قمة الجزائر.. أبو الغيط: التطورات في سوريا تحتاج لجهد عربي مبادر ومرونة من الجميع
آخر تحديث: الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 - 9:39 م بتوقيت القاهرة
كتبت- ليلى محمد
- استراتيجية الأمن الغذائي نموذج للجهد الجماعي العربي في مواجهة الأزمات
- الدفاع عن الدولة الوطنية هو دفاع عن مستقبلنا جميعاً.. ولابد من تكثيف الانخراط العربي في تسوية الأزمات العربية
- مستمرون في تأييدنا للحكومة الشرعية في اليمن.. والحوثيون مازالوا يراوغون
- الإجماع العربي ما زال منعقداً على حل الدولتين كسبيل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية
- نتطلع لانعقاد القمة العربية الصينية في الرياض الشهر المقبل
أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن القمة العربية المنعقدة في الجزائر سوف تواكب تطلعات الرأي العام العربي وطموحاته، معتبرا أن استراتيجية الأمن الغذائي العربي المطروحة على القادة العرب ما هي إلا نموذج لما يمكن أن يكون عليه جهد الدول العربية بشكل جماعي في مواجهة الأزمات.
وقال أبو الغيط في مستهل كلمته أمام الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة الدورة العادية الـ 31، : " لابد أن أغتنم الفرصة، من خلال القمة العربية ، لنترحم جميعا ًعلى القادة العرب الذين رحلوا عن عالمنا منذ انعقاد القمة الماضية، وكانوا في موقع المسئولية وقت أن وافتهم المنية.. الرئيس الباجي قايد السبسي- رئيس تونس الراحل، وصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الراحل.. وصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- سلطان عمان الراحل.. وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات الراحل.. لقد تشرفتُ بلقاء ومعرفة هؤلاء القادة العظام، وأتذكر بكل تقدير وعرفان عطاءهم السخي لبلادهم وللأمة العربية جمعاء.
وأضاف أن هذه القمة تلتئم بعد ثلاثة أعوام من انقطاعٍ فرضته ظروف الجائحة... وأحسب أن انعقاد القمة جاء في وقته، إذ أن ما يشهده العالم من تغيرات غير مسبوقة منذ عقود.. وما ترتبه هذه التغيرات في الظروف الدولية من تبعات هائلة على الشعوب والدول عبر العالم.. يجعل القمة ضرورةً واجبة، وفرصة سانحة لكي نرتب أوراقنا... ونناقش قضايانا ومواقفنا العربية في عالمٍ تتحرك أحداثه في سيولة مخيفة.. وتتوالى أزماته في تتابع مروِّع.
وأكد أبو الغيط على أن المنطقة العربية، شئنا أم أبينا، تقع في قلب الأزمات .. فهي، من ناحية، ركيزةٌ أساسية في معادلة إمدادات الطاقة وأسعارها العالمية.. ومن ناحية أخرى، هي ضحية أولى للتغير المناخي وآثاره المُدمرة، من حيث الجفاف وغيره .. ومن ناحية ثالثة، تُعاني المنطقة من تهديد خطير لأمنها الغذائي، كما تقع غالبية دولُها في نطاق الفقر المائي... فضلاً عما تواجهه بعض دولها من تصرفات غير قانونية من جانب جيرانها من شأنها تعريض أمنها المائي للخطر.
وأشار إلى أن هذه الثلاثية الخطيرة .. الغذاء والطاقة والمناخ.. تُمثل حلقة متصلة، ومنظومة مترابطة.. فإنتاج الغذاء يعتمد على أسعار الطاقة واستقرار المناخ.. والتغير المناخي يتأثر في الأساس بالانبعاثات المتولدة عن انتاج الطاقة .. والعناصر الثلاثة صارت عنواناً للأزمة العالمية التي نشهدها حالياً .. بكل تبعاتها الاقتصادية والإنسانية التي تتحملها الشعوب، والتي قد تشتد وطأتها في هذا الشتاء.. ولا شك أننا نتابع جميعاً الآثار المزدوجة للجائحة والحرب في أوكرانيا.. وما أفرزته ولا تزال من تبعاتٍ اقتصادية سلبية.. صار واضحاً أن العالم أجمع سيضطر للتعامل معها لفترةٍ طويلة قادمة.
كما أكد أبو الغيط على أن دولنا العربية في حاجة ماسة لاستراتيجية شاملة للتعامل مع "حالة الأزمة الممتدة".. يحتاج الأمر في تقديره إلى تفكير طويل المدى من أجل تحصين المجتمعات العربية وتعزيز صمودها في مواجهة صدماتٍ داهمة ونوازل مفاجئة.
وأشار خلال حديثه لاقتناعه الراسخ بأن مثل هذا التفكير لا يُمكن إلا أن يتبلور في إطار جماعي وبنهج تكاملي، لأن في مقدور العرب فعل الكثير إن هم حشدوا الإمكانيات العربية، وهي كبيرة ومتنوعة، على نحو صحيح وبمنهج علمي... وليست استراتيجية الأمن الغذائي العربي، المعروضة على القمة، سوى نموذج ومثال واحد لما يُمكن أن تقوم به الدول العربية بشكل جماعي في مواجهة أزماتها.
وتابع أن الأوضاع العالمية تفاقم متاعب دولنا .. فهي تداهم المنطقة العربية وهي لم تخرج بعد من واحدةٍ من أخطر الأزمات والتحديات في تاريخها الحديث.. لقد مرّ على المنطقة عِقدٌ صعب، ولا زالت بعضُ دولِنا تعيش أوضاعاً لا تُهدد فقط أمنها واستقرارها.. بل وجودها ذاته...لا زالت الدولة الوطنية، ذات السيادة والاستقلال والقرار المستقل، تتعرض لهجمة شرسة في بعض أركان منطقتنا.. من الإرهاب والميلشيات والجماعات المسلحة.. وأيضاً من أطراف غير عربية، في جوار الإقليم العربي، تُحرض وتُمارس تدخلاتٍ غير حميدة في المجتمعات العربية بهدف بسط النفوذ والهيمنة.
وأكد أن الدفاع عن الدولة الوطنية، دولة المواطنة وحكم القانون .. التي لا يكون ولاء مواطنيها سوى لعلمها ومصالحها وعروبتها، هو دفاع عن مستقبلنا جميعاً، لافتا أيضا إلى أن الصراعات الدامية التي تُدمي قلب الأمة ... هي تهديد لنا جميعا. مناشدافي هذا الإطار زعماء الأمة وقادتها، ألا يتركوا هذه الجراح النازفة تأتي على حاضر الأمة ومستقبلها.
وأشار إلى معرفته التامة بأن هناك دول عربية تقوم بالكثير من أجل التخفيف من وطأة الأزمات، ومن أجل نجدة إخوانهم العرب في وقت الشدة... هناك، على سبيل المثال، دول تستضيف مئات الآلاف – وأكثر- من اللاجئين السوريين.. ودول تفعل كل ما بوسعها لكي لا يسقط إخواننا في اليمن والصومال في هوة المجاعة.
وأضاف:" بكل صراحة إن إطفاء الأزمات العربية المشتعلة وليس فقط التخفيف من حدتها أو التعايش معها... أصبح واجباً أكثر من أي وقتٍ مضى، ولم يعد مقبولاً الإلقاء بأزماتنا العربية على كاهل مجتمع دولي ينوء بأحمال ثقال، وينشغل بقضايا أخرى ضاغطة ومُلحة"
وأكد أن الإرادة العربية قادرةٌ على التدخل الفعال لتسوية الأزمات العربية، إن هي استجمعت قوتها الإجمالية... وهذه الجامعة العربية هي محصلةُ إرادات الدول العربية.. وقدرتها على التحرك والفعل مرهونة بحجم الدعم والتفويض الممنوح لها من الدول، مشيرا إلى يقينه أنها قادرة على التحرك إن اجتمعت الإرادة وتحقق التوافق المطلوب.
وتابع أبو الغيط :" إنني من أشد أنصار تعريب حلول وتسويات الأزمات التي تواجه بعض دولنا. صحيحٌ أن المشكلات معقدة وتتشابك فيها المصالح والأيدي الإقليمية والدولية... لكن يبقى أننا كعرب نفهم بعضنا، ونعرف حدود مصالحنا أكثر من أي طرف خارج منظومتنا"
كما دعا إلى تكثيف الانخراط العربي في تسوية المشكلات والأزمات العربية، معربا عن أمله أن تُفضي إلى تحقيق نتائج إيجابية.
في السياق ذاته، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية إن "التطورات في سوريا لازالت تحتاج إلى جهد عربي رائد ومبادر يضع البصمة العربية على خارطة تسوية الوضع المأزوم في هذا البلد العربي المهم.. ويحتاج الأمر إلى إبداء المرونة من جميع الأطراف المعنية حتى يُمكن تبديد ظلمة الانهيار الاقتصادي والانسداد السياسي وغلق صفحة الماضي بآلامها، والسعي نحو وضع جديد يُتيح انخراط سوريا في محيطها العربي الطبيعي، وفي جامعتها العربية التي هي من دولها المؤسسة".
وأضاف: "أما في ليبيا، فإننا نتابع عن كثب كافة التطورات.. ونقول إن الأمور تحتاج إلى مزيدٍ من المرونة من كافة الأطراف الليبية -وبمساعدةٍ عربية أساساً وهي ممكنة- من أجل تخطي العقبات التي تحول دون إجراء الانتخابات في القريب.. وستستمر الجامعة في متابعة الأمر بكل تجردٍ، واضعةً نصب أعينها هدف تحقيق تطلعات الليبيين على أساس قرارات مجلسكم الموقر".
ومضى قائلا :"في اليمن.. لا زال الحوثيون يراوغون ويُعرقلون. ومع ذلك سنستمر في تأييدنا للحكومة الشرعية ودعمها بكل قوة لمصلحة الشعب اليمني.. فالتطورات الجارية في اليمن هي أحد أبلغ الأمثلة –للأسف- على التأثير الإقليمي السلبي، بل والمدمر، على الشأن العربي"
وتابع: " يُمارس اخوتنا في فلسطين صموداً أسطورياً على الأرض. وقضيتهم هي قضيتنا جميعاً.ونضالهم الطويل شرفٌ لهذه الأمة، وبُشرى بأن ليل الاحتلال مهما طال سيبدده فجر الحرية والاستقلال"، مؤكدا أن تعزيز هذا الصمود الفلسطيني البطولي، والدفاع عن هذه القضية المحورية، هو واجبٌ على كل عربي.
ومضة قائلا:" نتابع جميعاً ما يجري من تصعيد في الأراضي المحتلة بسبب سياسات القمع والقتل التي يُمارسها الاحتلال بدم بارد. إنه تصعيد يُنذر بما هو أسوأ. وللأسف الشديد يقف العالم مكتوف الأيدي.. لا يُدافع عن حل الدولتين سوى من طرف اللسان.
وأكد أبو الغيط على أن الإجماع العربي ما زال منعقداً على حل الدولتين كسبيل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية..ولا يرى طريقاً لذلك سوى إطلاق عملية سلمية جادة، على أساس من المرجعيات المعروفة والقانون الدولي.
كما دعا جميع دول العالم للانضمام إلي العرب في هذا النضال السلمي، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والموافقة على عضويتها في الأمم المتحدة، مشيرا إلى حاجة الدول العربية، أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى تعزيز شراكاتها عبر العالم.
وعبر عن تطلعه إلى انعقاد القمة العربية-الافريقية الخامسة في الرياض العام المقبل. وكذا إلى القمة العربية-الصينية التي تُعقد في الرياض أيضاً الشهر المقبل ، متوجها بالدعوة لاغتنام هذه المنتديات الدولية المهمة لتعزيز المصالح العربية الجماعية ودعم مواقفنا على الصعيد الدولي.
وأعرب أبو الغيط في ختام كلمته عن تطلعه أن تكون هذه القمة بحق، قمة لمِّ الشمل، ورأب الصدع، واستجماع الإرادة، مشيرا الى البشائر والعلامات الإيجابية التي تعد مؤشرا لأن هذه القمة سوف تواكب تطلعات الرأي العام العربي وطموحاته في أن يتحول التضامن العربي، وهو راسخ في الشعور والوجدان، إلى برامجِ عملٍ وخططٍ تكاملية يلمسها المواطن في حياته ويشعر بها في معاشه.