عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب: وطن بحجم المحيط
آخر تحديث: الثلاثاء 22 مايو 2012 - 9:45 م بتوقيت القاهرة
حين اقتربت الأمواج من صخور الشاطيء، سمعت موجةٌ عابثة تكسرَ الأمواج فوق صخور الشاطئ، فأطلت برأسها من فوق أختها لترى منظرا مريعا.. رأت الموجة المذعورة موجات المد العاتية تفقد اتزانها تحت أقدام الصخور قبل أن تتحول إلى زبد أبيض وفقاعات صغيرة لتموت في صمت، عندها دوّى من فم الموجة الملتاعة ولولة وعويل لفت أنظار رفيقاتها، فرمقتها إحداهن بطرف لحظها وقالت في حدة: "لماذا تصرخين؟" قالت الموجة في حنق: "ألا ترين أننا مقبلات على مصير كارثي؟" قال الأخرى ساخرة: "لست مجرد موجة يا عزيزتي، لكنك جزء من هذا المحيط".
لكننا نصر أن نتعامل مع الأحداث في عزلة برزخية، ونرفض أن نشارك الآخرين لعبنا وهدايانا وأفكارنا ورؤانا وأحلامنا وهمومنا، فتكبر في دواخلنا الأنا ونظل صغارا في محيط كبير قلما ننتمي إليه بفكر وإن انتمينا إليها تاريخا وحاضرا ومصيرا، وهكذا نعيش في جزر منعزلة لا تطيق الجسور، وتهرب من كل المراكب والمُعَدِّيّات، وتعتبر الاحتكاك الفطري بالآخر اعتداء على الخصوصيات وتدخلا في شئون الآخرين، وما الآخرون إلا موجات لا تملك مراسيها ولا تنتمي إلى فقاعاتها.
لهذا تستشعر الموجات المتمردة على محيطها الكبير خطرا داهما يهدد مستقبلها الفقاعي يوم تسفر صناديق الاقتراع عن وليد بحجم رئيس لن يُقَدَّرَ له أن يحمل من مد المحيط إلا فقاعات صغيرة لا تقدم ولا تؤخر في تاريخ العناق الأبدي بين الزبد ورمال الشاطئ، لأن رئيسا منزوع الدسم لن يسمن ولن يغني البلاد من جوع ومسغبة، لكنه شأن الموجات الصغيرة التي لا تملك شفراتها وهي تتقدم حثيثا نحو صخور لا تميز بين البكاء والضحك في ملهاة أبدية تتخللها صرخات مضحكة وسط موجات تعرف انتماءها.
ولن ينفع أطفالا قرروا بناء قصور أنانيتهم فوق الرمال المتحركة حذر حين يشتد حوار العشق الأبدي بين موج قادم من أعماق المحيط وصخور قررت صنع تاريخها من وشوشات همجية لا تمل إيقاف تكرار صداها بين مد وانحسار، ولن يكون هناك جبل عاصم من تاريخ يتحرك بين جلدتي وطن، وسيغرق في لجة النسيان كل من تجرأ على الفصل بين صخر ومحيط، حروف عشق طبيعية ألفت موسيقى هذا الوطن باختلاف مكوناته وأيدلوجياته في سيمفونية عرفت خلود الوشوشات وأبدية نوم القمر فوق لجة المحيط.
ألا فلتعلم الموجات الناتئة عن أقواسها أنها لا يمكن أن تنفصل عن صدر المحيط إلا بتبخر يصهر فكرها وسحاب يهذب من سلوكها لتعود موجة طيبة في محيط متآلف يسعى نحو الشاطئ في تناغم وانسيابية ليضرب صخور الشاطئ في دعة، وليهدأ المتحفزون لمعركة شاطئية مرتقبة، لأن الأمواج العاتية حتما ستتكسر على الشاطئ لتعود جزءا من محيطها تجيد وشوشة الودع ومداعبة الصخور، فوطن بحجم تاريخ قيدته حدود الخرائط لن يسمح بفصل قطرات الغيث عن ماء المحيط، صحيح أن بعض الماء عذب، وبعضه ملح أجاج، لكن فصيلة الموج تبقى دوما واحدة.