مصر والنظام الإقليمى العربى الجديد - سمير عليش - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر والنظام الإقليمى العربى الجديد

نشر فى : الإثنين 30 مارس 2015 - 9:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 مارس 2015 - 9:55 ص

طرح الدبلوماسى والكاتب والمفكر جميل مطر فى مقالته المتميزة، المنشورة فى جريدة الشروق بتاريخ 12 مارس 2015، تساؤلا عن دور مصر فى الرواية الجديدة للعالم العربى بسبب ثلاث أزمات حادة وجوهرية يمر بها هذا العالم، انحسار عقيدة النظام «القومية العربية»، افتقاد «الجامعة العربية ومنظماتها» لفاعلياتها، ثم الاختراق واسع الشأن وعميق الأثر من دول الجوار العربى.

وسأحاول فيما يلى مناقشة كل أزمة على حدة، مع الأخذ فى الاعتبار ما يحدث حاليا على أرض اليمن، ثم طرح تصور، جامح إلى حد ما، لمستقبل النظام الإقليمى.
أولا: «القومية العربية»

فالقومية هى إيديولوجية وحركة اجتماعية سياسية نشأت مع مفهوم الأمة فى عصر الثورات (الصناعية، البرجوازية، الليبرالية) فى الفترة من أواخر القرن الثامن عشر. وانطلقت القومية العربية تاريخيا على أساس وحدة اللغة وتسمى النظرية الألمانية، وهذا بتشجيع من الحكومة البريطانية للمساهمة فى انهيار الدولة العثمانية القائمة على وحدة الدين.

ومن المعروف أن هناك نظريتين أخريين فى انطلاق القوميات «الأمم» منذ نهاية القرن الثامن عشر، الأولى وحدة «الإرادة» العيش المشترك، أما الثانية فكانت تقوم على أساس وحدة الحياة الاقتصادية، تقف النظرية الماركسية ثم نموذج الاتحاد الأوروبى أخيرا على رأس هذا التوجه.

ومن الملاحظ أن الأساس الذى قامت عليه القومية العربية (اللغة) يعانى حاليا من أزمة بسبب الخلاف فى مفهوم هذا الأساس، فلدى البعض أنه إثنية (عرقية) وليس اللغة، وخاصة بعد ضم الصومال وجيبوتى إلى جامعة الدول العربية مع أن لغتهما الرسمية ليست العربية بناء على أن أصل الشعبين عربى. فضلا على أن عددا من المصريين المسيحيين ومن أهل السودان وشعب النوبة ومجتمع البربر يرفضون أن يوصفوا بكونهم عربا (إثنية). وهناك العديد من الأخوة المسيحيين اللبنانيين والسوريين يتفاخرون بكونهم عربا (لغة وإثنية).

وأظن أن أزمة القومية العربية قد ظهرت ملامحها بعد انهيار الوحدة المصرية السورية ثم حرب اليمن والخلاف الشديد مع السعودية. وقد تم إحياء شعارات القومية العربية مرة أخرى بعد نكسة 67 حتى تحقق انتصار 73. وللأسف تفاقمت تلك الأزمة بعد ذلك لأسباب متعددة من أهمها: الديكتاتوريات العسكرية ـ المدنية ـ الملكية، إبرام اتفاقية كامب ديفيد والهجوم الإعلامى الساداتى فيما يتعلق بأن العرب ينتسبون إلى المصريين لأن أمهم هاجر، انضمام بعض الدول العربية إلى تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال العراق، والنتيجة معارك بين العرب «السنة والشيعة»، ومعارك بين الأكراد ـ السنة الذين يتكلمون العربية، وبين العرب سنة وشيعة. ثم بدأ التوجه فى الدول العربية للتوحد على أساس الدين ثم المذهب والإثنية بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية لحشد المسلمين للحرب فى أفغانستان، وبعد ذلك لحشد العرب ـ السنة ضد ايران الفارسية ـ الشيعية، بالرغم من الانعكاسات السلبية على العرب ـ الشيعة فى السعودية والبحرين ولبنان... إلخ. وأخيرا وليس آخرا «عاصفة الحزم ـ السنة» ضد الحوثيين العرب ـ الشيعة ومناصريهم من قوات عبدالله صالح العرب ـ السنة. والهدف إعادة الشرعية.. وماذا عن ليبيا.

ومن الواضح أن القومية العربية تتم محاربتها حاليا من الغرب المساند للدولة اليهودية التى تتعمد تفكيك هذا التجمع منذ ظهر تأثيرها السلبى على مصالحهم خلال حرب 73 عبر استخدام سلاح البترول ثم على أثر مناداة عرفات بدولة واحدة فى فلسطين على غرار الدولة اللبنانية. ويتم ذلك حاليا عبر اختراق تلك الدول بنزعات مضادة لها صفة (طبقية ـ أممية ـ اثنية) أو بالتحريض على النزعات الدينية (داعش ـ القاعدة) والخلافات الطائفية (شيعة ـ سنة ـ مارونية)، أو بصرف الملايين من الدولارات لمحاولة إحياء اللغة النوبية والأمازيغية.

•••

ثانيا: أزمة افتقاد مؤسسات النظام العربى إلى الرضاء القومى

الصورة الذهنية لدى شعوب هذا النظام أن الجامعة العربية ومؤسساتها والاتفاقات التى أبرمتها منذ نشأتها لم تحقق أهدافها بل لم يلتزم بمبادئها. وبعد طفرة البترول، زلزال كامب ديفيد، عربدة اسرائيل وتمزق القضية الفلسطينية، انقلاب عسكر الجزائر على نتائج الصناديق، نزاعات المغرب العربى، تمزيق السودان ثم ثورات الربيع العربى بإيجابياتها وسلبياتها، انقسمت الدول العربية إلى عدة مجموعات متنافرة. وللأسف فإن تنظيمات الجامعة العربية حققت اخفاقات كاملة فى جميع مشروعاتها السياسية (الوحدة ـ التكامل) الاقتصادى ( التنسيق ـ الوحدة) ثقافى (التعليم ـ التنوير) حقوقى (العدالة والمواطنة وحقوق الانسان) والنتيجة أن معظم الدول العربية أصبحت تعتمد على غذائها وسلاحها وحتى أمنها الداخلى والخارجى على دول الجوار والقوى الاجنبية (اليمن ـ سوريا ـ العراق ـ ليبيا.. الخ).

يقولون إنهم فى القمة الحالية سيتفقون على قوة عربية مشتركة!! ماذا حدث لاتفاق الدفاع العربى المشترك؟

•••

أما الأزمة الثالثة التى أثارها جميل مطر هى التداخل الشديد بين الدول العربية ودولتين متفوقتين عليها علميا وعسكريا «تركيا وإيران» وأضم عليهما «إسرائيل» (الآن 14 نائبا عربيا فى الكنيست). وأبرز تلك التداخلات الحالية أن السعودية وقطر وتركيا ضد الإبقاء على الأسد، ومصر انضمت حاليا لروسيا وإيران وحزب الله مع الإبقاء على الأسد، وإيران والسعودية تحاربان داعش، وإيران مع حزب الله مساندين الأسد، وإيران وحزب الله وحماس ضد إسرائيل، ومصر حاليا ضد سياسة حماس وتركيا وقطر وإيران، وإسرائيل تساند مصر والسعودية والإمارات فى حربها ضد حماس والقاعدة وداعش، وأخيرا وليس آخرا مصر والسعودية والإمارات وتركيا ضد صراع داخلى فى اليمن لمساندة فصيل عربى ـ سنى ضد فصيل عربى (شيعى ـ سنى) بمساندة إيران وحزب الله.

•••

ومن منطلق ما سبق الإشارة إليه وما أورده تفصيلا السيد جميل مطر ثم تلاه السيد عبدالله السناوى فى مقالة عن إيران فى الشروق بتاريخ 18 مارس 2015، فإن النظام الإقليمى الجديد يجب أن يضم تركيا وإيران بل ويسمح من وجهة نظرى بانضمام إسرائيل أيضا فى حالة التوصل إلى حل للنزاع العربى الإيرانى الإسرائيلى [الذى سيحدث عاجلا ام أجلا].

والمطروح هو أن يقوم مفكرو وحكماء وقيادات تلك المنطقة بدراسة التحول إلى نظام إقليمى جديد تحت مسمى جامعة أو منظمة الدول الناطقة بالعربية يقوم على مراعاة حقوق الإنسان والمواطنة ويستهدف المساهمة فى التحول الديمقراطى والتنمية ومحاربة الإرهاب وتحقيق السلام العالمى، وهذا من منطلق كون كل دول الجوار المشار اليها فيها مجموعات كبيرة تتكلم العربية وتقرأ بها فضلا على تشاركها فى التاريخ والثقافة والجغرافيا ومعاناتها من قضايا متشابكة. وأن هذا التجمع غير «الإثنى ـ الدينى ـ الطائفى» سيحل مشاكل متعددة داخليا وبين الشعوب العربية الحالية أبرزها الحاجة إلى العيش المشترك والتنمية الاقتصادية.

وأرى أن لمصر فى هذا التجمع دورا محوريا فى الربط بين جميع تلك الدول عبر العناصر المتوافرة لشعبها التى تمكنها من التواصل الفعال مع جميع شعوب هذا التجمع.

سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات