طارق البشري قاضيا (2).. دوره في تجديد الفتاوى الخاصة بعلاقات العمل وبناء الكنائس

آخر تحديث: الإثنين 1 مارس 2021 - 11:34 م بتوقيت القاهرة

محمد نابليون

تواصل «الشروق» الإبحار في المسيرة القضائية والقانونية للفقيه والقاضي الراحل طارق البشري، للوقوف على أهم الملامح التي ميزت هذه المسيرة، وأبرز إسهاماته سواء على منصة القضاء أو إبان توليه رئاسة الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع المختصة بإبداء الرأي القانوني في المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية، أو تلك التي تواجه فيها جهة إدارية صعوبة في تفسير نص قانوني أو حكم قضائي.

طالع الحلقة الأولى من هنا

وفي هذه الحلقة نركز على دور البشري في تجديد العديد من المبادئ القضائية التي كانت مستقرة سواء على صعيد الأحكام القضائية أو الفتاوى، فيما يعرف في الأوساط القانونية بـ«العدول عن المبادئ السابقة» تلك الصفة التي ميّزت مسيرة البشري القضائية، حيث يقول عنه المستشار الدكتور محمد هاشم في كتابه «الاجتهادات القانونية للمستشار طارق البشري في القضاء والإفتاء» إنه لم يتردد في العدول عن مبدأ سابق للجمعية العمومية أو حكم للمحكمة الإدارية العليا، إذا بدا له أن التطبيق السليم للقانون نصاً وروحاً وأن مقتضيات تطبيق العدالة تقتضي ذلك أو تستلزمه.

ويضيف هاشم في كتابه أن البشري كان حريصا دائما على أن يؤسس العدول عن المبدأ السابق بعد مناقشة موسعة لأساسه القانوني وبيان مسهب لأسباب المبدأ الجديد، حيث تضمن الكتاب على عدة أمثلة لذلك يمكننا تناول منها ما يلي :

في علاقات العمل
• المبدأ السابق: فتوى اعتبار العقود التي تبرمها الهيئة العامة للتأمين الصحي مع الأطباء والأخصائيين «عقود غير مسماة» لا يترتب عليها وقف معاشاتهم، والتي صدرت من الجمعية العمومية في 26 يونيو 1968 استناداً إلى أن هذه العقود لا يمكن اعتبار المتعاقد معهم بها عائدين للخدمة، باعتبار أن معيار تمييز عقد العمل هو التبعية القانونية، أي تبعية عمل العامل لرب العمل تبعية قانونية، وذات طبيعة خاصة.

وساهمت هذه الفتوى في حل مشكلة تتمثل في عدم اقتطاع جزء من المبالغ التي يتقاضاها هؤلاء الأطباء، وبناء عليها لم يخصم منهم مبالغ للضرائب والتأمينات والمعاشات.

• مشكلات ترتبت على الفتوى: في الوقت نفسه أظهر الواقع العملي لسريان ما تضمنته تلك الفتوى مشاكل قانونية ضغطت على الهيئة، من بينها حرمان العاملين بالتأمين الصحي من الأطباء من مزايا وظيفية متعددة أخصها الاستفادة بالتأمينات الاجتماعية والمعاشات، فثار التساؤل مجدداً هل تلك العقود عقود عمل أم أنها من العقود غير المسماة التي لم يخصها القانون باسم معين ولا بتنظيم خاص.

• المبدأ الجديد للبشري: أعد البشري تقريراً تكميليا للفتوى في 19 مايو 1980 انتهى إلى توصيف تلك العقود على أنها عقود عمل، وعاب على المبدأ السابق مساسه بالأسس القانونية الخاصة بعلاقة العمل لتحقيق هدف مالي كان ممكناً التغلب عليه بالأدوات التشريعية والاقتصادية المناسبة.

بناء الكنائس
• المبدأ السابق: انتهت الجمعية العمومية في 6 فبراير 1992 إلى أن قرارات المحافظين التي كانت تصدر بتخصيص أراضي لبناء الكنائس، لا تضفي على التخصيص وصف الملكية ولا يعتد بها كسند لملكية الأرض، وذلك بعدما ثار تساؤل لدى إعداد مشروع قرار جمهوري للترخيص للأقباط الأرثوذكس بإقامة كنيسة بمنطقة العمران الجديدة بمحافظة بور سعيد، حول مدى إمكانية اعتبار قرار التخصيص سنداً للملكية.

• مشكلات ترتبت على الفتوى: لم تبنى الكنيسة المشار إليها وتم تعليق الترخيص بإقامة عدد من الكنائس على اشتراط ثبوت ملكية قطعة الأرض المزمع إقامة الكنيسة عليها للطائفة طالبة الترخيص.

• المبدأ الجديد للبشري: أصدرت الجمعية العمومية تحت رئاسة البشري فتوى انتهت فيها إلى أن قرار التخصيص الصادر من الجهة الإدارية يغني عن شرط الملكية المطلوب للترخيص بإقامة الكنائس، مؤكداً عدم السداد في تعلل المبدأ السابق باشتراط ثبوت ملكية الأرض للطائفة لتوقي المنازعات مستقبلاً حول هذه الأرض وضمان بقاء دور العبادة تؤدي رسالتها دوماً بما يصون قدسيتها ويحقق لها القيام برسالتها، لافتاً إلى أنه بعد بناء الكنسية تصبح على ملك الله ولا يجوز تغيير الترخيص بقرار لاحق.

التحكيم في العقود الإدارية
• المبدأ السابق: صدرت فتوى من الجمعية العمومية في 17 مايو 1989 بجواز اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية، استناداً لنص بقانون المرافعات ونص آخر بقانون مجلس الدولة يجيز لجوء الجهات الإدارية إلى التحكيم في منازعاتها العقدية إدارية كانت أو مدنية.

• مشكلات ترتبت على الفتوى: وقوع خلاف بين إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع وأحكام المحكمة الإدارية العليا، لوجود فتويان تجيزان اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية وحكمان يحظرانه.

• المبدأ الجديد للبشري: عدلت الجمعية العمومية تحت رئاسة البشري عن مبدأها السابق بجواز اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية، استناداً إلى أن لجوء أي جهة عامة للقضاء ذي الولاية العامة في نزاع يتعلق بعقد إداري هو الاستعمال الطبيعي لحق التقاضي، أما لجوؤها في ذلك إلى التحكيم فهو يفيد الاستعاضة عن القضاء بهيئة ذات ولاية خاصة، وهو تحكيم لجهة خاصة في شأن يتعلق بتسيير المرافق العامة وتنظيمها وإدارتها، وكل ذلك لا تملكه جهة عامة ولا تملك تقريره هيئة عامة إلا بإجازة صريحة وتخويل صريح يرد على عمل تشريعي.

حماية شركات قطاع الأعمال العام
تشير الموسوعات القضائية إلى أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع تحت رئاسة المستشار الراحل طارق البشري كان لها دورها الهام من خلال الفتاوى القانوني في حماية الثروة القومية في شركات قطاع الأعمال العام، حيث أصدرت الجمعية خلال الفترة من 14 أكتوبر 1992 وحتى نهاية سبتمبر 1993 عدد 15 فتوى متعلقة بمدى سريان أحكام القانون رقم 5 لسنة 1991 في شأن الوظائف المدنية القيادية بالجهاز الإداري للدولة والقطاع العام ولائحته التنفيذية على الشركات القابضة والشركات التابعة الخاضعة لقانون شركات قطاع الأعمال العام.

وانتهت تلك الفتاوى إلى جواز سريان أحكام القانون المشار إليه على العاملين بتلك الشركات فيما لا يتعارض منها مع أحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام ولائحته التنفيذية، إلى أن تصدر لوائح أنظمة العاملين بها واعتباراً من تاريخ العمل بكل منها، استناداً إلى أن شركات قطاع الأعمال العام وإن كانت لا تندرج ضمن شركات القطاع العام ولها طبيعتها الخاصة التي تقربها من الشركات المساهمة الخاصة، إلا أن ذلك كله لا ينفي عنها أن وحدة اقتصادية موصولة بخيط التبعية للدولة التي تملك أموالها.

كما أصدرت الجميعة تحت رئاسة البشري من أكتوبر 1993 وحتى يونيو 1998 54 فتوى قضائية تتعلق أيضاً بشركات قطاع الأعمال العام، حددت من خلالها الطبيعة القانونية لهذه الشركات بتأسيس قانوني موسع ومتعمق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved