التكلفة الباهظة للتجاوزات الأمنية - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التكلفة الباهظة للتجاوزات الأمنية

نشر فى : الإثنين 23 ديسمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 ديسمبر 2013 - 8:00 ص

هل يمكن أن تكون من أنصار ثورة 25 يناير فى موجتها الأولى فى سنة 2011 وفى موجتها الثانية فى 30 يونيو 2013 وتكون فى نفس الوقت ناقدا لبعض ممارسات أجهزة الأمن؟ هذا هو الموقف الذى أجد نفسى فيه، وأشترك فى ذلك مع كثيرين ممن أعرفهم. وأكاد أقول إن الفارق بينى وبينهم أنى ما زلت متفائلا بإمكانية أن تعبر مصر الموقف الدقيق وحالة الاستقطاب الراهنة إلى وضع يسمح ببداية وضع لبنات ديمقراطية مستقرة، ورغم تحفظى على مواد فى وثيقة الدستور المعدل؛ إلا أنى عازم على المشاركة فى الاستفتاء والتصويت بنعم عليه، لأنه قد يكون أفضل ما تستطيع القوى المدنية الوصول إليه فى الوقت الحاضر، وأخشى أن تفاؤلى لا يشاركنى فيه كثيرون وخصوصا من الشباب الذى حمل الراية فى كل من موجتى الثورة، بل إنهم قد لا يذهبون مثلى للمشاركة فى الاستفتاء.

ومع تقديرى للتضحيات الهائلة التى يقوم بها جهاز الشرطة وفرق من القوات المسلحة فى مطاردة جماعات مسلحة فى سيناء وفى شرق الدلتا وشعورى بالحزن لمن قضى نحبه فى هذه المواجهات من جنود وضباط الشرطة والقوات المسلحة، بل ومع دعوتى أن تظهر الشرطة حسما أكبر فى التعامل مع من ينتهكون القوانين جهارا سواء كانت قوانين المرور أو استخدام الفضاء العام من شوارع وكبارى لأغراضهم الخاصة، إلا أن الأمانة تقتضى الإقرار بأن ما تقوم به بعض أجهزة الشرطة يبدد ثقة كثير من المواطنين وخصوصا الشباب فى الحكومة الانتقالية، ولا يمكن اعتباره ممارسات مقبولة فى بلد قام بثورة رفضا لهذه الممارسات.

•••

لا بد من الاعتراف بداية بأن ما جرى فى العديد من دول العالم التى مرت بتجربة الانتقال من نظم سلطوية إلى نظم تسير على طريق الديمقراطية، مثل دول شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا وأفريقيا، من إصلاح لقطاع الأمن والذى يشمل الشرطة والقوات المسلحة والقضاء وأجهزة المخابرات لم يحدث فى مصر، وأحد أسباب ذلك أن القوات المسلحة نفسها أيدت الثورة، وأن قسما كبيرا من القضاء عاداه الرئيس السابق محمد مرسى، وأن حالة فقدان الأمن التى سادت بعد الثورة جعلت المواطنين يحنون لعودة جهاز الشرطة للقيام بدوره المفترض فى حماية حياة المواطنين وممتلكاتهم، ولذلك كانوا مستعدين لكى يغفروا بعض تجاوزاته اعتقادا منهم أنها فعل أقلية محدودة، وأن الزمن كفيل بأن تتكيف الشرطة مع أوضاع جديدة فى البلاد. إلا أن أحداث الأسابيع الأخيرة أعطت الانطباع بأن الشرطة فى علاقتها بالمواطنين لم تتغير، وأن بعض ممارساتها هى بالفعل عبء على شعبية قيادات المرحلة الانتقالية سوف يدفعون الثمن السياسى لها إن لم يتنبهوا لخطورتها على موقف قطاعات الشباب منهم وعلى صورة هؤلاء القادة أمام العالم.

لا أريد هنا أن أعود إلى قضية عدم تعاون الشرطة فى التحقيقات التى طالت مسئولين فى عهد مبارك؛ من رجال الحكم، ومن قادة الشرطة المتهمين بالأمر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، ولا قضية أسلوب الشرطة فى التعامل مع اعتصامى رابعة وميدان النهضة. فقد جرى ما جرى، يحصل هؤلاء المسئولون على أحكام بالبراءة، وكسب الإخوان تعاطف قطاعات من المواطنين لا تتفق معهم فى رؤيتهم لمستقبل مصر كما جنى نظام ما بعد 30 يونيو دعاية سيئة فى أنحاء العالم وخصوصا فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

ومع ذلك رأى كثيرون من المواطنين أن العنف كان قدرا محتما فى فض هذين الاعتصامين، ولم يكن هناك من سبيل لتفاديه، ولكنهم عادوا ليدركوا وأنا منهم أن مثل هذه الممارسات العتيقة أصبحت تتكرر على وتيرة ثابتة خلال الأسابيع الأخيرة على نحو يبدد أمل المواطنين فى أن يتغير أى شيء فى مصر رغم ثورتها التى أنعشت الأمل فى أن تسود فى مصر أوضاع جديدة تترجم شعار ثورة يناير العبقرى: كرامة إنسانية.

•••

الأمثلة عديدة على هذه الممارسات، منها سجن فتيات الإسكندرية، وما تلاه من إصدار حكم أولى عليهن بإحدى عشرة سنة سجنا، وهو ما كسب لقيادات المرحلة الانتقالية دعاية سيئة، ومنح الإخوان المسلمين ذخيرة جديدة لمظاهراتهم التى لا تتوقف. وقد تصورت عندما سمعت بنبأ حبسهن أن الأمر لن يتجاوز إحدى عشرة ساعة، ولكنه امتد لأسابيع، ثم كان الحكم الذى ألغته محكمة الاستئناف. ألم يتنبه أحد فى قيادات وزارة الداخلية أو فى الحكومة للأثر السيئ للحبس داخليا وخارجيا؟

ثم كان هناك أسلوب قوات الأمن المركزى فى التعامل مع المظاهرات التى يدعو لها الإخوان المسلمون، وقد سقط فى بعض أيام الجمع أكثر من خمسين قتيلا فى القاهرة وحدها فضلا عمن قُتلوا فى الأقاليم، وبكل تأكيد كان من الممكن تفادى وقوع هذا العدد من القتلى، ولا يمكن الاحتجاج دائما بأن الشرطة المصرية ليست مثل الشرطة فى سويسرا أو السويد. لقد حان وقت التعلم من سويسرا والسويد لأن الثمن الذى يدفعه الوطن بسبب رفض التعلم ثمن باهظ. وفيما يبدو أصبحت الشرطة تتجنب مثل هذه الأساليب فى الأسابيع الأخيرة مما قلل من عدد الإصابات، ونرجو أن يستمر هذا الأسلوب، ولا يكون مجرد تراجع مؤقت.

أضف إلى ذلك كيف تعاملت الشرطة مع مظاهرات الطلبة فى الجامعات. صحيح أن بعض هذه المظاهرات داخل الجامعات لم يكن سلميا تماما، خصوصا فى جامعة الأزهر، وأن الطلبة خرجوا إلى الطريق العام انتهاكا لقانون التظاهر الذى صدر للأسف فى وقت احتقان سياسى وأوكل للشرطة التى تعانى من افتقاد المواطنين للثقة فى حيدتها سلطة الموافقة أو الرفض لطلب تنظيم المظاهرات. ولكن ماذا عن إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على الطلاب وهم داخل جامعاتهم مثلما سجلته الصور فى جامعة القاهرة؟ وماذا عن شهادات طلبة هندسة القاهرة بأن أفراد الأمن كانوا يطلقون عليهم الرصاص من خارج أسوار الجامعة والطلبة داخلها؟ وماذا عن التلكؤ فى التحقيق فى المسئولية عن مصرع طالب فى هندسة القاهرة والذى طال أكثر مما هو مطلوب فى هذه الظروف؟ هل تدرك قيادات الحكم فى مصر أن المظاهرات العارمة فى جامعة القاهرة احتجاجا على مصرع محمد رضا داخل كلية الهندسة لم تطلق شعارات معادية لوزارة الداخلية وحدها ولكن شعاراتها امتدت لكل من يحكم مصر فى الوقت الحاضر؟

وأخيرا، وحتى لا يخامر أحد الظن بأن الشرطة قد تغيرت، فقد بدأت فى الأسابيع الأخيرة حملة متعددة الأساليب ضد نشطاء يناير. ها هو أحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح فى السجن. وها هو المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذى يديره خالد على، مرشح سابق لرئاسة الجمهورية، ضحية جديدة لممارسات غير مفهومة، اقتحمه رجال الأمن وعبثوا بمحتوياته، وأخذوا معهم ثلاثة ممن تواجدوا فيه، لا تهمة ولا سبب معروفان حتى الآن لمثل هذه الغارة. وأضافت الشرطة إلى أسلوب القمع البدنى بالسجن أو الاعتداء الاغتيال المعنوى لنشطاء يناير من خلال ما يقوم به الإعلاميون وثيقو الصلة بالداخلية من على صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون.

•••

الدرس الذى فات على مسئولى الداخلية تعلمه هو أن الأمن يستقر فى أى بلد ليس بسبب مهارة رجال الشرطة وحدها، ولكن بسبب الثقة بين رجال الأمن والمواطنين. إصلاح جهاز الأمن فى مصر يجب أن يكون أولوية أولى للدولة وللمجتمع.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات