جبهة أخرى لا يحتملها العالم - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جبهة أخرى لا يحتملها العالم

نشر فى : الأحد 9 ديسمبر 2018 - 11:40 م | آخر تحديث : الأحد 9 ديسمبر 2018 - 11:40 م

نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب والمحلل السياسى «حازم صاغية».. عن تداعيات الأزمة الأوكرانية الأخيرة.
لم يكن ينقص عالمنا المتوتر ظهور بؤرة توتر أخرى، وفى أوروبا خصوصا.. حصل هذا قبل أن ينتهى الاحتفال بانقضاء قرن كامل على نهاية الحرب العالمية الأولى، التى كانت فى أساسها حرب أوروبية.
البؤرة الجديدة ــ التى عكست ظلالَها على قمة الدول العشرين فى بوينس آيريس وحملت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على إلغاء اجتماعه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين ــ كان مسرحها مضيق كيرش فى طرف بحر أزوف الواقع بين روسيا وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم. ذلك أن حرس الحدود الروس أطلقوا النار على ثلاث سفن أوكرانية واحتجزوا ملاحيها الـ24. الروس قالوا إنّ السفن انتهكت مياههم الإقليمية، وهو ما نفاه الأوكرانيون الذين أثبتوا ذلك بالخرائط التى قدموها، محذِّرين من رغبة روسية عارمة فى التوسع.
الحجج والمناشدات ذهبت أبعد: الروس أكدوا أن الأوكرانيين هم من افتعلوا الأزمة، لأنّهم سيذهبون، فى العام القادم، إلى انتخابات لابد أن يفشل فيها رئيسهم بترو بوروشنكو ضعيف الشعبية. لهذا فإن بوروشنكو يحرّك المشاعر القومية المناهضة لروسيا كى يكسب الانتخابات. الأوكرانيون، من جهتهم، حضوا حلف «الناتو» على إرسال سفن حربيّة إلى المنطقة، معلنين حالة طوارئ، ومتخذين إجراءات مصرفية ضد الروس المقيمين فى بلدهم، قبل أن يمنعوا كل الرجال الروس الذين تتراوح أعمارهم بين الـ16 والـ60 من دخول أوكرانيا.
أهمّ من ذلك، أنّ موسكو أعلنت عن إرسالها صواريخ «إس 400 أرض ــ جوّ» إلى شمال شبه جزيرة القرم التى ضمّتها فى 2014، وقالت إنّها تنوى بناء محطة رادار صاروخيّ للإنذار المبكر هناك. والمعروف أن روسيا ما إن ضمت شبه الجزيرة، حتى بنت جسرا بطول 19 كيلومترا كى يربطها بها. أما أوكرانيا، التى تتحدث عن حصار اقتصادى وعن نوايا توسع روسى، فكانت قد باشرت، بعد الضم، بناءَ جدار لم تكمله حتى اليوم، ويبدو أن كلفته الكبرى حالت دون ذلك. وإذا صح أن التدخل العسكرى الأوروبى مستبعد، بحسب ما أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فهذا لا يلغى احتمال قيام «الناتو» بتعزيز حضوره العسكرى فى البحر الأسود، لا سيما وأن عضويه البلغارى والرومانى فى المنطقة المذكورة لا يخفيان قلقهما حيال سياسات بوتين.
وأخيرا، وهذا ما يزكّى السيناريوهات الأكثر تشاؤما، فإن الاتفاقية الموقعة بين موسكو وكييف فى عام 2003، حول بحر أزوف، تركت الكثير من النقاط الحساسة على شيء من الغموض. بعد ضم 2014، تحول هذا الغموض إلى مصدر للخطر المباشر، خصوصا وأن روسيا فرضت حضورها العسكرى الأحادى كأمر واقع على تلك المنطقة.
لكنْ لماذا حصل ما حصل؟ هناك بالتأكيد العلاقات التاريخية المعقدة بين روسيا وأوكرانيا، والتى شهدت بعض أعنف فصولها إبان العهد الستالينى. فذاك البلد الزراعى الغنى الذى لُقّب بـ«سلة خبز الاتحاد السوفييتي»، والذى عُرف فلاحوه تقليديا بالاستقلالية والتعلق بالأرض، هو الذى عانى مجاعة منظّمة فرضتها عليه موسكو، عام 1932، من خلال مطالبته بتقديم أضعاف كمية القمح التى كان يقدمها. وقد قدر بعض المؤرخين أن ضحايا تلك المجاعة بلغوا خمسة ملايين شخص، وتركوا فى الوعى الجماعى الأوكرانى حساسية سلبية وحادة عمموها على الروس.
لكن الخلفية التاريخية تقدم الإمكانية ولا تقدم الحتمية. هنا ينبغى أن نبحث عن القومية الشعبوية التى تصعد اليوم فى العالم كله، فتخرّب الديمقراطية بيد وباليد الأخرى تخرّب العلاقات الدولية السليمة. إلا أن عنصرا آخر لا يقل أهمية يلوح راهنا فى الأفق: إنه ضعف الغرب وسلبيته، مقابل السياسات الحازمة للرئيس الروسى بوتين الذى بات يتصرف وكأن لا رقيب على نواياه وهواجسه المتعلقة بالقوة العسكرية لروسيا.
فهل «ستستمر الحرب ما دامت السلطات الأوكرانية الحالية باقية فى الحكم»، كما أعلن بوتين؟ أم أنّنا «سنحظى» ببؤرة توتر جديدة تكون قابلة للتفجير حين تستدعى مصلحة ما ذلك؟

الاتحاد ــ الإمارات

التعليقات