الاختبار الميدانى لمقولات علاء الأسوانى – تانى - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاختبار الميدانى لمقولات علاء الأسوانى – تانى

نشر فى : السبت 19 نوفمبر 2011 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 19 نوفمبر 2011 - 8:30 ص

احترامى لهذا الرجل كبير منذ أن كنت أقرأ له من سنوات فى جريدة العربى الناصرى، وكان يكتب كلاما لا يقول به إلا وطنى شجاع جرىء مغامر. وحين تعرفت عليه أكثر بعد كتاباته فى جريدة «الشروق» وجدت أن الشخص الكامن خلف الكلمات ينطبق تماما مع الظاهر من صفاته. انطباق ينم عن أصالة وجرأة فى الحق تغفر أى صغيرة هنا أو هناك إن حدثت.

 

كتب الرجل كثيرا عن تدين المصريين الشكلى، ولأننى آتٍ من خلفية معرفية مختلفة، فقد وجدتها فرصة فى الماضى أن أتعلم منه بأن أختبر مقولاته فوجدت أكثر استنتاجاته صحيحة بشأن تأثير التدين الشكلى على توجهات المصريين مستندا فى ذلك إلى استطلاع رأى تجريه جامعة ميشجان الأمريكية. وكتبت آنذاك مقالا بنفس عنوان هذا المقال. ولهذا جعلت عنوان مقال اليوم مختوما بعبارة «تانى» كى أتعلم منه مرة أخرى.

 

والحقيقة أن ما يقوله الدكتور علاء الأسوانى، وهو الخبير بهذه الأمور، قد يختطفه آخرون ويكررونه منسوبا لأنفسهم، وهو ما لم يقلقنى، ولكن بدا لى فى الأسابيع القليلة الماضى أن هناك نزعة لدى البعض أن يكرروا عبارات تحتاج لاختبار ميدانى. ولو كانوا قالوها منفردين لما ألقيت لهما بالا. لكن بما أن المتحدث هو الدكتور الأسوانى، فهى ليست طلقات طائشة أو رصاصات صوت. ولابد أن تؤخذ بالجدية التى تليق بجدية صاحبها.

 

إلى الموضوع، إذن.

 

كتب الدكتور علاء بجريدة «المصرى اليوم» الشقيقة، بتاريخ 15 نوفمبر العبارة التالية:

 

«فى كل الدنيا عندما يريد الشعب أن يكتب الدستور فهو يفعل تماما مثل الطلبة الذين يسكنون معا. كل طائفة أو جماعة فى المجتمع تنتخب ممثلين لها يشكلون الجمعية التأسيسية التى تقترح مواد للدستور تتم مناقشتها على الملأ ثم طرحها على الشعب للاستفتاء العام». وقدم حجته التى قد أختلف أو أتفق معها بقوله: «لأننا عندما نعهد إلى البرلمان بكتابة الدستور نقع فى تضارب للمصالح، لأن الدستور هو الذى يحدد صلاحيات مجلس الشعب فلا يمكن أن نطلب من أعضاء مجلس الشعب أن يحددوا صلاحياتهم بأنفسهم. فإذا كان نصف مجلس الشعب من العمال والفلاحين فلا يمكن أن نتخيل أنهم سيوافقون فى الدستور الجديد على إلغاء شرط أن يكون نصف أعضاء البرلمان من العمال والفلاحين. إن الأغلبية السياسية عندما تفوز بالانتخابات من حقها أن تفرض برنامجها السياسى على الأقلية».

 

من حسن حظنا أن دارسى العلوم السياسية فى العالم قد بحثوا هذه القضية ميدانية ليتبينوا مدى أفضلية عدم الاعتماد على المجلس التشريعى المنتخب فى وضع الدساتير. فقد قام فريق بحثى بقيادة أستاذة أمريكية متميزة بجامعة برينستون بدراسة الـ200 دستور، التى ظهرت فى دول العالم المختلفة فى الفترة من 1975 وحتى 2003. وقد وجدت أن هناك تسع طرق لكتابة الدساتير عرفتها دول العالم المختلفة. وقد كان الأكثر استخداما فيها هو أن تعهد هذه الدول إلى البرلمان المنتخب كى يقوم بذاته بصياغة الدستور (42 بالمائة من الحالات)، أو عبر هيئة تأسيسية معينة من قبل البرلمان (9 بالمائة من الحالات). أى أن أغلب دول العالم أخذت بما أخذنا به. والدراسة موجودة على موقع الجامعة المشار إليه بالأسفل.

 

ويشير صديقى العزيز المهندس أحمد أبوبكر إلى مفارقة فى كلام أخى العزيز د. علاء الأسوانى وما يقترحه فريق من فقهاء القانون والمثقفين المصريين من أن «العالم كله ينتخب جمعية تأسيسية بعيدة عن البرلمان». وبالاختبار الميدانى لصحة هذه المقولة بما فيها من تعميم صارخ، تبين، وفقا للمصدر السابق، أن هذا لم يحدث إلا فى 17 بالمائة من حالات كتابة الدساتير فى العالم منذ عام 1975 حتى الآن، وأن ما يرفضه البعض على أنه من غير المقبول عرفته 51 بالمائة من مجتمعات العالم.

 

ومع ذلك، فالحس الوطنى للدكتور الأسوانى، ولمن يسيرون على نفس المنهج، أصاب الكثير من الحقيقة حين أشار إلى مخاطر حقيقة لو ظنت الأغلبية أنها مطلقة اليد فى تحديد مصير الحياة السياسية عبر دستور إما شديد الجمود وغير قابل للتعديل إلا بثورة أخرى، أو أن يتحول إلى دستور أقرب إلى قانون مؤقت يتم تغييره مع كل برلمان جديد بأغلبية مختلفة. لذلك علينا أن نعود إلى عدد التجارب الأخرى حتى نتحسب لبعض المخاطر المحتملة. إن دولة مثل بولندا فعلت تقريبا ما نفعل بالضبط، ولكن حدث تعثر بسبب بعض الأخطاء فى التطبيق بسبب التشرذم الشديد فى توزيع مقاعد الهيئة التأسيسية للدستور. فقد تم انتخاب مجلس تشريعى يتكون من مجلسين بمجموع 560 عضوا فى عام 1990. قام هؤلاء بتكوين لجنة من 56 شخصا لصياغة، وللتباين الشديد فى التوجهات الأيديولوجية فشلت اللجنة مع الهيئة التأسيسية فى الوصول إلى نتيجة، فتراضوا على ما أسموه «The Little Constitution» أو الدستور البسيط بعد عامين من المناقشات.

 

وبعد انتخابات أخرى فى عام 1993 تم تشكيل لجنة جديدة منبثقة مرة أخرى من المجلس المنتخب، استمعت إلى جميع وجهات النظر بما فيها الأحزاب التى لم تفز فى الانتخابات، لكنها كانت تعبر عن التيار الرئيسى فى المجتمع بالأساس. انتهت إلى مشروع دستور، تم التصويت عليه فى البرلمان، حصل على أغلبية 90 بالمائة فى البرلمان، ثم تم عرضه فى استفتاء عام على الشعب صاحب السيادة عندهم، وحصل على دعم 57 بالمائة من الأصوات. وأرجو ملاحظة أن التوافق لم يكن موجودا فى الاستفتاء الشعبى حتى لا نعتقد أن نتيجة الاستفتاء لو جاءت بأقل من 80 بالمائة فهذا سيعنى حربا أهلية من وجهة نظر البعض.

 

ما الدروس المستفادة من كل ما سبق؟

 

ما فعلناه ليس بدعا من الطرق، وأرجو أن نكتفى بما سبق من حديث عن الماضى ولنتحدث عن المستقبل.

 

لو كان النمط السائد أن النخبة المثقفة كلما وجدت نفسها فى موقع الأقلية فستشيع الذعر فى المجتمع (والكلام ليس عن الدكتور الأسوانى قطعا، فتوازن طرحه موضع احترامى)، إذن لا مجال للحديث عن الديمقراطية، ولنسلم بما سبق وأن قاله مبارك ورجاله بأن المصريين ليسوا جاهزين للديمقراطية، وربما تحتاج الجملة لتعديل بسيط وهو «أن نخبة مصر المثقفة ليست مستعدة لتحمل أعباء الديمقراطية».

 

نحن معزولون عن الشارع. «نحن» هذه هى كاتب هذه السطور ابتداء والكثير ممن يظنون أن المجتمع يستيقظ كل يوم ليقول: «يا ترى كيف سأفكر اليوم؟ يا ترى ما هى منظومة القيمة التى ستحكم معتقداتى السياسية خلال هذا الشهر؟» المصريون لهم حساباتهم المختلفة تماما عما يتصوره أحاد الناس.

 

كما هو الحال فى الكثير من المفاصل التاريخية البعض يرفع شعار «نظريتى فى مقابل تاريخك» بمعنى أن التاريخ حدث ولا يمكن تغيير أى متغيرات فيه، أما نظريتى فأنا أستطيع أن أحرك كل افتراضاتها كما أشاء. ولهذا من اختاروا بديل «نعم» للتعديلات الدستورية سيظلون فى وضع انتقاد شبه دائم ممن لم ترتض نفوسهم أو تقبل عقولهم بنتيجة الاستفتاء. وأسوأ ما فى حالتنا أن أهل «نعم» لن يُنتَقدوا على ما اختاروه بالفعل وإنما على نتيجة مشوهة جمعت بين نصائح وفزّاعات بعض أهل «لا» مع قرارات إدارة انتقالية حائرة ومتخبطة. 

 

«ولتكن شدتنا فى الحق شدتين» كان عنوان مقالى بعد نتيجة الاستفتاء مستحضرا كيف أن اختلف الصحابيان العظيمان أبوبكر وعمر بشأن حروب الردة، وكيف أنهم فى النهاية احتكما لما فيه مصلحة الأمة. وحدة الأمة على قيمها العظمى فرض، أما الوسيلة فهى نفل. ولو كنا نخبة بجد، فلا نضيع الفرض من أجل النفل.

 

شكرا للدكتور علاء الأسوانى، ولكل من يجتهد حبا لهذا الوطن وحرصا على صالحه. ولتعلو مصر.

الموقع المشار إليه:  HYPERLINK

 

www.princeton.edu/~pcwcr/about/index.html

www.princeton.edu/~pcwcr/about/index.html

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات