لا فضل لعربى على عربى فى التبعية لأمريكا! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا فضل لعربى على عربى فى التبعية لأمريكا!

نشر فى : الخميس 18 أكتوبر 2018 - 9:45 م | آخر تحديث : الخميس 18 أكتوبر 2018 - 9:45 م

رسالة ساخرة وصلتنى من صديق على الواتساب تقول كلماتها: «تحذير.. إذا رن هاتفك ورأيت بداية الرقم 001 كود أمريكا فلا ترد، لأن المتصل هو دونالد ترامب ويريد فلوسك».
الرسالة تكشف أن حس الفكاهة عند المصريين لا يزال بخير على الرغم من كل الأزمات، لكنها تكشف أيضا عن مستوى السفور الذى وصل إليه الرئيس الأمريكى فى محاولات السيطرة والاستحواذ على ثروات الآخرين، أو فرض إتاوة على بعض الدول بحجة حمايتها.
قبل أيام كتبت فى هذا المكان بعنوان: «لماذا يهين ترامب الحكام العرب؟» على خلفية تصريحاته الفجة بشأن السعودية وأن نظام حكمها سوف يسقط خلال أسبوعين من دون حماية الجيش الأمريكى، وبالتالى وجب على الرياض أن تسدد فاتورة الحماية.
قلت يومها إن ترامب يتعمد إهانة الجميع، وليس السعودية فقط، فهو حاول ابتزاز أوروبا خاصة ألمانيا، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية، بل وحلف الناتو، وطالب الجميع بأن يدفعوا نظير الحماية التى يقول إن بلاده توفرها لهم.
وبالتالى أستغرب من بعض وسائل الإعلام العربية خصوصا القطرية، ومعها الإخوانية، شماتتها فى السعودية، فى هذا الموضوع، وكأن الحكومة القطرية أعلنت العصيان ضد واشنطن!!.
من سوء الحظ أنه لا فضل لعربى على عربى هذه الأيام فى التبعية لأمريكا. الغالبية خصوصا عرب الخليج، يدفعون ويتسابقون على رضا العم سام فى البيت الأبيض، أو وكالة الاستخبارات أو البنتاجون أو الميديا ومراكز الأبحاث والكونجرس، وبالتالى يبدو كوميديا أن يشمت قطرى فى سعودى على خلفية هذه التصريحات أو العكس خصوصا بعد تداعيات اختفاء الكاتب الصحفى جمال خاشقجى فى قنصلية بلاده فى إسطنبول، والمرجح أن المملكة سوف تدفع أثمانا باهظة إذا ثبت تورطها رسميا فى الحادث.
وحتى جماعة الإخوان فعلت المستحيل من أجل أن تنال رضا أى وكالة أو هيئة أو مؤسسة أمريكية، وحينما كانوا يدخلون الكونجرس، ويلتقون مع مساعد أى نائب بدرجة موظف صغير، كانوا يقيمون الدنيا ولا يقعدونها باعتبارهم وصلوا إلى سدرة المنتهى السياسية فى واشنطن!!!.
أحد الأسباب التى تجعل ترامب وغيره يبتز العرب بمثل هذه الفجاجة والسفور، أنهم صاروا منقسمين بصور مزرية ويتسابقون جميعا على نيل رضا «العم سام».
ونتذكر جميعا كيف حصل ترامب على عقود بمئات المليارات من السعودية، حينما زارها للمرة الأولى فى مايو ٢٠١٧، ثم حصل على عقود بالمليارات من قطر من دون أن يزورها، وحينما اندلعت الأزمة الخليجية مع قطر، اضطرت الأخيرة أن توقع صفقات وعقودا مختلفة مع إيران وتركيا وفرنسا وبريطانيا، إضافة لاستمرار استضافتها لقاعدة العيديد الأمريكية وتحملها لجميع نفقاتها. كل ذلك لسبب جوهرى أن تضمن حماية هؤلاء ورضاهم عنها.
ترامب يبتز الجميع، لكنه أكثر تبجحا مع السعودية، ربما باعتبارها الأكبر والأغنى. لكن مرة أخرى المأساة تكمن أولا وأخيرا فينا كعرب. لا يمكن أن نلوم ترامب حينما يرى هذا «الاندلاق»، من قبل بعض الحكام العرب باتجاهه. هو فى النهاية يحقق مصلحة بلاده، ويخاطب مواطنيه عموما وناخبيه خصوصا، بأنه يجلب إليهم أموالا طائلة من الهواء!!.
لا يخفى على أحد أن الصراع الخليجى خصوصا السعودى مع إيران صار هو الأساس، والمحدد للتحركات السعودية، ولذلك لم يكن غريبا أن يستغل ترامب بل وإسرائيل ذلك، ويعملا على تعميق الخلاف، لأن نهايته تعنى عدم الحاجة للحماية الأمريكية.
بنفس التفسير يمكننا أن نفهم الآن سر ترحيب ترامب وأوروبا بالخلاف السعودى الإماراتى البحرينى المصرى مع قطر. رأينا ترامب يدين قطر فى البداية ثم يتراجع، أو يترك بعض مؤسساته وأجهزته تغازل الدوحة، والنتيجة أنهم حصلوا على صفقات بالملايين، وبالتالى ليس من مصلحة واشنطن أن ينتهى هذا الخلاف.
لكن مرة أخرى هل نلوم ترامب، أم نلوم أنفسنا حينما تركنا الأمور لتصل إلى هذه النتيجة؟!!!.
حينما نعجز عن التوحد أو حتى التوافق على طريقة لحل الخلافات فيما بيننا، فلا نلوم أمريكا أو إسرائيل أو «المؤامرة الكبرى» التى ينفذها كل العالم ضدنا !! بل نلوم أنفسنا، وحينما تعجز حركتا فتح وحماس عن التوافق على الحد الأدنى من المصالحة، فهل نلوم العدو الصهيونى، أم نلوم أنفسنا كعرب وفلسطينيين؟!.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي