كيف تتعامل الدول العربية مع مشكلات «العمالة العائدة»؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف تتعامل الدول العربية مع مشكلات «العمالة العائدة»؟

نشر فى : الإثنين 12 نوفمبر 2018 - 11:45 م | آخر تحديث : الإثنين 12 نوفمبر 2018 - 11:45 م

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تقريرا عن تداعيات العمالة الوطنية العائدة من دول المنطقة العربية التى اندلعت بها العديد من الصراعات المسلحة وتدهور أوضاعها الأمنية، فضلا عن وضع حلول للتعامل مع تلك الإشكالية على المدى القصير والمدى الطويل.
تواجه بعض الحكومات العربية حزمة من المشكلات التى تتعلق بسبل التعامل مع العمالة الوطنية العائدة من دول المنطقة، فى السنوات الماضية، لا سيما بعد تفاقم الصراعات الداخلية المسلحة وتدهور الأوضاع الأمنية فى ليبيا واليمن وسوريا والعراق، إضافة إلى تراجع معدلات التوظيف فى بعض الاقتصاديات والبدء فى تطبيق برامج إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية وخاصة الوظائف الإدارية بالمؤسسات الحكومية، وتبنى الإجراءات التقشفية لمواجهة تراجع الإيرادات النفطية، ومراجعة الاتفاقيات المبرمة بين دول المنشأ ودول الاستقبال وخاصة فى الأردن، بخلاف التقلبات المتكررة فى العلاقات العربية البينية، على نحو فرض تحديا ضاغطا يطلق عليه أعباء «العمالة العائدة» من دول عربية إلى أخرى، والتى تصاعدت مشكلاتها فى توقيت متقارب إن لم يكن واحدا، وهو ما يزيد من حجم الأعباء الملقاة على عاتق تلك الدول التى تعانى من أزمات عديدة.
عودة اضطرارية:
لم تكن مشكلة العمالة العائدة من الدول العربية حديثة النشأة بل سبق أن واجهتها بعض الدول فى أزمات محددة خلال العقود الثلاثة الماضية، مثلما حدث فى أعقاب أزمة الغزو العراقى للكويت عام 1990. وكذلك برزت هذه المشكلة بعد الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003، حيث كانت الأخيرة تستقطب عمالة من دول عربية عدة. وتكررت بشكل فادح بعد موجة الثورات التى اندلعت عام 2011، ووصلت إلى دول مستضيفة للعمالة وفى مقدمتها ليبيا.
هذا بخلاف منافسة ومزاحمة اللاجئين القادمين من دول الصراعات لأعداد من العمالة المحلية مثلما هو الوضع فى لبنان والأردن. وتزامن مع تلك الظروف الضاغطة لجوء عدد من دول المنطقة إلى توطين الوظائف المحلية وتقنين أوضاع العمالة الوافدة، فى ظل تراجع نسبة الأيدى العاملة من المواطنين، فى إطار تعديلات قانونية وحملات تفتيشية لضبط العمالة المخالفة لقواعد العمل، بالتوازى مع تفضيل البعض تجنب الرسوم الجديدة للسفر وفرض الضرائب (القيمة المضافة والانتقائية على بعض السلع والخدمات) وتحمل التكاليف الباهظة للمعيشة. وقد تتجه بعض تلك العمالة إلى البقاء بالعيش على الحدود المشتركة وفى مهن مختلفة، على نحو ما تشير إليه أوضاع عمالة بعض الدول فى ليبيا.
وبناء عليه، سينتهى المطاف من جانب أعداد ليست بالقليلة من العمالة العربية، بلا شك، إلى التفكير فى طريق العودة إلى الوطن، نتيجة تزايد عوامل الطرد وتراجع عوامل الجذب. فالهجرة العائدة من الدول العربية قد تكون نتيجة أزمة اقتصادية أو ظروف اجتماعية غير مواتية أو اضطرابات أمنية متفاقمة أو توترات سياسية حادة بين دولة الإرسال ودولة الاستقبال ينتج عنها تطورات ليست فى الحسبان.
إشكاليات أربع:
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مجموعة من الإشكاليات التى تواجه الأجهزة الحكومية فى التعامل مع العمالة العائدة: يتمثل أولها، فى صعوبة تقدير حجم العمالة العائدة بشكل دقيق، حيث تتباين التقديرات الرسمية عن نظيرتها غير الرسمية، فى بعض الأحيان، وخاصة الصادرة عن المؤسسات والهيئات الدولية نتيجة تعدد الجهات فى الدول المُستقبِلة التى تتعامل مع مسألة العمالة الوافدة، وعدم تعاون السلطات المحلية فى هذه الدول مع البعثات الدبلوماسية والهيئات القنصلية فى تسجيل هؤلاء، بخلاف سفر أعداد كبيرة منهم بطريقة غير نظامية، والتلاعب فى المستندات المتعلقة بأغراض السفر ومدته وأنواع العقود المبرمة.
ويتعلق ثانيها، بآلية دمج العائدين فى سوق العمل، وهو ما يستتبع بدوره معرفة أولية بطبيعة عمل العمالة العائدة، حتى لا تحدث هزة ضخمة نتيجة عدم استيعاب تلك العمالة. وينصرف ثالثها، إلى مستحقات هذه العمالة، سواء أرصدة بنكية أو محلات تجارية أو حيازات عقارية، وتأمين ممتلكاتها سواء لدى الحكومة أو القطاع الخاص، حيث قد تتعرض لمشكلات فى هذا السياق نتيجة العمل بدون عقود أو اقتناص الميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة المسيطرة على الأرض لأموالها وممتلكاتها، نظرا لوجود مناطق لا تخضع لسيطرة أجهزة الدولة النظامية.
ويتصل رابعها، بفقدان الخزينة العامة للدولة نسبة مهمة من التحويلات المالية التى كان يرسلها العمال العائدون إلى بلادهم. وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن أسباب تراجع احتياطى النقد الأجنبى فى تونس تعود إلى العمليات الإرهابية وتراجع مداخيل القطاع السياحى وانخفاض تحويلات المغتربين.

مسارات متنوعة:
هناك عدة مداخل يمكن من خلالها أن تتعاون الحكومات العربية بهدف احتواء مشكلات العمالة العائدة إلى الدول العربية المُرسِلة لها، على المديين القصير والطويل. فعلى المدى القصير، ثمة ضرورة لتوفير الدعم المالى للعائدين وأسرهم بصورة عاجلة، ويليها مباشرة ضمان توثيق أحوالهم فى الدول التى كانت تستضيفهم، تمهيدا لمطالبتها بتعويضات فور استقرارها، خاصة بالنسبة للقادمين من بؤر الصراعات المسلحة العربية فى ليبيا واليمن وسوريا والعراق.
وهنا يمكن الإشارة إلى المبادرة التى طرحتها المجالس التصديرية للصناعات الكيماوية والمفروشات المنزلية فى مصر، فى 23 فبراير 2015، بهدف تشغيل 30 ألف عامل من العمالة المصرية العائدة من ليبيا، خاصة بعد سيطرة تنظيم «داعش» على درنة. هذا فضلا عن الاتفاق على تشكيل لجنة عمل مؤقتة ــ بناء على توافق بين محافظ مطروح السابق اللواء علاء أبوزيد والدكتورة ناهد العشرى وزيرة القوى العاملة والهجرة السابقة فى 25 فبراير 2015 ــ تضم ممثلين من الوزارة فى منطقة الحدود عند منفذ السلوم لاستقبال ومتابعة أحوال العمالة المصرية العائدة، وتوجيههم لفرص العمل المتوافرة بالوزارة بالمشروعات المختلفة.
أما على المدى الطويل، فهناك عدة سياسات يمكن للحكومات الأخذ بها، منها تسهيل إجراءات العمل فى الصناعات الصغيرة والمتوسطة لاستثمار أى مبالغ مالية بحوزتهم، وإعادة تدريب وتأهيل العمالة العائدة فى مراكز مختلفة للتدريب المهنى والتعليم الفنى، وربما يصل الأمر إلى حد إنشاء مجلس قومى للتدريب أو التعاون مع المنظمة الدولية للهجرة لتمويل البرامج التدريبية المتعلقة بهذا الشأن، ويمكن توظيف تلك العمالة فى مرحلة إعادة إعمار الدول المنهارة، وتحديدا فى قطاع المقاولات والتشييد والبناء.
ولعل ما يؤكد ذلك القرار الذى أصدره رئيس الوزراء المصرى الدكتور مصطفى مدبولى بشأن تشكيل مجموعة عمل من عناصر فنية ومالية وقانونية ذات خبرة بأعمال خدمات قطاع المقاولات والخدمات اللوجستية، تختص بإعادة الإعمار فى كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن. فضلا عن تصريح وزير العمل والتأهيل الليبى المهدى الأمين، فى حوار مع صحيفة الأخبار القاهرية، فى 27 إبريل 2018، على هامش مشاركته فى مؤتمر العمل العربى بالقاهرة، والذى قال فيه إنه «ناقش مع وزير القوى العاملة محمد سعفان سبل تذليل كل الطرق لعودة العمالة المصرية إلى ليبيا فى أقرب وقت ممكن»، مضيفا أن «العمالة المصرية لها الأولوية فى إقامة المشروعات وبناء المصانع والمدن التى دمرتها الحرب».
وقد يحدث التعاون بين أطر محلية وإقليمية ودولية معا، على نحو ما هو قائم بين وزارة القوى العاملة فى دولة مثل الأردن والمكتب الإقليمى للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية لتعزيز التعاون المشترك فى المجالات العمالية، لا سيما بالنسبة للاجئين السوريين الذين يضغطون على الاقتصاد الأردنى، وكذلك الحد من فرص التوظيف للعمالة الأجنبية فى البلاد فى حال توافر العمالة الوطنية البديلة.

النص الأصلى

التعليقات