الأزمة الاقتصادية وما بعدها - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأزمة الاقتصادية وما بعدها

نشر فى : الجمعة 29 يوليه 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 29 يوليه 2016 - 9:30 م
أمام أوضاع اقتصادية منذرة إذا لم يكن هناك اعتراف بأسبابها فإنه لا يمكن تجنب عواقبها الوخيمة.

تراجع قيمة الجنيه المصرى بقسوة أمام الدولار الأمريكى وجه للأزمة، لكنه ليس صلبها والارتفاع المتصاعد فى أسعار السلع الرئيسية تجل آخر لكنه ليس نهايتها.

باتفاق شبه إجماعى للخبراء المصريين، فإنه لا يوجد مسار اقتصادى واضح ومفهوم، ولا إدارة على درجة من الكفاءة تدرك الضرورات والأولويات حتى وصلنا إلى إخفاق فادح لا يمكن إنكاره، فالأسواق تعلنه والأرقام تؤكده.

إذا لم تكن هناك مراجعة جدية فإننا مقبلون على أيام قاسية بلا أمل على تجاوزها.

عندما لا يكون هناك بديل متاح لإنعاش السوق غير اللجوء مجددا إلى صندوق النقد الدولى، فالمعنى أن التدهور الاقتصادى تجاوز أية حدود آمنة ويوشك على الانهيار.

أول الأسئلة، أين وجه الخلل بالضبط.. ولماذا غابت السياسات القادرة على بناء خطط إنتاجية تضخ الاستثمارات فى شرايين الاقتصاد المتيبسة؟

وثانى الأسئلة، مدى مسئولية المشروعات الكبرى التى تبنتها الدولة عن استنزاف الموارد المتاحة للعملات الأجنبية دون دراسات جدوى تنظر فى العوائد الاقتصادية بالمدى المنظور؟

وثالث الأسئلة، كيف انفقت المساعدات والقروض التى حصلت مصر عليها بعد (٣٠) يونيو.. ووفق أية أولويات؟

ورابع الأسئلة، هل هناك فرصة ما للتصحيح والمراجعة لجذور السياسات التى أفضت إلى الأوضاع الاقتصادية القاسية؟

المصارحة بالحقائق من ضرورات تجاوز الأزمات المستحكمة وكل التساؤلات مشروعة وطبيعية.

إن لم تكن هناك تصويبات ممكنة فلا أمل فى أى تماسك اجتماعى يمنع أية انهيارات مفاجئة.

برقم واحد للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فإن (٢٧‪.‬٨٪) من المصريين يعيشون تحت خط الفقر المدقع ولا يقدرون على الوفاء بأدنى متطلبات الحياة الآدمية.

الرقم بذاته يؤشر إلى خطورة معدلات الفقر التى ترتفع فى ريف الصعيد إلى (٥٧٪).

ذلك مخزون عضب مكتوم مرشح للانفجار إذا زادت المعاناة عن كل حد للتحمل وغابت الدولة عن كل مسئولية.

بدرجة أو أخرى قد تقدم الدولة على إجراءات تخفف من معاناة الفئات الأكثر فقرا بغض النظر عن مستوى كفايتها.

الغضب المكتوم نفسه فى الطبقة الوسطى، المتضرر الأكبر من الأزمة الاقتصادية، يومئ باضطرابات لا يعرف أحد متى تعلن عن نفسها ولا أين؟

تراجع القوة الشرائية للجنيه المصرى مع الارتفاعات المضطردة المتوقعة فى أسعار السلع والخدمات وفرض ضرائب جديدة كـ«القيمة المضافة»، يعنى بالضبط تناقصا خطيرا فى الدخول الفعلية وتآكلا فى مستويات المعيشة غير مسبوق فى معدلاته بالقياس على أى فترة سابقة.

عند تخوم اليأس الاجتماعى فإن كل احتمال وارد وكل انفجار متوقع.

قبل نحو أربعة عقود عمت يومى (١٨) و(١٩) يناير (١٩٧٧) مظاهرات مليونية ميادين وشوارع القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى أطلق عليها «انتفاضة الخبز» بعد الإعلان عن رفع أسعار سلع رئيسية مثل «الخبز» و«البنزين» و«البوتاجاز» و«السكر» و«الأزر» على خلفية اتفاق مع صندوق النقد الدولى لإصلاح عجز الموازنة العامة.

تشبه تلك التظاهرات من حيث أحجامها وزخمها تظاهرات (٢٥) يناير (٢٠١١) غير أن أهدافها كانت محدودة بإلغاء قرارات رفع أسعار الرئيسية.

اضطر الرئيس الأسبق «أنور السادات» لإعلان حظر التجوال ونزول الجيش إلى الشوارع لضبط الأمن، بعد عجز الشرطة عن مواجهة الغضب الشعبى.

الأهم من ذلك أنه ألغى القرارات كلها.

بقى الدرس ماثلا فى ذاكرة الأمن قبل أى طرف آخر، وقد سجل وزير الداخلية الراحل «حسن أبو باشا» شهادته عن «انتفاضة الخبز» فى كتاب منشور، غير أن تقادم الزمن يغرى بنسيان التجارب، إذا اتفقت المقدمات فالنتائج على الأغلب واحدة.

إذا ما وضع الأمن فى اختبار من هذا النوع فالنتائج مقررة سلفا.

أسوأ ما جرى بعد (٣٠) يونيو إطلاق يد الأمن فى الحياة العامة الذى تدخل على نحو غير مسبوق فى الملفات الحزبية والنيابية والجامعية والاقتصادية.

كان ذلك من أسباب ضعف بنية الدولة عن الوفاء بمهامها، فلكل مؤسسة مهام تختلف عن المؤسسات أخرى، ومن الظلم لقضية الأمن بمعناها الحقيقى تحميله بغير مهامه الطبيعية.

للحلول الأمنية أسقفها مهما غالت فى استعراضات القوة.

قد تصلح لأسبوع أو اثنين فى وقف مضاربات الدولار بالسوق السوداء لكنها لا تؤسس لأوضاع على شىء من الاستقرار النسبى فى الأسواق والمعاملات التجارية، فضلا عن الإفراط فيها يفضى إلى شلل اقتصادى لا يمكن تحمله طويلا.

القضية ليست فى ضبط بعض المضاربين أو إغلاق بعض مكاتب الصرافة بقدر ما هى تغيير البيئة العامة كلها ومراجعة سياسات الإخفاق الاقتصادى.

المعنى الأول فى الأزمة الاقتصادية، أن الإنتاج شبه متوقف والمصانع شبه متعطلة والاستثمارات متراجعة بفداحة والسياحة عند أدنى معدلاتها وتحولات المصريين من الخارج أقل مما هو طبيعى ومعتاد على مدى عقود طويلة.

والمعنى الثانى، أن المشروعات سبقت السياسات، وهذا خطأ جوهرى.

بافتراض أن المشروعات لها ضروراتها فما حدود تلك الضرورات، وماذا يجب تأجيله منها لصالح احتياجات أخرى لها صلة مباشرة بالإنتاج والتشغيل وفق خطة مدروسة أولوياتها معلومة.

بعد قرض الصندوق فمن الأسئلة الإضافية: أين يذهب بالضبط؟

بيقين فإن القروض تحمل قيودا على الأجيال القادمة بديون متراكمة، وليس من حق أحد أن يصادر مسبقا حقوقها الطبيعية.

المعنى الثالث، غياب معايير عدالة توزيع الأعباء، فالسياسات الحكومية تكاد أن تتماهى بكفاءة أقل مع ما كانت تنتهجه لجنة السياسات برئاسة «جمال مبارك» نجل الرئيس الأسبق.

كل الأعباء تتحملها الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا دون استعداد لفرض ضرائب تصاعدية على رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى بحسب مستويات الأرباح والدخول، رغم أن الدستور ينص عليها.

أزمة نظام «مبارك»؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ غياب أى معنى للعدالة الاجتماعية رغم ارتفاع نسبة النمو الاقتصادى إلى نحو (٧٪) سنويا.

المعنى الرابع، تسمم البيئة السياسية وصورة حقوق الإنسان والحريات العامة.

لا يمكن للاقتصاد أن يتحرك وللاستثمارات أن تنشط وللسياحة أن تعود لمعدلاتها العالية فى أجواء تلغى السياسة من خرائطها والحريات من قواميسها.

الصورة السيئة لحقوق الإنسان فى مصر من أسباب تفاقم الأزمة الاقتصادية، كما أن تراجع مؤشرات النزاهة والشفافية من أسباب ذلك التفاقم.

هناك خشية الآن من النظر إلى مصر كبلد موبوء بالفساد وأن مؤسسته أقوى من أى مؤسسة أخرى بعد حكم أول درجة بحبس المستشار «هشام جنينة» رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السابق على خلفية تصريحات أطلقها عن فاتورة الفساد فى مصر.

حيث يستبد الفساد تتراجع فرص الاستثمار.

تلك حقيقة لا يجب نسيانها ومصر تطل على مستقبلها من نافذة الأزمة الاقتصادية وما بعدها.