التنوع والتوافق يقضيان على كل الأمراض - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التنوع والتوافق يقضيان على كل الأمراض

نشر فى : الخميس 21 مارس 2019 - 11:40 م | آخر تحديث : الخميس 21 مارس 2019 - 11:40 م


إذا كانت الإشاعات والأخبار الكاذبة كثيرة ومنتشرة، فكيف يمكن مواجهتها؟ هل هناك حلول عملية بدلا من الاكتفاء بالشرح والتفسير والتشخيص؟!
كان هذا هو جوهر السؤال الذى وجهه لى كل من الإعلاميين عمرو عبدالحميد ونشأت الديهى خلال حلقة مميزة عن كيفية مناقشة التصدى للشائعات، أذاعتها قناة تن مساء الجمعة قبل الماضية، وضمت نوابا وخبراء فى الأمن والجماعات المتطرفة.
وللأمانة فإن النقاش كان حرا ومفتوحا ولامس «معظم» الهموم التى يعانى منها الإعلام.
حاولت شرح المشكلة لكن الزميلين طلبا منى الدخول فى صلب الموضوع، واقتراح حلول عملية حتى يكون النقاش مجديا.
قلت وأكرر هنا اليوم إن البداية الفعلية لمحاربة الشائعات هى فى ايجاد بيئة إعلامية وسياسية مختلفة حتى تكون قادرة على المواجهة.
لا يخفى على أحد أن هامش الحرية قد ضاق كثيرا فى الفترات الأخيرة، وبالتالى فعدم وجود هذا الهامش يمثل أفضل فرصة للفضائيات المعادية أو المتربصة أو غير المهنية. حينما يختفى التنوع فى الإعلام المصرى بالداخل فإن المواطن الطبيعى والسوى، سوف يبحث عنه فى أى مكان آخر، حتى لو كان مشبوها. المهم أن يقدم له وجبة مختلفة بدلا من «الطبيخ البايت» الذى تعود عليه كل يوم فى بيته!.
قلت لنشأت الديهى وعمرو عبدالحميد إن هذه الحلقة التى نتحدث فيها، مفتوحة، وليست عليها قيود أو محاذير، ونتحدث من دون خوف، فلماذا لا يتم تعميم هذه التجربة فى كل القنوات، ويكون هذا هو الأصل فى الأشياء، وليس مجرد استثناء، يعود فى الأساس إلى ثقة الزميلين فى عملهما، وعدم خوفهما. ما الذى سيدفع أى شخص لمشاهدة أى برامج فى الفضائيات المصرية، إذا كانت متشابهة جميعا فى الشكل والمضمون؟!
قلت أيضا إن مساحة الاختلاف والتنوع ليست مفيدة فقط للمواطنين، ولكنها مفيدة أيضا للحكومة وصانعى القرار، لأنهم يستطيعون فى هذه الحالة معرفة كل الآراء والاتجاهات فى أى قضية فى حين أن الرأى الواحد، هو أسوأ مستشار لأى صانع قرار.
قلت للزميلين أيضا إن العنصر الحاسم الثانى الذى سيقضى على الشائعات هو بناء أكبر قدر من التوافق الوطنى بين القوى السياسية المختلفة، المؤمنة بالقانون والدستور. وبالتالى فنحن هنا لا نتحدث عن أى قوى ظلامية متطرفة سواء كانت شرعية أو محظورة. لا يمكن توقع نجاح أى تجربة، إذا دخلت الحكومة فى عداء وخلاف وخصام مع كل قوى المجتمع.
يمكن تفهم أن تدخل الحكومة ومعها الدولة، بل والمجتمع، فى حالة حرب وصدام ومواجهة مع قوى التطرف والإرهاب، وهى معركة فرضت علينا جميعا، ولابد من حسمها، لكن لا يعقل أن تدخل الحكومة فى خلاف مع كل أو غالبية القوى السياسية والمجتمعية الأخرى.
حتى من منظور برجماتى بحت فإن الحكومة والنظام السياسى يفترض أن يبحثا عن تقليل الخصوم، وليس اصطفافهم. وعلينا تذكر أن تلك هى الكارثة الكبرى التى وقع فيها نظام الإخوان، حينما عادى الجميع، وجعلهم يتكتلون ضده فى «جبهة الإنقاذ» أو كانت تلك هى بداية سقوطهم.
هناك عامل مهم جدا يلعب دورا خطيرا فى انتشار الشائعات وهو غياب أو انخفاض مستوى الوعى العام، وهو أمر لن يتم علاجه بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى تكاتف الجميع وتنسيقهم، والبدء فى علاج العديد من المشكلات مثل التعليم والإعلام والخطاب الدينى.
أعتقد أن الحكومة تستطيع أن تقلل من درجة وحجم انتشار الشائعات، إذا فكرت فى معالجة النقاط السابقة. عليها أن تدرس وتفكر وتجرب بدلا من الإصرار على مواجهة المشكلة بنفس الطريقة السابقة والقديمة التى يثبت كل يوم أنها غير كافية.
الشائعات موجودة نعم فى كل مكان، بما فيها الدول الكبرى والراسخة فى الديمقراطية، لكن درجتها ــ وحجمها ونوعها ــ قليلة جدا، ومختلفة تماما عنا.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي