متى يتوقف «التبشير فى المؤمنين»؟! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متى يتوقف «التبشير فى المؤمنين»؟!

نشر فى : الأربعاء 19 سبتمبر 2018 - 10:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 سبتمبر 2018 - 10:50 م

صباح السبت ٨ سبتمبر الحالى، أصدرت الدائرة ٢٨ إرهاب برئاسة المستشار حسن فريد، حكمها فى قضية «فض اعتصام رابعة»، بإعدام ٧٥ متهما من بين ٧٣٩ متهما فى القضية تمت إدانتهم جميعا بأحكام مختلفة تبدأ من خمس سنوات حتى الأشغال الشاقة المؤبدة.

عقب صدور الحكم رأى فيه المعارضون لجماعة الإخوان قصاصا، من الجماعة التى حاولت العودة للحكم بالقوة، وتعطيل النقل والمواصلات. لكن فى المقابل كانت هناك ردود فعل معارضة فى الخارج أبرزها الرئيسة الجديدة لمفوضية حقوق الإنسان بالامم المتحدة ميشيل باشليه، التى قالت إنها «تأمل من السلطات المصرية، إعادة النظر فى الأحكام، واعتبرت تنفيذها إجهاضا للعدالة».

لن أعلق على أحكام القضاء، لكن ما لفت نظرى هو، ان معظم الردود التى انتقدت تصريحات المفوضية الأممية باشليه، كانت مما يطلق عليه «التبشير فى المؤمنين»، أى إننا نهاجمها فى وسائل إعلام مصرية، لا تأثير دوليا لها.

باستثناء بيان وزارة الخارجية الذى انتقد التصريحات، فإن بقية ردود الفعل كانت موجهة للداخل المصرى، وليس لأهل الشأن الذين بادروا بالانتقاد.

أغلب الظن أن باشليه لا تجيد اللغة العربية، والمؤكد أنها لا تتابع الصحافة أو الفضائيات المصرية!!. لكن أتصور أن مكتب الأمم المتحدة بالقاهرة ارسل ملخصا بردود الفعل، إلى المقر فى نيويورك أو جنيف.

ما يشغلنى اليوم هو سلوك عام يتم ممارسته فى معظم القضايا المشابهة، وهى أن الردود لا تذهب لمن يهمه الامر!

أفهم أن تدافع بعض وسائل الإعلام المصرية عن الأحكام، لاقناع المواطنين فى الداخل بها، أو للرد على الحملات الممنهجة لإعلام جماعة الإخوان خصوصا فى قطر وتركيا باعتبار أنه يحاول استمالة بعض المصريين فى الداخل، مستغلا أى قضية أو حادثة.

لكن حينما يتعلق الأمر بمسئولة دولية رفيعة مثل باشليه، فالمفترض أن يختلف الأمر.

كررنا نفس الخطأ مع سلف باشليه وهو الاردنى زيد بن رعد الذى انتهت مهمته قبل أسابيع، وكان دائم الانتقاد ايضا للعديد من الحكومات، وليس فقط فى مصر.

لم يكلف أحد نفسه محاولة فهم الآلية التى تعمل بها مفوضية حقوق الإنسان فى الأمم المتحدة، أو فهم الخلفية التى جاءت منها باشليه.

هى ابنة طيار عارض انقلاب أوجستو بيونشيه على رئيس تشيلى الاسبق اليسارى سلفادور الليندى عام ١٩٧٣. تم اعتقالها مع والدها الذى توفى فى السجن نتيجة التعذيب، وتعرضت هى ايضا للتعذيب، ثم خرجت من السجن لتعيش فى المنفى، حتى عام ١٩٧٩. وبعد سقوط نظام بيونشيه المدعوم من وكالة المخابرات المركزية، صارت وزيرة للصحة، ثم وزيرة للدفاع، وأخيرا رئيسة لتشيلى لفترتين من عام ٢٠٠٦ وحتى أوائل العام الحالى. هى تنتقد العديد من الحكومات من أول بورما إلى امريكا، مرورا بالصين وسوريا واليمن.

من وجهة نظرى أنه بدلا من تكثيف الهجمات الإعلامية باللغة العربية ضد باشليه، كان يفترض أن يكون هناك خطاب أكثر عقلانية مكتوب باللغة الإنجليزية، يركز على أن الحكم كان أول درجة وليس نهائيا. وأنه اذا كان صحيحا صدور الاف من احكام الاعدام فكلها كانت اول درجة، وهذا ينطبق على كل أحكام الاعدام التى صدرت ضد قيادات وكوادر جماعة الإخوان ولم تنفذ حتى هذه اللحظة، ومعظمها ان لم يكن كلها تم نقضه بالفعل فى إعادة المحاكمات. الحالات القليلة التى تم فيها تنفيذ أحكام الإعدام ــ ربما لا تزيد على عشرة فى خمس سنوات ــ كانوا بحق متهمين بممارسة القتل العمد والتخريب والإرهاب، مثل قصة عرب شركس مثلا.

وهناك تفهم آخر لمعارضة فرنسا أو الاتحاد الأوروبى لعقوبة الإعدام، وهو أمر ليس خاصا بمصر فقط، ولكن هو موقف عام. ويضغطون به على تركيا أيضا، وبالتالى فالرد ينبغى أن يكون فى إطار أن نمط الجرائم والصراعات الموجود فى مصر والمنطقة، ربما يجعل وقف الإعدام الآن ليس مناسبا كما تقول العديد من الحكومات العربية.

نحتاج أن نخاطب الخارج باللغة التى يفهمها، ولا يفيد ولا يصح أن نقول لبعض هذا الخارج «أنتم اعضاء أو متعاطفون مع جماعة الإخوان، واخبطوا رءوسكم فى الحائط»، لأننا ببساطة نحتاجهم فى ملفات كثيرة، وأحيانا ننفذ لهم بعض ما يطلبونه فى إطار المواءمات الموجودة فى العالم بأكمله. نحتاج أن نمارس السياسة فى هذا الملف ونتوقف عن «التبشير فى المؤمنين»!!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي