دستـور 1956 وتأسيــس دولــة الاستبــداد

آخر تحديث: الجمعة 1 فبراير 2013 - 1:15 م بتوقيت القاهرة
عماد أبوغازى

 فى 16 يناير 1956 انتهت المرحلة الانتقالية التى حددها الإعلان الدستورى الصادر فى يناير عام 1953، فخرج جمال عبدالناصر على الجماهير فى مؤتمر شعبى كبير بميدان عابدين ليعلن من هناك دستورا جديدا للبلاد، كانت لجنة الدستور التى تشكلت بمقتضى ذلك الإعلان قد أنهت عملها فى أغسطس 1954، لكن المشروع الذى أنجزته اختفى، ولم يؤخذ بشىء منه فى دستور 1956، بل جاء على العكس منه تقريبا.

  

 بدأ الدستور بمقدمة إنشائية على لسان الشعب المصرى يقول فيها: «نحن الشعب المصرى الذى انتزع حقه فى الحرية والحياة، بعد معركة متصلة ضد السيطرة المتعدية من الخارج والسيطرة المستغلة من الداخل، نحن الشعب المصرى الذى تولى أمره بنفسه، وأمسك زمام شأنه بيده، غداة النصر العظيم، الذى حققه بثورة 23 يوليو سنة 1952 وتوج كفاحه على مدى التاريخ»، ويسترسل كاتب مقدمة الدستور بهذا الأسلوب معددا ما عرف بالمبادئ الستة للثورة، لينتهى إلى أن الشعب هو من وضع دستوره وأقره، فى عبارة تقول: «نحن الشعب المصرى، وبعون الله وتوفيقه وهداه، نملى هذا الدستور ونقرره ونعلنه، مشيئتنا وإرادتنا وعزمنا الأكيد، ونكفل له المهابة والقوة والاحترام».

 

وقد تضمن الدستور 196 مادة موزعة على ستة أبواب، وجاء الدستور جديدا ومختلفا ومعبرا عن مرحلة الحكم الشمولى بامتياز، ومحصنا لما تم اتخاذه من إجراءات استثنائية فى السنوات السابقة على صدوره والتى أسست للنظام الجديد، حيث نصت المادة 191 وهى من بين مواد الباب الخامس المعنون «أحكام عامة» على أن: «جميع القرارات التى صدرت من مجلس قيادة الثورة، وجميع القوانين والقرارات التى تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها، وكذلك كل ما صدر من الهيئات التى أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام، وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التى صدرت من هذه الهيئات أو من هيئة أخرى من الهيئات التى أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه وأمام أية هيئة كانت».

 

 وباستعراض نصوص دستور 1956 نجد أنه نص للمرة الأولى فى تاريخ الدساتير المصرية على أن مصر دولة عربية وأن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية، وجاء هذا النص فى المادة الأولى من الباب الأول، والتى أكدت كذلك على أن مصر جمهورية ديمقراطية، كما نصت المادة الثالثة من الدستور على أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية»، لتصبح هذه المادة للمرة الأولى أيضا ضمن مقومات الدولة التى تتصدر مواد الدستور بعد أن كانت فى الدساتير السابقة تأتى ضمن الأحكام العامة فى نهاية الدستور.

 

 ومن الأمور التى أقرها دستور 1956 للمرة الأولى أيضا حق المرأة فى الترشيح للبرلمان، وقد حقق هذا الدستور بذلك مطلبا ظلت المرأة المصرية تناضل من أجله منذ عشرينيات القرن الماضى.

 

 أما باب الحريات فإنه نص بوضوح على أن «حرية الاعتقاد مطلقة»، وعلى أن «الدولة تحمى حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقا للعادات المرعية فى مصر، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافى الآداب»، كما نص على حرية الرأى والتعبير والبحث العلمى، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحق الاجتماع العام وحق تكوين الجمعيات، إلا أنه علق معظم الحقوق والحريات على قوانين تنظمها، ومن هنا تمكن النظام من تقييد الحقوق والحريات بالقانون، خاصة فى ظل هيمنة السلطة على البرلمان، كما أن الدستور لم ينص على حق تكوين الأحزاب، ونص بدلا من ذلك فى المادة 192 التى تتصدر الباب السادس الخاص بالأحكام الانتقالية والختامية على أن: «يكون المواطنون اتحادا قوميا للعمل على تحقيق الأهداف التى قامت من أجلها الثورة ولحث الجهود لبناء الأمة بناء سليما من النواحى السياسية والاقتصادية».

 

 كما نصت المادة نفسها على أن «يتولى الاتحاد القومى الترشيح لعضوية مجلس الأمة». وبالتالى أصبحت السلطة التشريعية رهينة لدى التنظيم السياسى الذى يتم تكوينه وتحديد نظامه بقرار من رئيس الجمهورية. وبهذا النص تمت «دسترة» نظام الحزب الواحد أو التنظيم السياسى الواحد فى مصر.

 

 لكن أخطر ما فى هذا الدستور إلى جانب إلغاء التعددية الحزبية أنه وضع أسس النظام الرئاسى الذى يستحوذ فيه رئيس الجمهورية على سلطات واسعة للغاية، فهو رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، حيث نص الدستور على أن رئيس الجمهورية يعين الوزراء ونوابهم ويعزلهم ويرأس اجتماعات مجلس الوزراء، كما يضع السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع الوزراء، كما أن له حق حل مجلس الأمة، كذلك فإن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس مجلس الدفاع الوطنى، وقد نص الدستور على أن مدة رئيس الجمهورية ست سنوات، ورئيس الجمهورية وفقا لدستور 1956 لا يتم انتخابه من بين مجموعة من المرشحين، لكن يتم اختياره باستفتاء عام بناء على ترشيح مجلس الأمة، وبالتالى فلا يوجد تنافس على منصب الرئيس. ورغم هذا النص فإن الاستفتاء على رئيس الجمهورية تم فى نفس يوم الاستفتاء على الدستور دون أن يرشح الرئيس مجلسا للأمة، حيث نصت المادة 193 على أن يجرى الاستفتاء على الدستور يوم 23 يونيو 1956، ونصت المادة 194 على أن يجرى الاستفتاء لرئاسة الجمهورية فى نفس اليوم.

 

 وفى اليوم المحدد تم الاستفتاء الذى شارك فيه حسب الإحصاءات الرسمية أكثر خمسة ملايين ونصف ناخب من بين قرابة خمسة ملايين وسبعمائة ألف مقيدين فى جداول الناخبين، ووافق على الدستور 97،6% بينما وافق على اختيار جمال عبدالناصر رئيسا للجمهورية 99،9% من مجموع المصوتين، لنبدأ بذلك عصرا جديدا من عصور استلاب إرادة الأمة عبر أسلوب الاستفتاء.

 

 لم يعش دستور 1956 طويلا فقبل أقل من عامين ألغى بقيام الوحدة المصرية السورية وإعلان الجمهورية العربية المتحدة، لكنه كان الأساس الذى استلهمته دساتير مصر بعد ذلك لعدة عقود.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved