم ترقَ إلى كونها ضما مباشرا، إلا أن هذا الدمج أعاد تشكيل الأطر الاجتماعية والاقتصادية لهذه المناطق. لا بل هو ربما يمهد الطريق لاحقا أمام خطوات مستقبلية أكثر جذرية قد تقوم بها أنقرة فى هذه المنطقة.
***
أسفرت العملية العسكرية التركية، التى أُطلق عليها اسم «نبع السلام» والتى تلت الانسحاب الأمريكى، عن استيلاء الجيش التركى على قطاع من الأراضى بين رأس العين وتل أبيض ما برح أن تحول إلى منطقة حدودية جديدة، تماما كما حدث بعد عمليتى «درع الفرات» و«غصن الزيتون» فى أجزاء أخرى من شمال سورية. منطقة «نبع السلام» هذه ارتبطت على نحو وثيق بولاية شانلى أورفا التركية فى مجالات الإدارة والخدمات والتجارة، لكنها انعزلت أيضا عن المناطق المحيطة بها فى سورية. والحال أن هذه البقعة لها أهمية استراتيجية لتركيا، وهى دفعتها إلى التدخل لمنع بروز أى كيان يُسيطر عليه حزب العمال الكردستانى. وهذا يوضح لماذا شهد هذا المُتسع بين رأس العين وتل أبيض تمركزا أمنيا كثيفا، ولماذا أيضا لن يكون من السهل على السوريين استعادته الآن.
يبدو التدخل التركى فى هذه المنطقة عميقا، فكل مجلس محلى له منسق مرتبط بولاية شانلى أورفا. هؤلاء المنسقون يساعدون المجالس المحلية على توفير الدعم اللوجستى والتمويل الضروريين لتنفيذ مشاريع الخدمات. كما أنهم يساهمون أيضا فى تنسيق تسليم المساعدات التركية إلى الهيئات المحلية من خلال الحكومة المؤقتة السورية المعارضة. وهذا يشمل أمورا مثل الرعاية الصحية، والملكية، وقيد النفوس، والتعليم.
يتبدى عمق هذا الانخراط فى الحقيقة بأنه حين أعلنت الحكومة المؤقتة تشكيل مجلس محلى فى تل أبيض فى 28 أكتوبر 2019، قام والى شانلى أورفا عبدالله إرين بزيارة المدينة وأعرب عن دعمه للمجلس الجديد. وحين شُكِل المجلس المحلى فى رأس العين فى 7 نوفمبر 2019، زار إرين هذه المدينة أيضا وشدد على أن تركيا ستواصل إعادة بناء المنطقة وتشجع عودة اللاجئين.
فى القطاع التعليمى، أعاد الأتراك فتح 146 مدرسة فى منطقة رأس العين والتحق بها أكثر من 15 ألف تلميذ. كما وقعت جامعة حران مذكرة تفاهم لفتح فرع لها قريبا. ويجرى تقديم منح دراسية لعدد من الطلاب الذين يحصلون على علامات عالية فى امتحانات اللغة التركية YÖS، خاصة فى الجامعات الموجودة فى حران وماردين وهاتاى.
مثال آخر على ما تفعله تركيا هو أنها سمحت فى مايو الماضى لـ85 حصادة بالمرور عبر أراضيها من مناطق تمت السيطرة عليها خلال عملية درع الفرات إلى منطقة رأس العين وتل أبيض بهدف حصاد القمح والشعير. وهذا كان ضروريا لأنه ليس هناك رابط جغرافى مباشر بين هاتين المنطقتين الخاضعتين إلى السيطرة التركية. ووفق مصادر محلية، منحت السلطات التركية أيضا أذون دخول لـ1500 مزارع خلال موسم الحصاد كى يستطيعوا المرور عبر تركيا لحصد مزروعاتهم فى سوريا. وبعد انتهاء موسم الحصاد، ستُخفف إجراءات الترانزيت لتسهيل نقل الحبوب إلى مناطق درع الفرات. تشارك فى هذه الأنشطة فى المنطقة مجموعات المساعدة التركية: هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH)، وإدارة الكوارث والطوارئ (أفاد)، وأيضا الهلال الأحمر التركى. وهذه كلها تملأ الفراغ الذى خلفته وكالات الإغاثة الأوروبية والأمريكية التى توقفت عن العمل هناك.
***
باتت منطقة رأس العين وتل أبيض مرتبطة على نحو وثيق وكثيف بتركيا، لكن حدودها أُغلقت مع بقية أنحاء سورية، ما شجع عمليات التهريب. ووفقا لأشخاص محليين، تبدو مواد البناء أرخص فى مناطق نبع السلام حيث تُخزن. فطن الفولاذ يكلف 500 دولار فى هذه المناطق، فيما السعر فى الرقة التى تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية هو 650 دولارا للطن. سعر طن الإسمنت فى مناطق نبع السلام 42 دولارا بينما يصل سعره إلى 100 دولار فى الرقة. بيد أن العكس صحيح فيما يتعلق بمنتجات الوقود، لأن المناطق التى تُسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية تنتج النفط. فبرميل الفيول أويل يكلف 37 دولارا فى مناطق نبع السلام، فيما السعر هو 15 دولارا فقط فى الرقة، والبنزين يكلف 84 دولارا للبرميل فى مناطق نبع السلام بينما السعر 40 دولارا فى الرقة.
كل هذا يشى بأنه فيما تقع هذه المنطقة، من الناحية التقنية، فى القطاع الحدودى مع تركيا، إلا أنها تعمل بمثابة حدود بين تركيا وبقية سورية. وحقيقة أنها مرتبطة على نحو وثيق بتركيا لكنها معزولة عن سورية، يجعل من غير المحتمل عودة قطاعات واسعة من اللاجئين فى وقت قريب. وهكذا، حين سُئل قائد محلى عن آفاق عودة اللاجئين، اكتفى بالتشديد على وجود قصور فى البنى التحتية المحلية وعلى صعوبة الحصول على موارد كافية. وأضاف: «الكهرباء والماء والمواد الغذائية كافية لنا فقط. لا نريد أن يعود أحد».
الحافز وراء قيام تركيا بإعادة تشكيل المناطق الحدودية الشمالية السورية ليس الاستيلاء على هذه الأراضى، بل خلق منطقة عازلة مع قوات سوريا الديمقراطية، بهدف استيعاب تأثيرات أى مجابهة مع هذه المجموعة. الأرجح أن هذه الأجزاء من سوريا ستبقى سورية، ولكن ستكون تحت تأثير نفوذ تركى قوى. صحيح أن هذا الوضع يمكن أن يوفر المزيد من الخيارات لتركيا مستقبلا، لكن حتى الآن، ولأن إدارتها لهذه المناطق ناجحة فى العديد من المجالات، قد تندفع تركيا لاستنساخ هذا النموذج فى شرق الفرات.

النص الأصلى
https://bit.ly/3df8UoN

التعليقات