إلى تأسيسية الدستور - عزة كامل - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى تأسيسية الدستور

نشر فى : الثلاثاء 21 أغسطس 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 أغسطس 2012 - 8:50 ص

جاء فى جريدة الشروق فى عددها الصادر يوم الأربعاء 15 أغسطس 2012 أن لجنة الحقوق والحريات بالجمعية التأسيسية للدستور وافقت خلال اجتماعها الثلاثاء 14 أغسطس على الصياغات المبدئية لخمسين مادة من باب الحريات والتى انتهت منها لجنة الصياغة على أن يتم عرضها على الأعضاء الأساسين بالجمعية التأسيسية للتصويت عليها إما بالموافقة أو الرفض، كل مادة على حدة.

 

وقد توقفت طويلا أمام المادة (40) والتى نصت على:

 

«تلتزم الدولة باتخاذ جميع التدابير التشريعية والتنفيذية لترسيخ مبدأ مساواة المرأة مع الرجل فى مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية وتوفر الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان وتكفل للمرأة الحماية والرعاية الاجتماعية والاقتصادية والصحية وحق الإرث وتتضمن التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وعملها فى المجتمع».

 

•••

 

وسبب تمعنى بها أن هذه المادة ألزمت الدولة بترسيخ مبدأ المساواة مع الرجل فى جميع المجالات بشرط أن هذا لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية والتى تفتح الباب على مصراعيه للتأويلات والاجتهادات التى قد تهدد مبدأ المساواة نفسه، فمعظم دساتير العالم نصت على أن تضمن الدولة المساواة فى الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، رجالا ونساء، وذلك بإزالة جميع المعوقات التى تؤخر تقدم الفرد سواء كان رجلا أو امرأة والتى تعترض المشاركة الفعالة للجميع فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم تضع هذه الدساتير شروطا لتحقيق المساواة بل أن بعض الدساتير العربية (السودان ــ العراق ــ المغرب ــ تونس) نصت على أن تعزز الدولة حقوق المرأة من خلال تبنى تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بالمساواة لصالح الفئات المهمشة والضعيفة، ويتضمن ذلك القيام بتدابير إيجابية أو بالتمييز الإيجابى إلى حين تحقق المساواة بالفعل ولا تعتبر التدابير الخاصة التى تستهدف حماية الأمومة إجراء مجحفا فى أى حال من الأحوال.

 

ونتيجة أن المجتمع يُحمل المرأة مسئولية الأسرة وحدها فإن بعض الدساتير نصت على إن دور المرأة فى الإنجاب لا ينبغى أن يكون أساسا للتمييز، بل إن تنشئة الأطفال تتطلب بدلا من ذلك تقاسم المسئولية بين الرجل والمرأة والمجتمع ككل، لذلك يجب النص على تساوى الرجل والمرأة فى المسئولية داخل إطار الحياة الأسرية، وتوفير الخدمات الاجتماعية لاسيما مرافق رعاية الأطفال اللازمة للجمع بين الالتزامات الأسرية ومسئوليات العمل، والمشاركة فى الحياة العامة وأن تكون المصلحة الفضلى للأطفال هى الاعتبار الأساسى فى جميع الحالات، كما أكدت بعض الدساتير أن تعترف الدولة بأن العمل المنزلى نشاط اقتصادى يخلق قيمة مضافة وينتج ثروة ويوفر رفاهية اجتماعية، ويحق لربات البيوت ضمان اجتماعى حسب القانون.

 

وبالرغم من أن المنظمات والحركات النسوية عقدت اجتماعات عديدة مع بعض أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور لتقديم مطالب النساء من خلال وثائق قدمت رسميا للجنة تتضمن رؤية كاملة لهذه المطالب والحقوق، إلا أن اللجنة تستخدم ذريعة الخصوصية الدينية والشريعة الإسلامية لتبرير عدم إعمالها بمعايير الحقوق الإنسانية للنساء وتضرب بعرض الحائط كل المشاورات المجتمعية التى قامت بها الحركة النسوية مع عموم نساء مصر.

 

•••

 

مازال الفكر الأبوى هو الذى يحكمنا ويحكم عقلية معظم أعضاء الجمعية التأسيسية وهو بدوره يهمش المرأة ويحاصرها بعوائق قانونية واجتماعية ودينية تجعلها على هامش المجتمع، وهذا الفكر الأبوى غير مرتبط الآن بوصول الأصوليين للحكم بل يمتد إلى عقود طويلة تطوق بنية النظام العربى التى هى محصلة صيرورة تاريخية منذ ما قبل الإسلام، حتى اليوم، والتى شكلت قلاع حصينة للسيطرة الكاملة للدولة بمختلف الأشكال والمستويات على المواطنين والمواطنات، أن التحرر ليس مجرد إطاحة بنظام حكم وليس مجرد بزوغ ثورات جديدة بل يعنى تغيير أساسى فى البنية السياسية والثقافية والاجتماعية القائمة، يعنى أنسنة العلاقات الاجتماعية وخاصة العلاقات بين الرجال والنساء وعلى رأسها حرية النساء، إن الذى تغير إلى الآن هو لغة الخطاب المهيمن ومظاهره.

 

إن الخروج من طوق التخلف الذى يطوق مجتمعنا المصرى ومجتمعنا العربى والذى يفرض التهميش والإقصاء على المرأة وينتهك أبسط حقوقها كمواطنة وإنسانة لن يتأتى إلا بكسر وتحطيم مرتكزات النظام الأبوى الذى لا تقتصر على الأسرة بل هى ظاهرة تطول المجتمع ككل «الأسرة، القبيلة، مؤسسات الدولة الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية».

 

إن الجانب المحورى فى الجدل الدينى حول المرأة فى الإسلام هو جدل حول النصوص التى لا توجد لها إلى الآن منظومة فكرية وفقهية متجانسة وهو أمر صحى مطلوب، لكن تكمن المشكلة فى الفوضى التى تحدثها التيارات الأكثر محافظة التى تريد أن تشكل منظومة أحادية تحول دون تقدم المجتمع وتطوره.

 

•••

 

على الجمعية التأسيسية أن تعيد النظر فى هذه المادة وأن تحذف منها عبارة بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية، وعلى الحركة والتحالفات النسوية المختلفة أن تعمل جاهدة من اجل إسقاط هذا الشرط وعدم تضمينه فى المادة 40.

 

مازال فضاء المرأة ملبد بالغيوم ومازالت المرأة هى من أوائل الفئات التى جارت عليها الثورة والفكر الأبوى والأصولى، لكن بالإرادة القوية، إرادة المصريين والمصريات سنتمكن من قشع هذه الغيوم حتى وإن طال الزمن.

 

 

 

عزة كامل كاتبة مصرية
التعليقات