خفض أسعار الوقود.. اقتصادى أم سياسى؟! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خفض أسعار الوقود.. اقتصادى أم سياسى؟!

نشر فى : الأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 9:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 9:40 م

هل قرار الحكومة الأخير بخفض أسعار بعض أنواع الوقود اقتصادى أم سياسى؟!
الحكومة تؤكد أنه قرار اقتصادى محض تطبيقا لآلية التسعير التلقائى التى أعلنتها على الملأ فى يوليو الماضى، وبعض المواطنين والمعلقين يعتقدون أنه قرار سياسى، ترضية للمواطنين خصوصا بعد المظاهرات التى شهدتها القاهرة وعدة مدن بالمحافظات فى ٢٠ سبتمبر الماضى، للمرة الأولى بعد توقف التظاهرات لسنوات طويلة.
سألت أكثر من مسئول حكومى فأكدوا جميعا أنه قرار اقتصادى، وأن التطورات فى المستقبل، حينما تعمل آلية التسعير التلقائى، بصورة طبيعية سوف تثبت أن القرار اقتصادى وسيظل اقتصاديا.
لكن خبيرا اقتصاديا مرموقا قدم لى إجابة نموذجية وهى أن القرار اقتصادى فعلا، لكنه صادف هوى السياسة والسياسيين، مضيفا هو «قرار صحيح مائة فى المائة».
وجهة نظر هذا الخبير أن القرار لو كان سياسيا لقامت قيامة صندوق النقد الدولى الذى اتفق مع الحكومة على برنامج محدد، وتم تنفيذ معظمه بنجاح، وبالتالى، لو كان القرار سياسيا، لخرج مسئولو الصندوق ليعلنوا رفضهم له، فى حين أن ما حدث أن سوبير لال الممثل المقيم لصندوق النقد الدولى فى مصر، أعلن عن ترحيب الصندوق بهذه الخطوة باعتبارها تتوافق مع آلية التسعير التلقائى.
فى تقدير الخبير الاقتصادى الذى سألته فإن «من حق الحكومة أن تلعب سياسة براحتها، لكن من دون مساس بأسس الاقتصاد، وبالتالى فالمهم أن تكون القرارات على أسس اقتصادية محضة، لأن السياسة لها مجالات أخرى».
وجهة نظر الفريق الثانى أن قرار تخفيض الأسعار كان استجابة لضغط المتظاهرين والمحتجين والغاضبين على الأوضاع الاقتصادية، وهؤلاء يرفعون شعار أن «الحداية لا تحدف كتاكيت»، والحكومة لم تخفض سعر سلعة قامت برفعها من قبل، حتى لو تجاوز سعرها الأسعار العالمية»!!!.
لا يمكن لوم أصحاب هذا الرأى كثيرا، لأن ذلك هو خبرة السنوات الطويلة الماضية، لكن يفترض أن الكلام يختلف الآن، ولو صحت وجهة نظر الفريق الثانى فستكون سابقة خطيرة، والسبب ببساطة أن الحكومة ستعود إلى أوضاع ما قبل الإصلاح الاقتصادى، أى تبيع السلع بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، وتقوم بترحيل الفارق فى الأسعار إلى الأجيال القادمة، ويعود الخلل للاقتصاد خصوصا عجز الموازنة، وبعد فترة معينة لن تجد الحكومة أموالا، حتى لدفع رواتب الموظفين فتعود لتعميم طبع النقود فيزيد التضخم وينفجر كل شىء!!.
من وجهة نظرى يصعب تصور إقدام الحكومة على هذا الأمر لأسباب جوهرية أهمها أنها أخبرت المواطنين أنها خفضت الأسعار بسبب وجود معادلة سعرية محددة، هى أن متوسط سعر النفط عالميا هو 62 دولارا للبرميل، وأن سعر الدولار يساوى نحو 16٫60 جنيه، وبالتالى فإن سعر التكلفة العالمية قد تحقق.. لو كان العكس صحيحا، فكيف ستقنع الحكومة المواطنين باتخاذ أى قرار على أساس اقتصادى فى المستقبل ارتفاعا أو انخفاضا؟!!. خصوصا أن المواطنين سوف يقومون بحساب أسعار الوقود على أساس المعادلة التى أعلنتها الحكومة بالفعل يوم الخميس الماضى، بل إن موقع صحيفة الدستور الإلكترونى كتب عنوانا موفقا يومها هو: «احسبها بنفسك»، بمعنى أن المواطن العادى يمكنه أن يمسك بآلة حاسبة، وكمثال عملى، كما فهمنا من بيان لجنة التسعير التلقائى للمنتجات البترولية المشكلة بقرار من مجلس الوزراء، فإن السعر الجديد المخفض للوقود بنسبة 3% هو حصيلة متوسط سعر برميل البترول، عند 62 دولارا ومتوسط قيمة الدولار 16.60 جنيه خلال الثلاثة أشهر الأخيرة.
ظنى الشخصى أن الحكومة المصرية، كانت محظوظة فعلا، والسبب أن موعد إجراء التسعير التلقائى أى نهاية سبتمبر كما هو معلن مسبقا، قد تصادق مع حالة من الغضب الشعبى نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ثم تصادف العاملان مع انخفاض أسعار النفط عالميا لأسباب متعددة. كل هذه العوامل أدت إلى انخفاض أسعار البترول إلى متوسط 62 دولارا للبرميل فى الشهور الثلاثة الماضية، فى حين أن الحكومة المصرية حددت سعر البترول عالميا فى الموازنة عند 68 دولارا للبترول.
هذه المعادلة تعنى أن أسعار الوقود فى مصر صارت تساوى الأسعار العالمية باستثناء السولار وأنابيب البوتاجاز وغاز المنازل التى لا تزال الدولة تدعمها.
المهم فى كل ما سبق أن تعمل آلية التسعير بشكل طبيعى، وأن يعرف كل مواطن متى سترتفع أو تنخفض الأسعار، ليس بسبب مزاج الحكومة، ولكن حينما يحسب الحسبة ببساطة انطلاقا من أسعار النفط وقيمة الجنيه أمام الدولار.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي