الفئة المنفلتة فى الخليج - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفئة المنفلتة فى الخليج

نشر فى : الخميس 30 يوليه 2020 - 9:20 م | آخر تحديث : الخميس 30 يوليه 2020 - 9:20 م

قد يكون حادث الاعتداء على الشاب المصرى وليد صلاح فى جمعية صباح الأحمد الاستهلاكية الكويتية حادثا فرديا، ولا يعبر بالمرة عن سلوك بقية الشعب الكويتى. لكن الاكتفاء بهذه العبارة لن يحل المشكلة، لأنها أعمق من ذلك كثيرا، ولا تتعلق بالشاب «المسكين» وليد، أو الثور الهائج الذى صفعه ثلاث مرات لمجرد أن وليد قرر أن يتبع النظام الموجود فى عمليات البيع مع الزبائن.
وهى للأمانة والموضوعية لا تتعلق بالكويت فقط، بقدر ما تتعلق بوجود شعور استعلائى لدى قطاع من المواطنين فى دول الخليج، بأنهم أعلى مقاما من المواطنين الوافدين الذين يعملون فى بلدانهم، وبالتالى فمن حقهم أن يفعلوا فى هؤلاء الوافدين ما يشاءون.
هذا الشعور لا تقف وراءه سياسات حكومية فى الكويت أو بقية دول الخليج، بل إن مواقف غالبية هذه الحكومات أكثر تقدما واحتراما فى نظرتها للوافدين.
إذا المشكلة لا يمكن حصرها فى المواطن الكويتى الذى صفع وليد، وفضحته كاميرات الجمعية الاستهلاكية.
المطلوب هو علاج المناخ والأسباب التى تدفع لتكرار وقوع هذه الحوادث ليس فقط للمصريين، ولكن للعديد من الجنسيات العربية والآسيوية فى غالبية بلدان الخليج مثلما رأينا من مقتل اثنين من المصريين فى السعودية قبل أيام قليلة.
السؤال: لماذا لا تقع هذه الحوادث كثيرا لمواطنين أوروبيين أو أمريكيين؟!
الإجابة ببساطة أن سلطات هذ الدول لن تترك الأمور تمر ببساطة، بل إن الفلبين بدأت فى السنوات الأخيرة تتعامل بصورة مختلفة مما انعكس فى وضع تشريعات تحمى حقوق الجالية الفلبينية فى بلدان الخليج، وهذا السلوك تطبقه الهند أيضا وبدأ ينعكس على وضع عمالتها.
السلطات المصرية بدأت تتحرك بصورة إيجابية ملحوظة فى السنوات الأخيرة، ووزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم لا تترك مشكلة لمصرى فى الخارج من دون تدخل أو متابعة أو مساعدة ودعم.
لكن مرة أخرى المشكلة الأكبر موجودة لدى بعض مواطنى دول الخليج، الذين يعتقدون أنهم آلهة أو أنصاف آلهة، يحق لهم أن يفعلوا ما يشاءون فى الوافدين، وكأنهم اشتروهم كالعبيد!
هذه النوعية الخليجية تحتاج أن يتم إقناعها أو إجبارها أن الوافدين الذين يعملون فى بلدانهم ليسوا عبيدا، وأنهم بشر لهم حقوق مثلما عليهم واجبات، القناعة الراسخة لدى هؤلاء أن الوافدين مجموعة من البشر بلا حقوق، وأنهم جاءوا فقط لحلب واستنزاف ثروات بلادهم.
لا يفكرون إطلاقا أن المسألة عرض وطلب، العرض أن هناك وافدين يحتاجون عملا، والطلب أن بلدان الخليج تحتاج لهذه العمالة فى الوظائف التى لا يتوفر فيها كفاءات وعناصر وطنية، أو أنها أعمال لا يقبل عليها المواطن الخليجى ويراها متدينة.
يأتى العامل أو الخبير الأوروبى أو الأمريكى إلى أى بلد عربى، ويتم معاملته وكأنه نبى مرسل من السماء، حتى لو كانت مواهبه ضعيفة أو «نص نص»، فى حين يأتى الخبير العربى أو الآسيوى ويكون متمكنا فعلا من عمله، لكن يتم التعامل معه، باعتباره مجرد شخص يريد الحصول على مال وخيرات هذا البلد.
حكى لى دكتور مصرى كبير كان يعيش فى دولة أوروبية، أنه زار دولة خليجية، لعلاج أحد الشخصيات المهمة فيها، هم كانوا يتوقعون شخصا بملامح أوروبية أى وجه أشقر وعيون زرقاء وشعر أصفر، وعندما فوجئوا بأن ملامحه شرقية، أصيبوا بإحباط.
ولذلك ظل لا ينطق بكلمة عربية واحدة طوال فترة بقائه فى هذه المدينة. هذا الطبيب هو الآن ملء السمع والبصر، وربما لا يعرف من تعاملوا معه حتى الآن أنه مصرى صميم، إضافة إلى كونه وقتها طبيبا متميزا فى الدولة الأوروبية.
مرة أخرى ليس كل الخليجيين هكذا، معظمهم سافروا واحتكوا بالخارج، وأدركوا أن العالم يتسع للجميع ولا يقتصر فقط على الخليجيين، بل هناك دنيا أخرى متقدمة هناك وتؤمن بالمساواة وحقوق الإنسان.
هؤلاء الخليجيون يمثلون الأغلبية، ويتعاملون مع الوافدين بصورة طيبة، لكن المشكلة دائما أن الأقلية المنفلتة والمتعصبة هى التى تسىء للأغلبية المحترمة، وأظن أنه حان الوقت لكى تبذل حكومات ومجتمعات الخليج جهدا أكبر من أجل علاج هذه الفئة الباغية.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي