(رئيس أحلام) المصريين: قوى وحازم وعادل

آخر تحديث: الثلاثاء 1 مايو 2012 - 12:40 م بتوقيت القاهرة
دينا عزت

بعد 22 يوما، يتوجه المصريون للمشاركة فى أول انتخابات رئاسية تعددية حقيقية تشهد تنافسا بين ثلاثة عشر من المرشحين بعضهم محسوب على التيار الإسلامى، فصائليا أو عقائديا، وبعضهم من كان فى العمل العام قبل تنحى الرئيس حسنى مبارك. البعض مستقل والبعض حزبى.

 

ومن بين أبرز الأسماء المرشحة، بحسب العديد من استطلاعات الرأى التى أجريت عبر الشهور الماضية، عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الذى كان وزير خارجية مصر الأشهر، والأكثر شعبية فى التسعينيات قبل أن يذهب به مبارك إلى الجامعة العربية توطأة لإطلاق مشروع توريث نجله جمال مبارك، وعبدالمنعم أبوالفتوح العضو السابق لمكتب الإرشاد صاحب التاريخ السياسى الطويل والعمل الإغاثى، وهو الذى فصل من الجماعة التى كانت محظورة ومازالت غير مرخصة بسبب قراره المستقل الترشح لانتخابات الرئاسة، ومحمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين الذى ترشح احتياطيا لنائب الجماعة القوى خيرت الشاطر قبل حرمان الأخير من حق الترشح لأسباب قانونية، ويتبع هؤلاء المترشحون الثلاث الأقوى، هناك أيضا أحمد شفيق آخر وزراء مبارك عند سقوط حكمه ووزير دفاعه المدنى لسنوات طويلة، وحمدين صباحى الوجه الجديد للناصرية المصرية.

 

وتدار انتخابات الرئاسة بعد استثناء رجلين لهما حظ لا يُستهان به من الشهرة إلى جانب الشاطر، وهما المرشح السلفى المثير للجدل حازم صلاح أبوإسماعيل ورئيس مخابرات مبارك لمدة عقدين متتالين ونائبه الأوحد، عمر سليمان.

 

وفى أول أيام بدء الحملة الرسمية، مازال هناك من المصريين من يرى فيمن تم استثناؤهم من كان يصلح رئيسا جيدا لمصر ما بعد الثورة، ومن يرى أن بين المرشحين الباقين من هو الأنسب تماما.

 

عمر سليمان.. خسارة

 

«كنت أتمنى أن يبقى عمر سليمان فى انتخابات الرئاسة.. هذا الرجل كان سيصلح رئيسا جيدا لمصر لأنه رجل قوى وحازم وله خلفية عسكرية ويقدر أن يلملم الأمور المتبعثرة»، هكذا قالت إلهام، الفتاة العشرينية التى تعمل بائعة فى أحد محال الملابس بمصر الجديدة.

 

إلهام لا تعرف الكثير عن تاريخ عمر سليمان أو خلفيته، كما أنها، حسبما قالت بصورة مباشرة، غير معنية بالدور السياسى الذى لعبه خلال حكم مبارك، ولا بأن يأتى رجل مبارك الثانى رئيسا لمصر بعد ثورة قامت لإسقاطه، لأنها بالأساس ليست معنية بالثورة، وتظن أنها لم تجلب لها شيئا مهما، بل على العكس «يعنى الثورة جابت الإخوان ودلوقتى الإخوان لما يحكموا ولا السلفيين هيقولوا كل الستات تقعد فى البيت، يعنى مش كفاية اتحجبنا علشان نقدر نخرج، كمان هنقعد فى البيت ومش هنعرف نخرج نشتغل نجيب قرش ولا نشم الهوا»، تقول إلهام.

 

بعد خروج عمر سليمان من السباق الرئاسى لم يعد لدى إلهام شخص بعينه تريد أن تنتخبه، وتقول إنها ستصوت لأى من المرشحين غير الإسلاميين لأنها ببساطة لا تستطيع أن تتقبل فكرة وصول أى إسلامى للحكم.

 

وكما إلهام فإن مها السيدة الخمسينية التى تشارف التقاعد من العمل فى إحدى الشركات الإلكترونية الكبرى شعرت بارتياح عندما ترشح عمر سليمان لأنها كانت ترى أنه رجل قادر على مواجهة الإسلاميين حتى «لا يستشروا أكثر من كده فى البلد»، ولا تتفق مها مع قراءة من يقول إن سليمان ليس قادرا على التعامل الجاد مع انتشار شعبية الإسلاميين فى المجتمع المصرى، وهى الشعبية المتمثلة فى نحو ثلثى مقاعد البرلمان لنواب من مساحات مختلفة من الإسلام السياسى، لأنه لو كان يقدر لفعل خلال العشرين عاما الذى ترأس فيها جهاز المخابرات.

 

ومها التى لا تأبه، كما تقول دون تحسب على الإطلاق، لو أن سليمان كان قد أتى رئيسا، وأعمل يد الأمن الباطشة ضد الإسلاميين لأن المهم بالنسبة لها أمر واحد «أن الدنيا تهدأ والاقتصاد يرجع يشد لأن البلد ما يستحملش كده وإحنا كمان مش قادرين نستحمل»، حسب السيدة التى تزين يديها بحلى ماسية.

 

«عمر سليمان خسارة كان هيكون رئيس حاسم»، حسبما تنهى مها حديثها.

 

أبوإسماعيل.. أبوإسماعيل

 

«أبوإسماعيل، أبوإسماعيل، طبعا مصر كانت محتاجة أبوإسماعيل واللى حصل ضده مؤامرة لأنه رجل قوى و(المجلس العسكرى) مش عايزين واحد قوى»، هكذا يقرر فتحى عامل احد مقاهى وسط القاهرة.

 

بالنسبة لفتحى، الذى ورث مهنته عن والده وجده، فإن أبوإسماعيل رجل كان يستطيع أن «يحكم بالعدل لأنه كان هيحكم بشرع ربنا والعدل هو شرع ربنا»، أبوإسماعيل كان بالنسبة لفتحى سيكون «الرئيس المتدين اللى يخاف ربنا ويراعيه فى الشعب اللى تعب وشاف الويل وشرب المر»، بحسب الرجل الثلاثينى الذى لم يعرف فى حياته قبل أن تسقط الثورة حكم مبارك رئيسا غيره.

 

اليوم، سيبحث فتحى، عن مرشح إسلامى آخر ليصوت له فى 23 مايو. «مش عارف يمكن مرسى أو أبوالفتوح، أظن مرسى أكثر، يعنى أبوالفتوح متحرر شوية زيادة».

 

لا مرسى ولا أبوالفتوح

 

بالنسبة لدينا وداليا ونبيل، المصريون الثلاثة العاملون بأحد البنوك الكبرى بدبى، فإن مجرد احتمال وصول مرسى أو أبوالفتوح هو كارثة لأنه يعنى نهاية مصر المدنية لتحل محلها دول إسلامية بالمعنى المتشدد للكلمة، وهو الأمر الذى لا يستطيع هؤلاء الأقباط الثلاثة أن يتعايشوا معه ولو افتراضيا.

 

«ساعتها نفضل هنا على طول بقى وما نرجعش مصر خلاص»، يقول نبيل.

 

«ما فيش إسلامى ليبرالى أو إسلامى متفتح، الإسلاميون هما الإسلاميون لأنهم عندهم إن كلامهم ده هو كلام ربنا ومش ممكن حد يخالفهم فى الرأى»، حسبما ترى داليا.

 

وتهز دينا رأسها رافضة الاتفاق مع نقاش حول بعض الإسلاميين المعتدلين. «مين هما المعتدلين (محمد سليم) العوا (المفكر الإسلامى والمحامى) اللى كان ماشى يقول إن الكنائس مليانة أسلحة، ولا أبوالفتوح اللى كان هيفضل فى الإخوان المسلمين لو قالوا له إنه ممكن يترشح؟»، تقول دينا التى لا ترى فى الإخوان المسلمين سوى جماعة متشددة «مش متشددة زى السلفيين يمكن لكن أكيد متشددة وبترفض الآخر».

 

أبوالفتوح، قلبه فى المكان السليم

 

لكن هذه الخشية من كل ما هو إسلامى ومن كل من هو إخوانى، سواء تنظيميا أو عقائديا، ليست حاضرة فى حسابات الاختيار لماجد، مهندس البترول القبطى الذى يعمل فى الكويت منذ أكثر من عشرين سنة.

 

«الأمر بسيط، ما فيش رئيس هييجى مصر هيقدر يفرض أفكاره على الناس لأن الناس خلاص أصبحت تقدر تقول لأ بصوت عالى واللى هيعوز يفرض أفكاره عارف تماما إن المصريين مش بيخافوا، مش بيخافوا من الأمن ومش بيخافوا كمان يتكفروا»، حسب ماجد.

 

ماجد الذى قام بتسجيل اسمه للتصويت فى انتخابات الرئاسة يعتزم أن يذهب صوته لأبوالفتوح. «الحقيقة فى ناس كويسة تانية مترشحة، لكن أنا باختار أبوالفتوح بالذات أولا لأن سنه مناسبة (فى مطلع الستينيات) ولأنه له خلفية سياسية ويعرف قضايا البلد من منظور مختلف عن منظور نظام الرئيس مبارك، ولأنه أعلن التزامه بمدنية الدولة حتى لو لم يستخدم هذه الكلمة بعينها لأسباب انتخابية واضحة لأنه لا يريد أن يخسر أصواتا إسلامية».

 

وإذا فشل أبوالفتوح فى الوصول للجولة الثانية من الانتخابات المقررة ليونيو فإن ماجد سيصوّت لعمرو موسى.

 

وتقارن أميرة السيدة، الأسوانية التى تعمل مدرسة للغة الإنجليزية بين أبوالفتوح وعمرو موسى، وتقول إنه «صحيح إن أبوالفتوح ما عندوش خبرة عمرو موسى لأن عمرو موسى طبعا كان راجل وزير خارجية وأمين جامعة عربية وعنده خبرة واسعة والدنيا كلها عارفاه بره وجوه، لكن كمان أبوالفتوح عنده أفكار كويسة وزى ما بيقولوا بالإنجليزى كده قلبه فى المكان السليم وعايز يعمل حاجة».

 

أميرة تعتزم أن يكون صوتها فى الجولة الأولى لأبوالفتوح «وإن شاء الله يكون له نصيب يطلع الجولة الثانية وبرده أديله صوتى».

 

أما إذا لم يصعد أبوالفتوح للجولة الثانية فإن صوت أميرة كما صوت ماجد سيذهب لعمرو موسى «الراجل محترم وطول عمرنا عارفينه بس هو طبعا فى الكام سنة الأخيرة ما كانش زى الأول، وكان بيقول كلام علشان ما يزعلش مبارك، بس دى حاجة مفهومة يعنى، وده برده راجل عنده خبرة ويقدر يعمل حاجة للبلد»، تقول أميرة قبل أن تبتسم وتضيف «بس أنا باحب أبوالفتوح، يعنى فى ناس بتقول أحب عمرو موسى وفى ناس تقول أحب أبوالفتوح».

 

عمرو موسى ــ طبعا وهو فيه زيه؟

 

حسام، الشاب السكندرى العشرينى الذى يعمل بأحد مطاعم الأسماك، يقول بدون تردد إنه سينتخب عمرو موسى «طبعا وهو فى زيه، راجل كبير وعنده خبرة ويقدر يشوف الدنيا ويخلينا نعيشوا عيشة أحسن».

 

اختيار حسام لعمرو موسى ليس منطلقا من بواعث التأثر بما يعرف بكاريزما عمرو موسى وليس أيضا منطلقا من تقدير مازال لدى البعض لمواقف سياسية أعرب عنها موسى خلال سنوات عمله وزيرا للخارجية حفاظا على الكرامة الوطنية، لكن لأسباب براجماتية بحتة أنه يريد حياة أفضل، حياة يستطيع أن يعيش فيها آمنا ليس فقط من البلطجية والحرامية «اللى بقوا ياما بعد الثورة» ولكن أيضا من افتراءات «رجال الشرطة» التى طالما عانى منها، حسبما يقول، خلال سنوات حكم مبارك.

 

عمرو موسى بالنسبة لحسام هو رئيس قوى، وما يريده حسام هو بالضبط هذا: الرئيس القوى.

 

«أنا مش مهتم أنه يكون متدينا قويا يعنى، المهم أنه يكون قويا، الدين ده حاجة مهمة صحيح، لكن واحد متدين وما يعرفش حاجة ده أنا أعمل به إيه».

 

هذا الانطباع بأنه سيكون حتما رئيسا قويا هو جزء من أسباب اختيار فكرية السيدة الأسيوطية القبطية السبعينية لعمرو موسى. «ده واحد يقدر يقف قدام الإخوان المسلمين ويقول لهم آه ولأ، يعنى مش هيخاف منهم ولا من المرشد بتاعهم».

 

الجزء الآخر من أسباب اعتزام فكرية التصويت لموسى يتعلق بما تراه من ثقة يتمتع بها الرجل. «الراجل ده فعلا واثق من نفسه، والراجل اللى واثق من نفسه ده مش هتلتف حواليه بطانة سوء تسيطر عليه زى ما حصل مع اللى فات».

 

شفيق مش موسى

 

راندة، السيدة الأربعينية التى تعمل فى إحدى البنوك الاجنبية بالقاهرة فهى تعتزم انتخاب شفيق، دون أن تشعر بغضاضة أن الرجل يوصف بأنه من فلول نظام مبارك. «يعنى إيه فلول، ده راجل كان وزير طيران مدنى وبعيد خالص عن المسائل والمشاكل السياسية التى اتسببت فى المظاهرات، وده راجل عنده قدرة على الإنجاز وطبعا كلنا شفنا إزاى هو غير شكل المطار (فى القاهرة) وطور مصر للطيران».

 

راندة تقول: «شفيق مش موسى لان موسى ده راجل سياسى بس شفيق راجل بيشتغل بإيديه وبينفذ حاجات تقدرى تلمسيها بإيدك». وتضيف راندة «إن شفيق عينه مليانة» وبالتالى فهو قادر، بحسب رؤيتها، على رفض الفساد ومحاربته فعلا.

 

لا تستبعد راندة واقعيا احتمال الا يصل شفيق للدورة الثانية «علشان حكاية فلول دى» وفى هذه الحالة سيذهب صوتها فى الجولة الثانية لعمرو موسى. «لأنه طبعا راجل عارف وفاهم، وإن كنت بافضل شفيق».

 

أما ميادة الفتاة العشرينية التى تعمل كيميائية فهى فى حالة «ذهول» أن هناك من يريد أن ينتخب شفيق اليوم. «مش هو ده رئيس الوزراء اللى كان فى الحكم لما حصلت موقعة الجمل» ــ الاسم الإعلامى لهجمة من البلطجية المأجورين على المتظاهرين فى ميدان التحرير يوم الثانى من فبراير قبل أقل من عشرة أيام على سقوط مبارك، وهى الهجمة التى تسببت شأنها شأن جمعة الغضب، فى الثامن والشعرين من يناير، وأول أيام الثورة فى الخامس والعشرين من يناير 2011 فى سقوط العديد من الشهداء.

 

ميادة ترى أنه «من العبث» أن يفكر أحد فى انتخاب الرجل الذى عينه مبارك رئيسا للوزراء وخرجت المظاهرات ضده لإسقاطه بعد أن سقط مبارك، كما أنها ترى أنه من العبث أيضا ألا يطبق قانون العزل السياسى على شفيق.

 

ميادة تقول إنها «بالتأكيد ستنتخب أحد المرشحين اللى كانوا فى الثورة». تفاضل ميادة بين أبوالفتوح وصباحى وخالد على وتقدر أنها عندما ستقف أمام الصندوق سيذهب صوتها لأبوالفتوح «لأنه أكثر واحد من دول عنده فرصة أنه يطلع للجولة الثانية على الأقل».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved