«ناقةُ صالحة».. أسئلة الحب والغربة - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«ناقةُ صالحة».. أسئلة الحب والغربة

نشر فى : الخميس 26 سبتمبر 2019 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 26 سبتمبر 2019 - 10:00 م

رواية قصيرة تستلهم حكاية صنعت قصيدة أودعها كاتبها حنينًا إلى وطن ومحبوبة لن تعود، يضع الواقع البذرة، ويستكمل الرواة الحدوتة الشعبية، ويحفظون القصيدة، ويجد كاتبًا نابها فى القرن الحادى والعشرين، فى كلِّ ذلك، ما يطرح أسئلةً كثيرة، فيصنع قصته عن الحب والفراق، والغربة فى الوطن وخارجه، وعن الشاعر الذى سجن، والقصيدة التى حلّقت بأجنحة الحرية.
أتحدث عن رواية «ناقة صالحة» لسعود السنعوسى، وقد صدرت فى طبعتها المصرية عن الدار العربية للعلوم و(مكتبة تنمية)، تستعيد الرواية قصة حب ضائعة، وحكاية شاعر مغترب، ولكن الكاتب يجرد الحكاية الشعبية من أساطيرها، لعله أراد أن يقول إن أسئلة الحكاية متكررة، وهى أيضًا أسئلة ملموسة وواقعية ومعاصرة.
أبطال سعود السنعوسى مغتربون بمعنى ما، حتى لو كانوا من أهل المكان، هم مختلفون فكرًا وسلوكًا عن غيرهم، وهذا سبب من أسباب اغترابهم، ودخيل بن أسمر بطل «ناقة صالحة» وهو شخصية حقيقية، وشاعر معروف، جاء قديمًا إلى إمارة الكويت مظلومًا مطاردًا من قومه، حكاية حبه لم تكتمل مع ابنة عمه صالحة، التى زوجوها لابن خالها. الشاعر العاشق، الذى كان يمكن أيضًا أن تحمل الرواية اسمه، سيئ الحظ منذ وُلد، فى الإمارة يسجن من جديد بسبب حادث عبثى وغامض، عندما يخرج من سجنه يجدهم يبنون سورًا حول الإمارة، غربة على غربة، وناقة تبكى وليدها تجعل الشاعر يكتب قصيدة، تصبح المحبوبة وطنًا، وهو يبكى الاثنين معًا.
صالحة أيضًا مختلفة منذ البداية، لها قلب أنثى وجرأة ذكر، ابنة وحيدة تكتشف الحياة، بعد موت زوجها تبدأ رحلة استعادة دخيل، مرة أخرى رحلة إلى إمارة الكويت، تفضل القصص الشعبية قصص الحب التى لا تكتمل، تصنع منها فنًا وحكايةً عابرة للأجيال، يبدو ظهور الموت بطريقة عبثية فى الحكايات الرومانسية أمرًا حتميًا، الوصول أكثر مشقة من الرحيل، وفى هذه الحكايات لا يوجد وصول.
تترك صالحة أرضها، ويترك دخيل أرضه، ولكنهما لا ينعمان أبدًا بنهاية سعيدة، دخيل بالذات لا يستطيع ألا يزور إمارة الكويت، لأن له فيها قلبًا، ولكنه لا يستطيع فى نفس الوقت أن يعيش فيها باستمرار، جدل لا ينتهى بين الحب والغربة، وبين قيد السجن وفضاء الصحراء، بين حضور السور وبهجة القصيدة، وبين السيوف والرصاص وصوت الرباب.
يلفت النظر أكثر أن الشخصيات، خصوصًا دخيل وصالحة، تتواصل مع الطبيعة والإبل، أكثر مما تتواصل مع البشر، الطريقة التى رسمت بها علاقة صالحة مع ناقتها، مثلًا، جعلتهما متشابهتين؛ بدايةً ونهايةً، وضع الإنسان فى بيئته، والتفاصيل المدهشة التى رسمها سعود لمجتمع الصحراء والقبيلة، يمكن مقارنتها مع أعمال مهمة مثل عالم رواية «التبر» لإبراهيم الكونى، دور الطبيعة والحيوان أساسى؛ لأنه فى صميم المعنى والفكرة.
لم يجد سعود السنعوسى نفسه مضطرًا لإضافة أى أساطير، فالأسطورة حاضرة فى الحب نفسه، فى القوة التى منحها لصالحة ودخيل، الأسطورة حاضرة فى العلاقة الوثيقة بين حيوات ومصائر الإنسان والحيوان، وحاضرة أيضًا فى بقاء الحكاية والشعر مع فناء أصحابها، الواقع الذى لا يتغير، ويعيد طرح أسئلة قديمة باستمرار، وكأنه يدور حول نفسه، يبدو أسطوريًا على نحو ما، إنه الماضى الذى يحكم الحاضر.
«ناقة صالحة» أكثر من أن تكون حكاية حب حزينة، دخيل باسمه وبحظه وبحيرته، يطارده إحساس بالنبذ والفشل، وهو أيضًا معلٌق بين عالمين، وهويتين، وعملين، واسمين، غربته دائمة، وأسئلته بلا إجابات، وعندما تتكرر فى الرواية عبارة «العلم عند الله»، فإن الكاتب يمنح بذلك حكايته غموضًا يتطلب مشاركة القارئ فى التأمل، وفى استكمال الفجوات، وفى البحث عما وراء القصة، وهناك سيجد حتمًا أسئلة قديمة ما زالت معاصرة.
قصيدة وأغنية على الربابة، وقصة حب غابرة تعود منثورة وثرية بتفاصيلها، فانظر وتأمل رحلةً لا تكتمل أبدًا، وعمرًا ينقضى تحت سنابك قسوة التقاليد، وانظر وتأمل امرأة كالوطن، وناقة تبكى، وجرحًا لا يندمل، وفى قلب الصورة شاعر صنع من المأساة أغنية، وتحدى الموت والخذلان، بخلود الشعر والقصيدة.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات