سوريا غير السورية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 3:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوريا غير السورية

نشر فى : الأربعاء 21 مارس 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 21 مارس 2018 - 9:25 م

يصلح تحقيق «نيويورك تايمز» عن قصة اختطاف أفراد من العائلة القطرية الحاكمة فى العراق ومفاوضات الإفراج عنهم، مادة تفكير بأحوال سوريا بعد سبع سنوات على بدء الانتفاضة فيها على النظام الحاكم، وما أعقب هذه الانتفاضة من حروب فى ذلك البلد. فالاختطاف الذى جرى على بعد أكثر من ألف كيلومتر عن سوريا جرى تصريفه فى الحرب السورية على نحو فظيع. فتولت الدوحة دفع فدية وصلت إلى أكثر من 400 مليون دولار كانت بمثابة تمويل لميليشيات غير سورية تقاتل فى سوريا. كما رعت بموجبها كل من الدوحة وطهران عملية مبادلة سكانية كانت فى الحقيقة أقرب إلى ترانسفير طائفى ومذهبى. وبيروت بدورها لم تكن بعيدة عن الصفقة، فوفق «نيويورك تايمز» فقد وصلت إلى مطار بيروت الدفعة الثانية من حقائب المال القطرى، وتسلّمها فى مطار العاصمة اللبنانية مسئولون من «حزب الله»، ناهيك عن حصة الفصائل المقاتلة السنّية من هذا المال.

نحن اليوم فى سوريا حيال مجزرة مفتوحة، فى حين تكشف الوقائع أن حالا مافياوية تتم إدارتها من أطراف النزاع الفعليين، وهم فى معظمهم من غير السوريين. فالوقائع التى ينوء تحتها السوريون فى لحظة انقضاء السنة السابعة على انتفاضتهم على نظامهم كاشفة لمشهد يتصدره الأشرار من كل اتجاه. روس وإيرانيون وأتراك وعراقيون وقطريون وإسرائيليون ولبنانيون، ووحدهم السوريون يموتون. أفراد العائلة الحاكمة القطرية اختُطفوا فى العراق وأفرج عنهم بصفقة «سورية». حقول الغاز اللبنانية العتيدة يجرى تلزيمها بموجب حسابات الحرب السورية فتفوز بها شركات روسية قريبة من فلاديمير بوتين. مخاوف أنقرة من طموحات الأكراد فى تركيا يتم تصريفها فى الحرب السورية. تل أبيب تتصدى لطموحات طهران فى نفوذ على حدودها عبر غارات تستهدف سوريا.

المشهد فعلا قاتم بعد كل هذه السنوات، وما يعانى السوريون منه يقتصر فقط على تلك المجزرة المفتوحة على أرقام هائلة من الضحايا وعلى بعض أمراء الحرب عديمى الإرادة والتأثير. واليوم أجادت علينا الأرقام بمزيد من المآسى، واللاعب الإقليمى والدولى يمعن فى الاتجار بدم الناس فى ذلك البلد. الغوطة فى مقابل عفرين. هذه معادلة أخرى وجد السوريون أنفسهم أمامها. فالنظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون التقطوا الحاجة التركية للقضاء على النفوذ الكردى فى عفرين وقرروا أنها اللحظة المناسبة للانقضاض على الغوطة. مدنيون هنا ومدنيون هناك. وعشرات آلاف النازحين على طرفى المأساتين، والعالم صامت وقابل فى معادلة الدماء فى مقابل الدماء. مأساة حلب تتكرر، وأنقرة فعلتها مجددا.

لا شىء عدميا أكثر من مشهد السوريين على بعد سبع سنوات على انتفاضتهم وعلى اشتعال حروب العالم كله فى بلدهم. وفى مقابل ذلك لا شىء أدعى إلى التفكير بهذه الحال. والتفكير هنا يجب أن يشمل كل شىء، العالم الشرير والجيران المتآمرين، ولكن أيضا الخاصرة الرخوة التى شكّلتها سوريا لكل هذا الشر. فالسكان الذين تمّت مبادلتهم بموجب الصفقة القطرية ــ الإيرانية هم سوريون، والغوطة وعفرين مدينتان سوريتان، والقول إنها حرب الآخرين غير دقيق على نحو ما لم يكن دقيقا القول إن الحرب اللبنانية كانت «حرب الآخرين على أرضنا».

المراجعة يجب أن تشمل كل شىء بما فيها الكيان نفسه، وبما فيها المصالح الحقيقية فى العلاقة مع كل الدول المرتكبة. العلاقة مع العراق ومع لبنان بصفتهما من أصحاب الأيادى غير البيض، ويجب أن تشمل افتراق المصالح والتقاءها مع كل من أنقرة وتل أبيب وموسكو. ثم إن حضور كل هؤلاء فى سوريا وغياب الإرادة السورية مؤشر أيضا إلى معانٍ يجب إعادة التفكير فيها. فالبعث، وهو التجربة شبه الوحيدة بعد الاستقلال، لم يُبقِ على شىء ولم يُنتج حصانات ولم يؤسس لغير الحروب.

الحياة – لندن
حازم الأمين

التعليقات