المغرب ــ تونس.. كنيسة فى البر السعودى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المغرب ــ تونس.. كنيسة فى البر السعودى

نشر فى : الخميس 31 يناير 2019 - 12:10 ص | آخر تحديث : الخميس 31 يناير 2019 - 12:10 ص

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» تتناول فيه تطورات الأوضاع فى السعودية وجاء فيه:

يعيش المجتمع السعودى خلال السنوات الأخيرة، على وقع تحولات سريعة ومفروضة من أعلى الهرم السلطوى، شملت بالخصوص نمط العيش؛ إذ صار بإمكان السعوديين حضور حفلات الغناء والاستمتاع بالتظاهرات الفنية (المسرح والسينما...) والترفيهية والرياضية وغيرها. ولئن تحقق للنساء مطلب قيادة السيارات فإن حقوقا أخرى لا تزال فى قائمة اللا مفكر فيه إلى حد الآن، هذا بالإضافة إلى تباين وجهات الرأى حول سياسات «الانفتاح» التى يقررها «محمد بن سلمان» بين مرحِّب وغاضب مصر على التمسك بعاداته وأعرافه ومقاومة موجة التغيير.
وما يسترعى الانتباه فى هذه السياسات الجديدة و«الصادمة» أنها باتت تتجاوز التفكير فى تغيير معيشة السعوديين إلى تقديم بعض الحقوق للجالية المسيحية المقيمة فى المملكة. فقد أعاد «بن سلمان» النظر فى المطالب التى تقدم بها سابقا كاردينال الروم الكاثوليك Jean Louis Tauran 2012 والمتمثلة فى السماح ببناء الكنائس وتمكين المسيحيين (2 مليون) من ممارسة شعائرهم فى السعودية. ورغم كتم الأمر فإن المرجح أن المفاوضات مع الفاتيكان حققت النجاح المأمول، وستبدأ شركة مصرية «المقاولون العرب» فى بناء أول كنيسة بعيدة عن المدينة ومكة. وفى انتظار تشييد الكنيسة عقد فى شهر ديسمبر السابق أول قداس حضره بعض المسيحيين. وحسب رئيس وفد المسيحيين الإنجيليين فإن هذه الكنيسة ستكون تحت إشراف الكنيسة المصرية ولن تكون الكنيسة الوحيدة؛ إذ وعد «بن سلمان» بالسماح للمسيحيين بتشييد كنائس أخرى فى السنوات القادمة.
من حق السعوديين أن يحلموا بالسعادة والعيش المرفه ولكن السؤال الذى تواجهه القيادة السعودية اليوم: ما موقع الحقوق الطبيعية والحقوق الإنسانية فى هذه السياسات؟ وما تجليات الحقوق المواطنية فى المجتمع السعودي؟
من حق الجالية غير المسلمة أن تحلم بدورها بأن تتمتع بحقوقها، وأولها الحق فى ممارسة الشعائر ولكن السؤال الذى ستجد القيادة السعودية نفسها مضطرة للإجابة عنه: ما حظ الأقليات الأخرى غير التوحيدية والتى تعد فى دائرة «الشرك المبين»؟ وما شأن التعددية المذهبية والتعددية الدينية؟
لاشك أن لهذه السياسات مقاصد منها: الرغبة فى تغيير صورة المملكة (التى ترى أنها ممثلة الإسلام السني) لاسيما بعد أن أساء ظهور «داعش» للإسلام والمسلمين، ومنها إدراج هذه القرارات ضمن برنامج «الانفتاح الديمقراطى» وتموقع السعودية فى الدوائر الحقوقية فى هيئة الأمم المتحدة، ومنها انتزاع الاعتراف الدولى بأن المملكة تضمن حقوق رعاياها بمن فيهم الجالية الوافدة، ومنها أيضا اعتماد هذه السياسات مطية لبناء علاقات دولية مختلفة عن السابق. غير أن سياسات التحديث تبقى، فى نظرنا، شكلية ومحدودة النتائج ذلك أنها لم تنبع من القاعدة بقدر ما عبرت عن خيارات «الحاكم»، ثم إنها لم تسر على نسق متدرج يراعى الذهنيات المتكلسة منذ حقب، ولم تسبق بإصلاحات تشمل المؤسسة الدينية الرسمية، ومن هنا فإن دائرة المقاومة ستتسع.
إن حقوق الإنسان كلٌ لا يتجزأ؛ لأنها منظومة متشابكة ومتماسكة فإذا منحت المسيحيين حق ممارسة الشعائر فينبغى أن تنظر فى مطالب بقية الأقليات كالبوذيين، وهم الذين يشكلون «العمالة» التى ترنو إلى الاستمتاع بكرامتها وبحقوقها الاقتصادية وغيرها، وإذا سمحت بحق ممارسة الحرية، فإن هذا الحق غير منفصل عن حقوق أخرى منها الاعتراف باللا دينيين السعوديين الذين ارتفعت أصواتهم عاليا منذ سنوات، ومنها أيضا الاعتراف بالطائفة الشيعية وحقها فى المواطنة الكاملة.
إن التحديث عملية معقدة تخضع لمنطق الانسجام بين المادى والمعنوى، الشكلى والجوهرى، وهى عملية بناء تتطلب عقدا اجتماعيا جديدا وتغييرا للنظرة إلى الإنسان فهو هدف وليس وسيلة لتحقيق السياسات المرسومة. ويبقى جوهر التحديث تأسيس السياسات على فكر نقدى يقبل بالاختلاف قاعدة للعيش معا فيرتفع صوت الأذان ويتجاور مع دق النواقيس.

التعليقات