ثورة السودان.. ثورة النساء بامتياز - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثورة السودان.. ثورة النساء بامتياز

نشر فى : الجمعة 14 يونيو 2019 - 11:10 م | آخر تحديث : الجمعة 14 يونيو 2019 - 11:10 م

نشر موقع « قنطرة» مقالا للكاتبة «وينى عمر» تتحدث فيه عن الحركة النسائية فى السودان والانتصارات والانتكاسات التى واجهتها المرأة السودانية ونعرض منه ما يلى:

يعود كفاح المرأة النشط فى السودان فى سبيل الحقوق السياسية والاقتصادية إلى ستينيات القرن العشرين، عندما فازت بحق المشاركة السياسية عام ١٩٦٤، وحق المساواة فى الأجور نظير المساواة فى الأعمال عام ١٩٦٩، وهما معلمان بارزان من بين كثير غيرهما. إلا أنه مع تسلم الجبهة الإسلامية الوطنية لمقاليد السلطة عبر انقلاب عسكرى عام ١٩٨٩، تغير كل كذلك. حيث تعرضت حركة المرأة السودانية لانتكاسة عندما أبطل العديد من إنجازاتها. لقد شكل الإسلام السياسى تحديا غير مسبوق لتحرير المرأة فى السودان.

وعلى الرغم من هذه الظروف المتردية، فقد دأبت عدة منظمات، واتحادات، ومراكز مناصرة لحقوق المرأة، على قيادة حملات جريئة عمت أرجاء البلاد للتصدى للعديد من القضايا الملحة التى واجهتها المرأة وما تزال. وسوف يتم عرض بعض منها هنا كأمثلة عظيمة الشأن: مجموعة الضغط «لا لقمع المرأة»، المنظمة السودانية للبحث والتنمية، ومركز سيما للتدريب وحماية حقوق المرأة والطفل.

«لا لقمع المرأة»
منذ توليها مقاليد السلطة، وضعت الجبهة الإسلامية الوطنية العديد من القوانين التمييزية للحد من مشاركة المرأة فى الشأن العام، وحصرها فى المجال الخاص ومجال الأسرة، والتحكم فى حياتها وجسدها. فعلى سبيل المثال، تأثرت المرأة بشكل حاد بالأنظمة التى تفرض على الناس مظهرهم الخارجى فى الأماكن العامة، وهو ما نص عليه ما يدعى بقانون النظام العام.
بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت الكثير من أماكن العمل أنظمة داخلية تلزم المرأة بارتداء الحجاب واتباع قواعد لباس صارمة، ومنها المؤسسات والجامعات الحكومية.

بدأ حكم النظام العام كنظام محلى فى ولاية الخرطوم عام ١٩٩٦ وتم توسعة نطاقه بعدها ليشمل عدة ولايات أخرى. وتفرض العقوبة على من ينتهكه بموجب قانون العقوبات السودانى.

ويوثر هذا القانون بشكل كبير على حياة النساء والرجال معا فى السودان، حيث يمكن أن يجد المواطنون أنفسهم مجرمين بأفعال من الأحرى أن تعتبر من الخيارات الشخصية، كطريقة لباسهم أو تسريحة شعرهم. كما أنه يحد من الحريات الشخصية بعدة طرق أخرى. فعلى سبيل المثال، هو يمنع إنتاج وبيع واستهلاك الكحول، وما يسمى بالأفعال «الفاضحة». ولا يتضمن القانون الكثير من التعليمات عن تطبيقه الفعلى، حيث يُعهد تفسير ما يُعتبر انتهاكا له، وكذلك حجم هذا الانتهاك، إلى شرطة النظام العام وأهوائهم الشخصية.

هذا ويشكل قانون النظام العام تهديدا حقيقيا لسلامة المرأة وكرامتها فى الأماكن العامة. ففى كل عام يتم اعتقال ٤٣٠٠٠ امرأة بتهمة انتهاك النظام العام، ويتم الحكم عليهن بعقوبات مبرحة ومذلة، تتضمن الجلد والحبس والغرامات.

ومن بين أبرز القضايا قضية الصحفية السودانية لبنى أحمد الحسين، التى تم اعتقالها عام ٢٠٠٩ «لارتدائها زيا فاضح»، وفقا للمادة ١٥٢ من قانون العقوبات. وفى أعقاب قضية لبنى الحسين، أسست مجموعة من الناشطات فى سبيل حقوق المرأة مجموعة الضغط «لا لقمع المرأة» بهدف إلغاء القوانين السودانية التمييزية والمذلة وتحقيق المساواة بين الجنسين.

كان هجوم الدولة على المجتمع المدنى صارما ووصل إلى ذروته فى العقد المنصرم. حيث عانت الكثير من منظمات حقوق المرأة من صعوبة تسلم التمويل، أو تجديد تسجيلها، أو التمكن من الوصول إلى بعض الجماعات، بينما تم إغلاق بعض المنظمات نهائيا. ووصل الحد إلى إلغاء فاعليات يوم المرأة العالمى.

وفى ظل هذا الوضع الصعب، استمرت مجموعة «لا لقمع المرأة» ــ والتى كانت مديرتها، الدكتورة إحسان فقيرى، المعتقلة السياسية منذ ٢٢ ديسمبر ٢٠١٨ ــ فى عملها، مشكلة حالة تضامن حول قضايا المرأة ومناهضة قمع النساء. ومن خلال حملاتها، ومنتدياتها الشهرية، وفاعلياتها العامة، فإنها تعمل على بناء الوعى إزاء التحديات الخطيرة التى تواجهها المرأة. تستقطب المجموعة نساء من مختلف الأطياف السياسية، والمهن، والمناطق الجغرافية، لتنسيق جهودهن نحو أهداف نسوية مشتركة.

وقد كان الهدف الرئيسى للمجموعة يتمثل فى دعم النساء المستهدفات بالقانون، وخاصة قانون النظام العام، ومن بينهن النساء البائعات اللواتى كثيرا ما يتم اعتقالهن بسبب نشاطاتهن الاقتصادية.

وتعتبر الاتهامات بانتهاك النظام العام، إلى الآن، وصمة عار فى السودان، لدرجة أن العديد من النساء يفضلن السكوت، ومواجهة محاكمات ظالمة من دون مساعدة قانونية، ويتنازلن عن فرصتهن بالشهادة وسماع أقوالهن. وقد نجحت مجموعة «لا لقمع المرأة» فى لفت الأنظار إلى التمييز الذى تتعرض له هؤلاء النسوة وتشجعهن على كسر حاجز الصمت بشأن معاناتهن مع شرطة النظام العام.

نحو المساواة بين الجنسين فى السودان
ركزت الحركة النسائية فى السودان بشكل كبير على دعم حقوق المرأة الاقتصادية والسياسية. فى الآن ذاته، علق الكثير من النساء فى شرك محاكمات يبغين من ورائها الحصول على الطلاق أو كسب دعوى حضانة أولادهن، وحرمن من أى ميزات على الكثير من الصعد بسبب الطابع الأبوى لقانون الأحوال الشخصية.

ويشرع قانون الأحوال الشخصية فى السودان زواج الأطفال، حيث تمنح الفقرة ٤٠ الأب الحق الصريح بتزويج ابنته فى سن العاشرة. وعليه، توجد فى السودان أعلى معدلات زواج للأطفال فى العالم.

نشرت المنظمة السودانية للبحث والتنمية عدة دراسات سلطت الضوء على التبعات الاجتماعية والاقتصادية لزواج الأطفال، والآثار السلبية للقانون الحالى، وأثر القوانين الأبوية والتمييزية على المرأة. وتهدف جهودها أيضا إلى زيادة فرص وصول المرأة للعدالة فى السودان، وخاصة فى المحاكم الأسرية، حيث تواجه النساء حاليا إجراءات قانونية لا نهاية لها فى معارك الطلاق أو الحضانة ــ ومن غير طائل.

لقد استرعت حالة «نورا حسين» المزيد من الانتباه للبيئة المليئة بالتحديات التى تعيش فيها المرأة السودانية، تلك البيئة التى تجعل من العنف ضدها أمرا اعتياديا. لقد أجبرت «حسين» على إبرام عقد زواج فى عمر ١٦ سنة، وبعد هروبها، كان عليها الزواج فى نهاية المطاف وهى فى عمر ١٩ سنة، عندما قتلت زوجها دفاعا عن النفس، وحكم عليها لاحقا بالإعدام. ولئن تم تخفيف الحكم الصادر ضدها أخيرا إلى ٥ سنوات، فلا يزال مصيرها يسلط الضوء على الحاجة الملحة للإصلاح القانونى وإعادة النظر بالتقاليد الاجتماعية. يضرب زواج الأطفال جذورا عميقة فى المجتمع السودانى، ولا يوفر القاعدة التى يتم فى النهاية الانطلاق منها نحو التغير الاجتماعى إلا تجريم القانون لهذه الممارسة.

وهذا هو جوهر مشروع المنظمة السودانية للبحث والتنمية بعنوان: «نحو مساواة بين الجنسين فى السودان». لقد أعدت المنظمة قانونا للإصلاح وناقشته فى عشرات ورش العمل التى عقدت فى أرجاء السودان. تم تقديم مشروع القانون إلى وزارة العدل عام ٢٠١٦، وتمت دعوة المنظمة السودانية للبحث والتنمية من قبل الحكومة فى السنة التالية لتكون جزءا من اللجنة الوطنية لإصلاح قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسلمين. وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد وضع الصيغة النهائية للمشروع، فإن النقاشات لا تزال قائمة على قدم وساق، وساهم المشروع فى إذكاء الحوار عن حقوق المرأة فى الشئون الخاصة. حيث مهد الطريق أمام النساء لإعادة التفاوض بشأن حقوقهن داخل أسرهن.

من ضحايا إلى ناجيات
مركز سيما للتدريب وحماية حقوق المرأة والطفل هو منظمة غير حكومية وهو المؤسسة الوحيدة فى السودان التى تقدم الخدمات الشاملة للنساء والأطفال الذين هم ضحية العنف، ويشمل ذلك المساعدة النفسية والقانونية والطبية. واسم المركز نفسه، سيما، يتألف من الأحرف الأولى لخمس من ضحايا العنف ــ تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والاغتصاب، والاعتداء الجنسى ــ اللواتى ألهمن انطلاقة المركز.

ومنذ انطلاقه، ساعد المركز مئات النساء والأطفال الذين عانوا من أعمال العنف والحرمان من العدالة، والتى تتدرج من التحرش الجنسى، مرورا بالعنف المنزلى والاغتصاب إلى الزواج القسرى للقاصرات والتمييز الذى يشرعه القانون.

كما أنه يقدم تدريبا لبناء القدرات للأشخاص ليتمكنوا من تقديم الخدمات لضحايا العنف فى مجتمعاتهم وتحفز هذه المجتمعات على تحسس أضرار انتهاكات حقوق الإنسان.
وباستجابته للحاجات الملحة للضحايا، والتعبير عن الإدانة العلنية للعنف، والدعوة إلى الإصلاح القانونى، فقد نجح مركز سيما فى مساعدة النساء على التحول من ضحايا إلى ناجيات.

مستقبل أفضل قادم
ثابرت الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة على مقاومتهن، ضمن العمل فى بيئة معادية للمرأة، حيث القوانين والأنظمة والنظام السياسى بأكمله ضدهن، وحيث تضرب فرضية تفوق الرجل جذورها العميقة فى المجتمع.

وما المنظمات المذكورة أعلاه إلا أمثلة قليلة على طيف واسع يضم مجموعات تعمل بجد وبدون كلل على دعم حقوق المرأة ووضع حد للتمييز ضدها فى السودان. لقد بدأت رحلة تحقيق المساواة والعدالة للمرأة منذ زمن بعيد، ولا تزال الطريق طويلة، إلا أن هذا أقل ما تصبو إليه المرأة.

ولئن كانت النساء السودانيات قد نزلن إلى الشوارع فى طول البلاد وعرضها احتجاجا ضد هذا النظام القمعى فإن قلوبهن ليعمرها الأمل والرغبة بمستقبل أفضل.

النص الأصلى:

التعليقات