تحديات حديثة تواجه صناعة غاز شرق المتوسط - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات حديثة تواجه صناعة غاز شرق المتوسط

نشر فى : الأربعاء 27 مايو 2020 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 27 مايو 2020 - 9:20 م

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى... نعرض منه ما يلى:
برزت فى الآونة الأخيرة تحديات جديدة أمام تطوير صناعة غاز شرق المتوسط. بادئ ذى بدء؛ تتوجب الإشارة إلى أن الصناعة النفطية فى مختلف أقطار العالم تواجه تحديات جيواستراتيجية أو صناعية فى وقت من الأوقات، وأن هذه التحديات لا تنحصر فى منطقة واحدة فقط؛ بل يواجهها معظم التجارب النفطية المختلفة فى العالم.
من الملاحظ حاليا، فى شرق المتوسط، أن الصناعة الغازية تواجه تحديات جيوسياسية تتمثل فى محاولات توسيع تركيا نفوذها الإقليمى، كما أن هناك السياسة الإسرائيلية لضمّ الضفة الغربية. وهناك أيضا الآثار السلبية لانهيار أسعار النفط والغاز والآثار المترتبة على ذلك من تقليص الموازنات الاستثمارية للشركات النفطية العالمية فى فترة المرحلة الاستكشافية نفسها لشرق المتوسط.
حاولت تركيا بشتى الطرق إيجاد موطئ قدم لها فى الصناعة الغازية فى شرق المتوسط. فقد بدأت هذه المحاولات أولا بإرسال طائراتها النفاثة العسكرية على مستوى منخفض فوق منصات الشركات الدولية العاملة فى المياه القبرصية لتخويف الشركات وثنيها عن العمل. لكن هذه التهديدات لم تُثْنِ قبرص والشركات عن الاستمرار فى الاستكشاف. من ثم، وبعد إخفاق هذه التجربة، هددت تركيا الشركات النفطية العاملة فى المياه القبرصية بمقاطعة العمل النفطى كليا فى تركيا. ولم تذعن الشركات لهذا التهديد. كما أن محكمة العدل الأوروبية رفضت سياسة المقاطعة هذه. وعلى أثر ذلك، ادّعت تركيا أن منطقتها الاقتصادية الخالصة تمتد إلى الحدود البحرية المرسومة والمتفق عليها بين القاهرة ونيقوسيا. رفضت قبرص هذا الادّعاء، وأجابت مصر بمذكّرة شديدة اللهجة على هذا التدخل فى شئونها السيادية. وفى خضم هذه المحاولات الكثيرة استعملت قبرص ورقة دور القبارصة الأتراك فى شمال الجزيرة الواقع تحت الاحتلال التركى منذ عام 1974 أثناء المحادثات المزمنة مع قبرص لتوحيد الجزيرة، ولكن أيضا دون جدوى.
وأخيرا؛ وقّعت أنقرة اتفاقا مع حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس للتنقيب عن النفط فى المياه الليبية، حيث عدّت أنقرة الاتفاق النفطى ثمنا لمساندتها العسكرية من قوات وميليشيات. رفض البرلمان الليبى فى بنغازى الاتفاق. لكن تركيا غضّت النظر عن هذا الرفض وعن تجاوزها حدود المنطقة العسكرية الخالصة التى تمر عبر جزيرة كريت اليونانية. وقد ارتأت الحصول على الامتيازات النفطية عن طريق معاهدة عسكرية بدلا من أن تشارك «مؤسسة البترول التركية (تباو)» فى جولة تراخيص حالها كحال بقية الشركات النفطية العالمية.
***
هناك أزمة ثانية تلوح فى الأفق. فالسياسة الإسرائيلية الحالية تعمل على ضمّ الضفة الغربية. هذه السياسة، التى يعارضها كل من فلسطين والأردن، ستلقى ظلالها على صادرات إسرائيل الغازية من الحقول البحرية إلى شركة الكهرباء الأردنية، هذه الصادرات التى بدأت فعلا منذ أوائل عام 2020 والتى عارضها البرلمان الأردنى بالإجماع وكذلك الرأى العام الداخلى الأردنى.
وصرح عاهل الأردن الملك عبدالله الثانى فى مقابلة أجراها مؤخرا مع دورية «دير شبيغل» الألمانية، بأنه إذا ما ضمّت إسرائيل أجزاءً من الضفة الغربية فـ«سيؤدى ذلك إلى صدام كبير مع الأردن». وأضاف: «لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جوا للخلاف والمشاحنات. ولكننا ندرس جميع الخيارات إذا جرى الضم».
وتواجه إسرائيل معضلة أخرى؛ فقد اتفقت مع قبرص واليونان وإيطاليا على إنشاء خط أنابيب غاز يمتد عبر هذه الدول لتصدير الغاز الإسرائيلى إلى السوق الأوروبية المشتركة. إلا أن هذا الخط الذى تبلغ تكلفة إنشائه نحو 8 مليارات دولار يفتقد حتى الآن مشتريا للغاز. ومن المعروف أنه من الصعب جدا إنشاء خط للغاز دون الحصول على اتفاق مسبق مع شركة لتوزيع الغاز داخل السوق الأوروبية أو مع محطة كهرباء. من ثم؛ يبقى مصير هذا الخط ضبابيا لحين التوقيع مع مشترٍ أوروبى مستهلك للغاز.
كما تواجه إسرائيل معضلة ذات علاقة بطاقتها الغازية؛ فقد فشلت إسرائيل فى استقطاب شركات نفطية عالمية كبرى للاستكشاف فى مياهها، رغم المحاولات التى بذلها كل من وزير الطاقة ورئيس الوزراء شخصيا فى حثّ كبرى الشركات الأمريكية والأوروبية على الاستثمار فى الصناعة الغازية الإسرائيلية. من غير المعروف السبب الرئيسى لهذا الإخفاق: هل هو القوانين الإسرائيلية التى تسمح بتغيير العقود مع الشركات بعد التوقيع عليها، أم جيولوجيا المنطقة البحرية الإسرائيلية؟
***
تتزامن التطورات أعلاه مع ظاهرة انهيار أسعار النفط والغاز مؤخرا؛ فقد قلصت جميع الشركات النفطية العالمية استثماراتها على ضوء تدهور الأسواق والأسعار خلال النصف الأول من هذا العام. ورغم التحسن التدريجى للأسعار مؤخرا، فإن هذه الشركات ستحاول إعادة دراسة أولوياتها الاستثمارية إلى حين استقرار الأسعار على مستويات أعلى.
وقد قررت شركة «إكسون موبيل» الأمريكية وكل من شركة «إينى» الإيطالية و«توتال» الفرنسية تأجيل تطوير اكتشافاتها فى قبرص حتى عام 2021، مما يعنى تأجيل إنتاج الغاز فى قبرص حتى العام المقبل.
وفى لبنان، لم يتم اكتشاف مَكْمَنٍ غازى من خلال حفر البئر الأولى فى القطعة رقم «4». وذكرت شركة «توتال»، المسئولة عن الحفر، أن هناك شواهد للغاز، وأنها ستحاول مستقبلا الحفر للعثور على مصدرها، أى المَكْمَن لها. فى الحقيقة، لم يكن مستغربا عدم تحقيق اكتشاف تجارى من حفر البئر البحرية الأولى فى المياه اللبنانية؛ إذ إن معدلات هذا النوع من النجاح، أى تحقيق اكتشاف مهم فى منطقة لم يتم الحفر فيها بتاتا سابقا، كما هى الحال فى المياه اللبنانية، هى نجاح بئر واحدة من 4 أو 5 آبار.
لكن المشكلة فى لبنان تتعدى موضوع نتيجة الحفر فى القطعة رقم «4»؛ منها:
1ــ الخلافات والمصالح السياسية الحزبية فى قطاع البترول: فقد أدت الأجندات الحزبية والضجة الشعبوية حول الاحتمال العالى والسريع لاكتشاف إلى رفع تطلعات وتوقعات الرأى العام بالوفرة المالية التى سيمكن تحقيقها فى القريب العاجل، من ثم الشعارات والإشاعات لما هو متوقع. الأمر الذى رفع تطلعات الرأى العام. بمعنى آخر، وقعت الصناعة البترولية ضحية المناكفات السياسية، بعيدا عن أجندة الصناعة نفسها.
2ــ أعلن لبنان منذ فترة عن جولة التراخيص الثانية: لقد وقعت هذه الجولة ضحية تدهور الأسواق والأسعار. من ثم، لا يتوقع حماس كبير من قبل الشركات فى الجولة الثانية. وقد زادت على هذه المشكلة نتيجة حفر البئر الأولى فى القطعة رقم «4».
3ــ المناطق الموعودة باكتشافات مهمة هى المياه الجنوبية اللبنانية المحاذية والمواجهة لساحل صور: لكن وضعت إسرائيل يدها على نحو ثلث هذه المنطقة (القطع 8 و9 و10). وكان لبنان قد طلب من الأمين العام للأمم المتحدة رسم الحدود البحرية الجنوبية، فاعتذر. وتوسطت واشنطن فى السنوات الأخيرة لحل المشكلة دون نتيجة. والحذر الآن هو من أن تستغل واشنطن وَهَنَ اقتصاد لبنان وتتدخل مع مؤسسات التمويل الدولية للضغط عليه لصالح الحدود التى رسمتها إسرائيل لنفسها؛ الأمر الذى قد يؤدى إلى تأجيل الحفر فى هذه المنطقة الموعودة أو إلى نشوب نزاعات مسلحة.

الشرق الأوسط ــ لندن

التعليقات