انتفاضة شعبية أم حرامية؟! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتفاضة شعبية أم حرامية؟!

نشر فى : الخميس 24 يناير 2019 - 12:00 ص | آخر تحديث : الخميس 24 يناير 2019 - 12:00 ص

فى ١٧ يناير ١٩٧٧ ألقى نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية د. عبدالمنعم القيسونى، خطابا أمام مجلس الشعب، أعلن فيه رفع جزء من الدعم عن بعض السلع الأساسية، ما أدى لرفع أسعار الخبز بنسبة ٥٠٪ والسكر ٢٥٪ والشاى ٣٥٪، إضافة إلى الزيت والأرز والسجائر والوقود، بهدف تخفيض عجز الموازنة، تمهيدا للاتفاق مع صندوق النقد الدولى.
بعد هذه القرارات خرج عشرات الآلاف من المصريين احتجاجا على هذه القرارات، وهتفوا ضد سياسات الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، الذى وصف المظاهرات بأنها «انتفاضة حرامية»، ردا على وصفها بالانتفاضة الشعبية، على الرغم من أنه ألغى القرارات بسبب استمرار التظاهر يومى ١٨ و١٩ يناير، كما فرض حالة الطوارئ، وألقت أجهزته القبض على مئات النقابيين والمثقفين بتهم الانتماء والمشاركة فى «تنظيم شيوعى لقلب نظام الحكم»، وقد تمت تبرئة غالبيتهم لاحقا.
السؤال: لماذا أتناول هذا الموضوع الآن؟
الأول بمناسبة مرور 42 عاما، لكن السبب الأهم، هو أن طريقة معالجة هذا الملف، كانت سببا أساسيا فى أزمة هيكلية لازمت الاقتصاد المصرى من يومها، وحتى الآن، ويدفع المجتمع بأكمله ثمنا فادحا لمعالجتها.
وقت المظاهرات كان عمرى ١٣ عاما، والقناعة التى تشكلت فى وجدانى مما قرأته لاحقا أنها انتفاضة شعبية، تطالب بحياة كريمة ضد ارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من ذلك فإننى أعتقد أن النتيجة النهائية للمظاهرات، لعبت دورا حاكما فى الأزمة الاقتصادية التى عانت منها مصر لعقود تالية. وأزعم أنها أحد أسباب الثمن الفادح الذى يدفعه المصريون الآن فى عملية الإصلاح الاقتصادى.
حينما اتخذ السادات قرار رفع الأسعار، كان يدرك حجم الانهيار الذى بلغه الاقتصاد، ولم يدرك جيدا حجم التطلعات الكبيرة للمواطنين.
الاقتصاد المصرى كان قويا إلى حد كبير، حتى وقعت هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧، وبعدها فإن معظم الموارد، وجهت للمجهود الحربى، لإعادة بناء القوات المسلحة، وخوض معركة تحرير الأرض.
القطاع العام الذى كان يقود عملية التنمية وقتها، لعب دورا مهما فى انتصار أكتوبر ١٩٧٣، لكن بتضحيات كبيرة، وتحمل المواطنين شظف العيش.
بعد الانتصار، أعلن السادات سياسة الانفتاح الاقتصادى عام ١٩٧٤، وشاعت ثقافة الاستهلاك، ثم فوجئ المواطنون بارتفاعات الأسعار عام ١٩٧٧، فخرجوا للتظاهر، لأنهم كانوا يعتقدون أن الدولة يفترض أن تعوضهم عن سنوات التحمل والحرمان منذ الهزيمة.
فى المقابل فإن السادات وحكومته، لم يتمكنوا من إقناع المواطنين وقتها بحتمية الإصلاح، ثم إن مظاهر الانفتاح التى كانت تتزايد بصورة فاضحة، لم تعط المواطنين أى شعور بأن هناك مشكلة. على الرغم من أن الاقتصاد كان يحتاج لضخ المزيد من الاستثمارات الحقيقية فى شرايينه التى بدأت تتيبس، وملامح الترهل فى الاقتصاد، بدأت تتضح، لأسباب متعددة منها الفساد.
حينما اشتدت المظاهرات، وهددت استقرار النظام اتخذ القرار السهل وهو التراجع عن القرارات، ويقال إن هذه المظاهرات كانت سببا جوهريا، فى العديد من السياسات الحاسمة التى اتخذها السادات، وأهمها زيارة الكيان الصهيونى فى نوفمبر ١٩٧٧، والتى انتهت بمعاهدة السلام فى مارس ١٩٧٩، القطيعة الكاملة مع تيار اليسار والناصريين، باعتبار أنهم لعبوا الدور الأكبر فى المظاهرات، حيث تم اعتقال غالبية قادة هذ التيار.
أكثر من خبير اقتصادى يقولون الآن إنه لو أن السادات لم يتراجع عن القرارات، ولو أن نظام حسنى مبارك، لم يتبع نفس سياسته، بعدم تحريك أسعار الوقود، وكذلك فلسفة الدعم بصفة عامة، ما كنا قد وصلنا لهذه الحالة الصعبة اقتصاديا.
أحد الخبراء يقول لى: لو أن مبارك رفع سعر الوقود بمعدل ربع جنيه فقط سنويا، فربما كنا مثل كوريا أو إندونيسا. لكن الذى حدث أنه اشترى صمت وولاء المواطنين، فتم تعويدهم على الدعم، فى كل شىء من الوقود إلى الخبز، ومن المواصلات إلى التعليم والصحة من دون مقابل.
فى تقدير هؤلاء أن الأمثل كان بيع السلع والخدمات بأسعارها العادية الاقتصادية، دون أى دعم، وبعدها يمكن للحكومة دعم المواطنين المحتاجين فعلا، بدلا من هذا الاعتماد الكلى على الدعم، الذى لعب الدور الأكبر فى الأزمة الاقتصادية.
اتباع سياسات اقتصادية رشيدة، وتخفيض الدعم على سنوات طويلة، كان سيجعل الاقتصاد عفيا ومنتجا، والناس أكثر اعتمادا على نفسها، والموازنة من دون عجز تقريبا. حدث ما حدث. والتاريخ لا يعود للوراء وكلمة «لو» تفتح عمل الشيطان كما يقولون. لكن من المهم أن نتعلم من تاريخنا القرب والبعيد.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي