سمير فؤاد يكتب عن لوحة «نداء القديس ماثيو» للفنان كارافاجيو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:41 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سمير فؤاد يكتب عن لوحة «نداء القديس ماثيو» للفنان كارافاجيو


نشر في: السبت 28 ديسمبر 2019 - 9:55 ص | آخر تحديث: السبت 28 ديسمبر 2019 - 9:55 ص

لم يعرف تاريخ الفن فنانا بهذه العبقرية المتوهجة والمزاج الدموى.. عاش حياة قصيرة ولكنه عاشها بطولها وعرضها مرموقا ومحسودا من أقرانه لعبقريته الفذه ومكروها لمزاجه السيئ ورغبته الدائمة فى الشجار وإهانة كل من يأتى بعمل لا يروقه.. معه انتقل الفن إلى عصر جديد وبه أصبحت شخوص اللوحات بشرا من عامة الناس.. من الفقراء والمهمشين.. بعد أن كانت قبلة شخوص متكلفة متأنقة مقيدة بمقاييس مفهوم الجمال فى ذلك العصر.. طور أسلوبا متفردا فى التصوير يعتمد على التضاد الشديد بين الضوء الساطع والظل القاتم مع الانتقال المفاجئ من الضوء إلى الظل واستعمال الحد الأدنى من الدرجة الوسيطة (الهاف تون).. كما كانت شخوصه تتوزع فى فراغ اللوحة فى تكوينات درامية تكاد تكون مسرحية.. وقد خلب هذا الأسلوب ألباب متذوقى الفن والفنانين وجماهير العامة على حد سواء.. وأصبح وهو فى الثلاثينيات من عمره القصير أستاذا له أتباعه ومقلديه.. وكان لأسلوبه تأثيرا كبيرا على مسار الفن بعده خاصة المدرسة الفلمنكية لنرى أثره الواضح فى فنانى القرن السابع عشر العظام مثل فيرميير ورمبراندت فى هولنده وفيلاسكيز فى إسبانيا.
اسمه مايكل أنجيلو دى مريسى وولد عام 1571 فى ميلانو ثم انتقلت عائلته إلى مدينة كارافاجيو وهو ما زال طفلا وعنها أخذ اسمه الذى عرف به.. وتتلمذ فى ميلانو على أحد تلاميذ الفنان الكبير تيتيان.
رسم كارافاجيو هذه اللوحة عام 1599 كواحدة من لوحتين لتزيين مذبح كنيسة سان لويجى دى فرانسيسى فى روما لوحة «نداء القديس ماثيو» ولوحة «استشهاد القديس ماثيو».
تصور لوحة «نداء القديس ماثيو» المسيح فى اللحظة التى يختار فيها جامع الضرائب ماثيو ليجعله أحد الحواريين.. يختار كارافاجيو شخصيات اللوحة من البشر العاديين الذين كانت تزخر بهم أزقة وحوارى روما فى هذا العصر.. فى حجرة عارية إلا من منضدة وحيدة يجلس أربعة من الأشخاص حول ماثيو الذى يعد دراهمه.. من يمين اللوحة يقف المسيح مع أحد حوارييه وهو يشير بيمناه إلى ماثيو.. لسان حاله يقول أريدك أنت أن تأتى معى.. المشهد تلفه العتمة إلا من شعاع من الضوء الذى يدخل من اليمين مائلا باتجاه ماثيو ومؤكدا إشارة المسيح.. بينما يضع ماثيو يده على صدره مشيرا بسبابته.. تريدنى أنا؟؟.. يبدو المشهد بشخوصه وإضاءته وتكوينه كأنه جزء من مسرحية تمثل أمامك وهؤلاء شخوص حقيقيون يلعبون أدوارهم فى هذه المسرحية.. ولنا أن نتخيل كيف كان تأثير هذه اللوحة بطولها الذى يزيد عن الثلاثة أمتار على الرائين فى زمانها.. لا بد أنهم وقفوا أمامها مأخوذين ومسحورين.
وصل أسلوب كارافاجيو الطبيعى المتسم بالواقعية إلى قلوب الجمهور ومتذوقى الفن الذين كانوا قد سئموا تكلف وحذلقة أسلوب المتأنقين (الماناريزم) الذى كان شائعا فى هذا العصر.. كما وجدت فيه الكنيسة الكاثوليكية ضالتها كأداة للتأثير على الجماهير فى حربها ضد البروتستانت.. وهنا تتجلى قوة وجبروت الصورة الدينية وقدرتها على التأثير على العامة الذين كانوا أميين وكانت اللوحة المرسومة هى مدخلهم لعالم القصص الإنجيلية.
بالرغم من أن كارافاجيو كان بلا منازع أشهر فنان فى روما فقد كانت حياته سلسلة من المشاحنات والمنازعات وكان يدخل فى الشجار لأتفه الأسباب.. يعيش حياة كلها فسق وفجور ولا يأبه لأى مخاطر ولا عجب فقد كان يخرج من مشكلة مع السلطات ليدخل فى أخرى وبعد أن قتل شخصا فى مبارزة فى عام 1606 هرب من روما وعاش بقية حياته هاربا متنقلا من مكان لآخر إلى أن ودع الحياة فى سن التاسعة والثلاثين.. لكنه فى خلال هذا العمر القصير غير من شكل الفن وامتد تأثيره قرونا من بعده.. وإليه يعود الفضل فى بلورة أسلوب واقعى يعتمد على التضاد الشديد بين الضوء والظل.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك