اللي بنى مصر (10).. الصول إدريس.. مبتكر الشفرة النوبية لتأمين اتصالات الجيش في حرب أكتوبر

آخر تحديث: السبت 1 أبريل 2023 - 12:36 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

بتاريخ حضارتها الممتد لآلاف السنين، واحتضانها وتفاعلها مع الثقافات المحيطة الأخرى، أصبحت مصر أشبه بلوحة فنية بديعة من مكونات عمرانية، وعادات أصبحت تشكل تراثا ثريا وأصيلا، ووراء ذلك عقول بشرية صنعته؛ ليكون من الجدير بها أن يطلق عليها لقب "اللي بنى مصر".

وتحت هذا العنوان، سنعرض في حلقات مسلسلة بعض ملامح سيرة من شكلوا لمصر وجهها الحضاري العظيم، وتراثها الملهم، على مدار أيام شهر رمضان المبارك للعام الثاني على التوالي.

الحلقة العاشرة..

نحتفل اليوم بذكرى انتصار العاشر من رمضان، الذي وافق "6 أكتوبر 1973"، والذي تجسّدت من خلاله إرادة أبناء مصر الصلبة برد العدوان عن أرضهم المحتلة، واستعادة الكرامة المصرية، وكسر هيبة العدو، الذي تباهى بدعاية زائفة بأنه "جيش لا يقهر"، ووصف الرئيس السادات تلك الحالة في خطبته الشهيرة عقب تحقيق الانتصار بقوله: "لقد كان الليل طويلا وثقيلا لكن الأمة لم تفقد إيمانها أبدا بطلوع الفجر".

وفي تلك الذكرى المجيدة، لا ننس تقديم التحية لكل من شارك في صناعة تلك الملحمة، الذين جابهوا الصعوبات وكسروا العراقيل المنيعة، ومن بينهم كان الجندي أحمد إرديس، صاحب الفكرة العبقرية في التغلب على مشكلة كبيرة كانت تواجه القوات المصرية على جبهة القتال، وهي امتلاك العدو الإسرائيلي لأجهزة اتصالات متقدمة تمّكنهم من التقاط الإشارات والاتصالات، ما يهدد من تسرب معلومات وخطط حساسة، لذا كان تجاوز ذلك من أبرز مفايح النصر.

وقدم إدريس فكرة للقيادة المصرية بأن تكون لغة الاتصال في الإشارات هي "النوبية"، التي لا يمكن كتابتها، وبالفعل فشل الإسرائيليون في اكتشافها لدرجة أنهم أطلقوا عليها لغة "شياطين النيل".

• نرطن نوبي

وفي أحد الاجتماعات بين الضباط والقادة والجنود لوضع ترتيبات الحرب، تحدث أحد الضباط عن تمكن إسرائيل من فك الشفرات واتصالات جبهات القتال المصرية، وتهديد سرية المعلومات لتخيطيط لأي من العمليات ضد العدو.

وحينها ضحك إدريس للحظات، وصُدم الضباط من رد فعله، فسأله قائده عن سبب ضحكاته غير المبررة في هذا الموقف الصعب ليرد الشاويش بـ"حاجة سهلة يا فندم"؛ ليزداد التعجب مرة أخرى، ليسأله الضباط السؤال ذاته :"إزاي حاجة سهلة يا أحمد؟"، ليكون رده: "نرطن بالنوبي لغة تتقال وملهاش حروف نكتبها بالعربي".

وانتفض المتواجدون من أماكنهم وذهبوا إلى قائد الجيش ليبلغوه بأنهم وجدوا الحل، الذي بدوره اتصل بالسادات المتسائل: "مين اللي سمع الكلام بتاع الشاويش غيركم أنتم الـ5؟.. مفيش.. لو الموضوع دة اتسرب هحاكمكم أنتم وهو"، هذا بحسب ما قاله إدريس في برنامج حقائق وأسرار.

