معالجات تمتزج فيها الواقع بالفانتازيا والخيال.. يجمع بينها النهايات المدهشة

آخر تحديث: الجمعة 1 يوليه 2022 - 8:08 م بتوقيت القاهرة

أسماء سعد:

«الشعور بالذنب من السفر جوًّا».. قصص مفعمة بالأحداث والمشاعر لـ«محمد هشام عبيه»

رغم أنها المجموعة القصصيّة الأولى التى يقدمها للقراء، إلا أن نصوص «الشعور بالذنب من السفر جوًّا» للكاتب محمد هشام عبيه، جاءت مشتملة على كل عوامل الجذب والإبهار واصطحاب القارئ فى رحلة شديدة الإمتاع من بدايتها وحتى نهايتها، حيث استعان عبيه من أجل تحقيق ذلك على امتلاك أدوات فن القصة القصيرة، من حيث التكثيف والتركيز الممزوج بالإيحاء والإيجاز فى الكلمات لتوصيل المعانى الكبرى والمشاعر المتدفقة.
احتوت المجموعة القصصية على 15 عنوانا شيقا، شكلوا قوام الكتاب الذى جاء فى 103 صفحات الذى صدر حديثا عن مكتبة تنمية، وقد بدت عليهم منذ الوهلة الأولى قدرتهم على الإيحاء للقارئ بأنه على شفا التعرض لتجربة مفعمة بالأحداث والمشاعر، دون أى مط وتطويل، وهو ما سيتضح مع المضى قدما فى مطالعة نصوص تلك العناوين التى جاء منها: مغامرة الجن الأخيرة، الصلاة فى مسجد حسين صدقى، قضاء حاجة، كبد مسموم، رائحة الفانيليا والرسالة 154.
تراوحت نصوص محمد هشام عبيه بانتقال سلس، بين معالجات فانتازية وواقعية سياسية وعاطفية الرومانسية، غاص فيها الكاتب فى عالم المشاعر بشكل عام، ومايتعلق بها بتداخل العلاقات وقصص الحب التى لها طابع خيالى وأسطورى، جمع بينها كلها أن نهاياتها جاءت مدهشة وهو أمر يحسب للكاتب فى تلك المجموعة التى احتشدت بالتفاصيل المثيرة والغرائبية والمشاعر المتناقضة بين الفرح و الحزن والهوس والاتزان لتقدم لنا رؤية مختلفة عن العديد من التفاصيل التى تبدو لنا فى العادى أنها تقليدية بلا أوجه مغايرة.
تنوع الأفكار
صب شباب المنطقة كل أنواع السباب واللعنات على الزلزال المشئوم، الذى لم يحرمهم فحسب من بعض الأحبة، ومن ذكريات تفتت على جدران تهاوت، بل وقضى أيضا على منبع الانبساط والسعادة الوحيد فى عالمهم. وكادوا يرفعون رايات الاستسلام بالفعل، حتى إن أحدهم ــ وكان أكثرهم حداثة فى طريق الدخان ــ سارع بشراء قرش حشيش بدا لهم فى هيئته الأولى نقيا غير مخلوط بالحنة والعسل الأسود، لكنهم اكتشفوا زيف ذلك كله حينما سرت النار فيه، فتعكر مزاجهم، وانقلبوا على عضو اللجنة المنضم جديدا بسبب سذاجته وإهداره أموالهم على حفنة من تراب بنى اللون، ليس فيه من أبهة الحشيش شىء، فى هذه اللحظة، أو ربما بعدها بقليل، استبد الغضب بحمدى الجن، المعروف اختصارا بـ«الجن».
حالة من التنوع الكبير فى الموضوعات وشخصيات الأبطال التى نسجها محمد هشام عبيه، من خلال حبكات مختزلة منسوجة بعناية تأرجحت على الحافة بين الشجن والسخرية والجنون، متنقلا بسلاسةٍ بين أجواء قصص الحب المستحيل والخيال العلمى والفانتازيا السياسية والوقعية المنفلتة من حدودها، وهو الأمر الذى بدا معه وكأن محمد هشام عبيه قد سبق له إبداع العديد من المجموعات القصصية، والتى جاءت فى حقيقة الأمر كتجربته الأولى هذه المرة.
حرص محمد هشام عبية استنادا إلى تنوع الموضوعات والقصص، والتفاوت طولا وقصرا فى سياق الأحداث، على أن يخفى مفاجأة درامية صغيرة، تتفجر أمام القارئ فى السطور الأخيرة، الأمر الذى نجح فى الحفاظ عليه فى كافة فصول كتابه الشيق؛ حيث نجد أنفسنا أمام مقهى يقف صامدًا أمام المؤامرات، وحكاية غرام لن تكتمل إلا بانقطاع التيار الكهربائى، عتاب بين حبيبين ينتهى برذاذ من الدم، اختفاء غامض لكل أغطية البالوعات يفتح أبوبًا للشك، حشود غاضبة لعرايا تقتحم مقر حصين، روبوت وحيد على كوكب مهجور يبحث عن الحب.
رشاقة الأسلوب
ساهم الوعاء اللغوى السلس الذى اختاره محمد هشام عبيه من أجل أن يضع فيه أفكاره، فى استمتاع القارئ بالتهام فصول قصصه القصيرة، دون أن يشعر بأى ملل أو انقطاع عن سير ومسار الأحداث التى جاءت متماسكة وشيقة، اعتمادا على طريقة فى السرد والأسلوب اللغوى الرامى إلى التكثيف مع الاقتضاب، من خلال مفرداتٍ وتراكيب سهلة وسلسة فرضت إيقاعا رشيقا فى حكى الأحداث.
«لربما صدر قرار أممى دولى يجرم تحطيم القلوب، أو جرى اجتماع طارئ لمجلس الأمن، ليضع أعضاؤه أطرا قانونية لقصص الحب تجعلها لا تنتهى أبدا نهايات درامية مأساوية، القلوب المحطمة، وخصوصا تلك التى تحطمت للتو، المهشمة، المفتتة، التى تحولت إلى رماد تذروه الرياح، هى التى تنبعث منها الأدخنة الملوثة للكون، الإنصاف يقضى بأن ذلك يجب أن يفضى إلى قتل من فعل بها ذلك، لكن الحقيقة أن ما يجرى عكس ذلك تماما، من يدفع الثمن هم أصحاب القلوب المحطمة دائما».
رشاقة الأسلوب التى حافظ عليها محمد هشام عبيه، أبدعها فى مزيج مثالى مع الصور الخيالية الخصبة، حيث تخيل أن الانبعاثات الكربونية التى تخنق الأرض، سببها انكسار القلوب، واعتبر أن قانون الوجود يفرض على أصحاب القلوب الضغيفة المحطمة أن يدفعوا الثمن، وأنهم هم من يستنشقون كربون ذراتهم المحترقة، وهم من تتلوث أرواحهم، وذلك فى ربط مثير بين النهايات الإنسانية المأسوية، وارتفاع درجة حرارة الأرض وزيادة التلوث.
وضعنا محمد هشام عبيه من خلال فصول أولى مجموعاته القصصية، أمام تجارب وجدانية رومانسية غلفها بالخيال الحالم أحيانا، والواقع المباشر بحساباته المعقدة احيانا أخرى، ولكن إجمالا لم نجد بالقصص المختلفة أية أصوات متشنجة حتى وإن كان هناك أبطال ينقلون ما يدور بين ثنايا المجتمع ويكشفون نواقصه وصراعاته، ولم يكن هناك أى مط أو تطويل رغم العديد من النصوص التى لعبت على وتر الحب والدفء والصدق والحنين.
يشار إلى أن محمد هشام عبيه هو مؤلف وكاتب سيناريو وصحفى مصرى، عرف بالعديد من الكتب المتنوعة بين النقد والمقالات الأدبيّة والكتابة الساخرة وأدب الرحلات، ومنها: «توم كروز فى شقة العجوزة»، و«الكتاب الأمريكانى»، و«بدون تأشيرة»، و«عزيزى ٩٩٩»، و«حصة قراءة»، كما كتب وشارك فى كتابة سيناريوهات لعدة أعمال درامية ناجحة منها: «٦٠ دقيقة»، «فى كل أسبوع يوم جمعة»، و«زودياك».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved