اغتيال العقل - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اغتيال العقل

نشر فى : الثلاثاء 19 يونيو 2018 - 8:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 يونيو 2018 - 8:50 م

نشرت صحيفة القدس العربى اللندنية مقالا للكاتبة «بروين حبيب» عن قضية التنوير فى الفكر العربى، وتطرح فيه تساؤلات عن أسباب رفض المجتمعات العربية للمفكرين التنويريين، فى حين أن هؤلاء المفكرين يحظون بمكانة سامية فى المجتمعات الغربية.
استهلت الكاتبة حديثها عن مكانة التيار العقلانى التنويرى اليوم فى المشهد الفكرى العربى. بعد تصفيات طالت الأدمغة المخاطبة للعقل خلال ثلاثة عقود من الزمن، هل يمكننا الحديث عن حركة تنويرية فى العالم العربى، أو على الأقل عما تبقى من تلك الحركة النهضوية التى بزغت فى وقت ما وغربت بسرعة؟
إن كانت نوال السعداوى على سبيل المثال لا تناسبنا كمجتمع ولا نخبة تنويرية، فلماذا ناسبت جامعات مثل هارفارد، ويال، والسوربون وجامعات عالمية أخرى؟
لماذا لم يحدث أى تدخل لحماية فرج فودة من القتل، مع أن تكفيره حدث بشكل علنى من طرف دعاة وصفوا بالاعتدال والوسطية؟ بل حتى الأزهر تبنى فكرة التكفير تلك وكانت القلة التى دافعت عن فودة غير فاعلة فى الحقيقة بحكم أنها خارج صرح السلطة والهرم القضائى والمؤسسة الدينية المتفقة على إهدار دمه؟
وتضيف الكاتبة أن نجيب محفوظ بقامته العالمية أيضا لم تشفع له سمعته الأدبية ليكون له جناح آمن يأويه ولا يعرضه لإهانة طعنة جاءته فى آخر العمر من أحد أبناء بلده. أين نصنف أنفسنا فى هذا السلم المكسور الذى لا يبلغ لا قمة ولا ربوة؟ هل يمكن أن نجد اليوم المبرر الذى سلم رقاب التنويريين للطغمة الظلامية التى بسطت سيطرتها على المجتمعات العربية وأدخلتها فى نفق سحيق لا مخرج له ولا بريق نور فى الأفق.
بعد ست وعشرين سنة من اغتيال فرج فودة، ما الذى تغير؟ وهل يمكن اعتبار هذه السنوات كافية لمراجعة أنفسنا وحساباتنا؟ أم أنها ليست أكثر من مرحلة من مراحل الهتك بالعقول العربية فى انتظار إفراغ خريطتنا تماما من مفكرينا؟ ما الذى نسجله اليوم غير اغتيالات متفرقة هنا وهناك، تتم وسرعان ما نجد لها مبررات، بدون التوقف عند الجريمة فى حد ذاتها، وفى طبيعة أسبابها خارج الإطار الذى تُزَجُ فيه لتبدو مقبولة اجتماعيا. كتلفيق تهمة الكفر أو المعارضة السياسية للضحية، فصاحب الفكر تحديدا يقف فى النقطة الحرجة التى يتقاطع فيها الجميع، بدون انتماء واضح لطرف معين.
بعض التبريرات تنتهى إلى تشريع القتل بسبب جملة عابرة، وهذا كاف لنشر الرعب فى الفئات جميعها، وتكميم أفواهها إلى أجل غير مسمى. هل فى الأفق ما يشير إلى توقف آلة الموت من حصد الأدمغة العربية؟ مسبقا علينا أن نضع فى الحسبان عدد الأدمغة الناجية من الموت، وتلك التى نفذت بريشها من أقفاص الصمت والقمع، حين اختارت الهجرة إلى الغرب. حسب الأرقام تتربع البلدان الإسلامية المرتبة الأولى فى تصدير ثروتها الفكرية المنتجة للغرب، ما يفوق ثروة البترول والغاز الطبيعى وثروات أخرى.
لكن هذه الصادرات «الخاصة» يقدمها العالم الإسلامى بدون مقابل للغرب، بعد أن يهدر مبالغ طائلة حتى عمر تخرجها من الجامعات، إذ تصطدم هذه الأدمغة بعراقيل توظيفها، أو تعطيلها، أو إتلافها باكرا، إن حاولت التعبير عن امتعاضها بطريقة ما.
خمسون فى المائة من مجموع أدمغتنا هو متوسط الأدمغة المهاجرة نحو الغرب لأسباب تختلف تماما عن هجرة الأدمغة الغربية من بعض البلدان إلى بلدان الجوار، مثلما يحدث منذ سنوات بالنسبة لأدمغة يونانية أو فرنسية إلى ألمانيا وبريطانيا على سبيل المثال، لا بسبب القمع والتهميش، بل من أجل تحقيق ثروة والهروب من الضرائب. المشتغلون فى حقل الفلسفة والفكر يبحثون عن جامعات تحترم فكرهم، يفتحون نوافذ وأبوابا على العالم المضىء الذى حرموا منه، لكن إن لم يتحقق لهم ذلك، فما هى البدائل الممكنة أمامهم؟
وتختتم الكاتبة حديثها بأنه وبعد ست وعشرين سنة من اغتيال فودة، لا اعتذار صدر من المؤسسات الدينية المعروفة، ولا تكفير للتكفيريين، ولا دعوة لإيقاف فتاوى الموت، ولا خطاب معتدل فى الحقيقة… إذ من حين لآخر نسمع بتكفير كاتب أو شاعر أو مفكر، والتكفير فى المجتمعات الإسلامية دعوة علنية لإهدار دم المقصود، يحدث هذا بدون ملاحقة هؤلاء المحرضين على القتل، وكأن مؤسسات القانون موافقة على ذلك.
والغريب أيضا أن التغيرات التى نشعر بها وهى تنبثق من بعض المجتمعات المغلقة، على أنها إصلاحات جذرية وخطة جادة لإعادة الاعتدال للمؤسسة الدينية والتفكير الشعبى، يقابله الكثير من الخوف والتخوُف من التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وسط الألغام التى زرعت منذ عصور فى العقل المدبر الاجتماعى.

التعليقات