المعادن الحرجة والجغرافيا السياسية الجديدة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المعادن الحرجة والجغرافيا السياسية الجديدة

نشر فى : الخميس 8 أكتوبر 2020 - 7:00 م | آخر تحديث : الخميس 8 أكتوبر 2020 - 7:00 م

نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتبة Sophia Kalantzakos... نعرض منه ما يلى:
تضع أزمة المناخ والثورة الصناعية الرابعة العالم على مسار تصادم جيوسياسى. ويعتمد كل من الدافع لإزالة الكربون، والمعركة من أجل التفوق التكنولوجى العالمى على قطاع المعادن الحرجة مثل عناصر الأتربة النادرة، والليثيوم، والكوبالت ــ وكلها تتركز فى بضعة أماكن، بما فى ذلك الصين.
ويتزايد السعى نحو السيطرة على سلاسل التوريد الخاصة بهذه العناصر. فعلى سبيل المثال، تعمل السيارات الكهربائية التى تصنعها شركة تيسلا، ببطاريات أيونات الليثيوم، لكن حفنة قليلة من البلدان تنتج معظم الليثيوم فى العالم. وسيزيد التوتر بين التركيز الجغرافى للموارد الحرجة وبين المنافسة العالمية المتزايدة على العرض من زعزعة الجغرافيا السياسية فى القرن الحادى والعشرين.
وهكذا، تقترب حقبة طويلة من المنافسة على الموارد من النهاية بسرعة. ففى الماضى، كانت الإمبراطوريات محصورة فى سلاسل التوريد الاقتصادية، والمنافسة المُدارة. وخلال دورة إنهاء الاستعمار الطويلة بعد عام 1945، دعمت الولايات المتحدة، بصفتها القوة الاقتصادية العالمية المهيمنة، قواعد التجارة العالمية ومعاييرها. وفى الوقت نفسه، أصبحت إمدادات الموارد الحرجة ــ خاصة الوقود الأحفورى ــ أكثر انتشارا، حيث ساعدت المعلومات الجيولوجية المحسنَة، والتقنيات الجديدة (مثل التنقيب فى أعماق البحار) على التخفيف من قبضة منظمة الأوبك.
ولكن الظروف انقلبت اليوم. فالمعادن الحرجة بالنسبة للاقتصاد الرقمى واقتصاد عصر ما بعد الكربون مركزة تركيزا كبيرا من الناحية الجغرافية، بينما أدت نهاية القطبية الأحادية الأمريكية، وزيادة الشكوك التجارية العالمية إلى تحفيز حالة اندفاع لتأمينها.
إن صعود الصين العالمى يدعم التوتر بين المنافسة والتركيز الجغرافى. ولم يعد الابتكار والإنتاج الصناعيان من الاختصاصات الحصرية لاقتصادات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، ولا سيما الولايات المتحدة، والدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، واليابان. لقد ضمنت هذه القوى الكبرى فى السابق مدخلات مهمة من خلال التوسع الاستعمارى، واقتطاع الموارد، ولكن طموحات الصين فيما يتعلق بالتصدير، وسيطرتها على سلاسل التوريد الرئيسية، غيرت اللعبة. وفضلا عن ذلك، فإن مبادرة الحزام والطريق الصينية تتحدى بانفتاح النماذج السابقة للوصول والتعاون.
إن هيمنة الصين على الموارد تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية. إذ فى عام 2010، خفضت الصين حصصها التصديرية من عناصر الأتربة النادرة إلى النصف، كما ورد فى تقارير أنها حظرت بيعها لليابان. وأيقظت هذه الحلقة الاقتصادات الرائدة الأخرى على حقيقة أن منافسا وخصما رئيسيا يسيطر على 97٪ من الإمداد العالمى لهذه المدخلات الحيوية للمغناطيس، والزجاج، والإلكترونيات، وأنظمة الدفاع، وتوربينات الرياح، والمركبات الهجينة والكهربائية.
وكان رد فعل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى، واليابان مجزئا، وبعد مرور عشر سنوات ما زالت لم تنتج استراتيجيات لتحرر أنفسها من قبضة الموارد الصينية. وتصدرت العناصر الأرضية النادرة العناوين الرئيسية فى عام 2019، عندما أشارت الصين إلى أنها قد «تستخدمها سلاحا» فى نزاعها التجارى مع الولايات المتحدة.
كذلك، تولى إزالة الكربون أولوية للإنجازات الأخرى فى مجال تكنولوجيا البطاريات والتخزين، وهذا هو السبب فى ارتفاع إنتاج الليثيوم العالمى من 32500 طن فى عام 2015 إلى 95 ألف طن فى عام 2018. ويشارك اثنان من بلدان «مثلث الليثيوم» الثلاثة المتقلبة سياسيا واقتصاديا ــ تشيلى وبوليفيا ــ فى مبادرة الحزام والطريق، ويحصلان على استثمارات صينية كبيرة، ويفكر الثالث، الأرجنتين، فى الانضمام إلى المبادرة. ونظرا لعدم امتلاك أى منها القدرة على التكامل الرأسى، تتحكم الصين فى أكثر من 60٪ من القدرة التصنيعية العالمية لبطاريات أيونات الليثيوم.
ويُستخرج الكوبالت، وهو مكون أساسى آخر فى البطارية، بصورة مكثفة فى جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتمتلك هذه الأخيرة أكبر احتياطى الكوبالت فى العالم وتنتج 60٪ من الكوبالت المستخرج عالميا. ولا تزال البلاد هى المنتج الأكثر تنافسية من حيث التكلفة، والصين هى المستثمر المهيمن، على الرغم من أن الاحتجاج على الممارسات العمالية أثار تساؤلات حول «التعدين الأخلاقى».
كيف يمكن لحكومات الدول الغنية أن تدير التوتر بين التركيز والمنافسة فيما يتعلق بالمعادن الحرجة على أفضل وجه، خاصة إذا كانت المؤسسات العالمية التقليدية فى طريقها إلى الزوال؟. إن أحد الخيارات هو إحياء النموذج الاستعمارى القديم لتقسيم المناطق لإدارة المنافسة. ولكن على الرغم من أن الصين كانت قادرة على توسيع نفوذها الاقتصادى العالمى دون تحمل عبء كونها قوة استعمارية، فإن الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، واليابان، لم يعد بإمكانها أن تلعب هذه اللعبة بنجاح. ولدى البلدان النامية الأصغر الآن خيارات وتفضيلات أخرى، وغالبا ما تقف إلى جانب الصين، أو روسيا، أو الهند، أو قوى أخرى.
وبدلا من ذلك، يمكن للقوى التقليدية البدء فى بناء إطار جديد للتعاون. ولكن موقف «أمريكا أولا» للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وعدم التنسيق بين الحلفاء السابقين، عاملان يقفان عقبة فى الطريق الآن. كما أن الأعمال التجارية ليست مهيأة لأن تعطى أولوية للجغرافيا السياسية على حساب الاعتبارات المالية.
إن دعوات الحكومات المتكررة للتخلص من سلاسل التوريد بالكاد تحقق شيئا يذكر؛ ويشن الوزراء هجوما عنيفا بشأن المنافسة لكنهم لا يعالجون احتياجات البلدان ومصالحها التى تتركز فيها الموارد الاستراتيجية الرئيسية. وفضلا عن ذلك، سيؤدى تغير المناخ إلى زيادة التقشف، لا سيما فى المناطق الغنية بالموارد.
لقد أظهرت الصين قوتها الاقتصادية المتزايدة من خلال إقامة شبكة عالمية من الشركاء بصورة منهجية. ويجب على القوى القديمة الآن أن تبنى طرقا جديدة لكسب ثقة البلدان النامية والتعاون معها، ليس فقط لتأمين المعادن الحيوية الضرورية لتزويد العالم بالطاقة فى عصر الأنثروبوسين، ولكن أيضا لأن الكوكب الذى تحوم حوله المخاطر يمثل تهديدا للجميع.
النص الأصلى:
https://bit.ly/3iFqK54

التعليقات