• السادات: فكرة ممتازة ومكافأة 100 جنيه

"أبلغ قادتي الفكرة لرئيس الأركان الذي بدوره عرضها على الرئيس أنور السادات، ووافق على الفور وفوجئت باستدعاء الرئيس الراحل لي، وصلت للمقر الأمني لمقابلة الرئيس السادات وانتظرت بمكتبه حتى انهى اجتماعه مع القادة، وعندما رأيته كنت أرتجف فهي المرة الأولى التي أرى بها رئيسا لمصر".

و"عندما قابلني الرئيس السادات وشعر بما ينتابني من خوف وقلق، اتجه نحوي ووضع يده على كتفي ثم جلس على مكتبه وتبسم لي، وقال: (فكرتك ممتازة.. لكن كيف ننفذها؟، فقلت له لابد من جنود يتحدثون النوبية، وهؤلاء موجودون في النوبة)، وعليه أن يستعين بأبناء النوبة القديمة، وهم الذين نزحوا بعد البدء في بناء السد العالي، وأضفت قائلاً: "هم متوفرون بقوات حرس الحدود"، فابتسم السادات قائلاً: "بالفعل فقد كنت قائد إشارة بقوات حرس الحدود، وأعرف أنهم كانوا جنوداً بهذا السلاح"، حسب ما ذكره إدريس في الفيلم التسجيلي "الشفرة".

ويضيف إدريس: "طلب الرئيس السادات مني عدم إفشاء هذا السر بعيدًا عن الـ5 أشخاص، وهم قائد الجيش، وقائد الأركان، وقائد اللواء، والسادات وأنا فقط، كما طلب مني أن لا أخبر زوجتي أو أشقائي أو زملائي، وكافأني أثناء اللقاء بمبلغ 100 جنيه، وبالفعل احتفظت بالسر طيلة 40 عامًا".

• أوشيريا وكوارتي

وعن تفاصيل استخدامهم للغة النوبية قال: أطلقنا أسماء المركبات والعربيات بأسماء نوبية، العسكري أطلق عليه اسم "ميسر" يعني جدي، والصف ظباط سميناهم "فج" يعني معزة، والظباط سميناهم من ملازم حتى رائد "إيجت" يعني "خروف"، ومن المقدم حتى اللواء سميناه "قدش" يعني حمار، والطائرة "كوارتي" تعني طائر، و"منكوكي" يعني الضفادع البشرية، وأطلقت هذه الأسماء بالاتفاق حتى لا يعرفها العدو وسمينا المخابرات "أوسلمجني" وتعني الثعبان، وكان معانا 20 محطة، وأسمينا المحطة الرئيسية "أوندي".

قد كانت كلمة "أوشريا" هي الكلمة الأشهر في قاموس الشفرات النوبية بحرب أكتوبر، ومعناها العربي "اضرب"، وجملة "ساع آوي" تعني "الساعة الثانية"، وبتلقي جميع الوحدات كلمة "أوشريا" وكلمة "ساع آوي"، بدأت ساعة الصفر.

• تكريم من السيسي

وكرم الرئيس السيسي، الصول النوبي خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة الـ26، بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر، والتي تم تنظيمها في 10 أكتوبر عام 2017، بعدما تم عرض فيلمًا تسجيليًا بعنوان "الشفرة"، وتضمن شرحا من البطل أحمد إدريس لطرق التغلب على أعمال التنصت اللاسلكي أثناء حرب أكتوبر، وبعدها صدق السيسي على منح المساعد أحمد إدريس وسام النجمة العسكرية لما قدمه من خدمات للوطن وقت حرب أكتوبر 19730.

يذكر أن أحمد إدريس توفي في 2 سبتمبر 2021 بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز 84 عاما، وتزامن وفاته مع رحيل وزير الدفاع الأسبق المشير محمد حسين طنطاوي.

اقرأ أيضا: اللي بنى مصر (9).. سليمان باشا الفرنساوي: رائد تدريس العلوم العسكرية بمصر

وغدا نلتقي في حلقة جديدة..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved