القاهرة الخديوية.. توحيد الواجهات بين تأييد الفكرة ومعارضة «الإسطمبة»

آخر تحديث: الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 4:52 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

أصحاب المحال التجارية: فقدنا جزء من هويتنا.. ووزارتي الآثار والإسكان: نسعى لإعادة القاهرة الخديوية
رئيس معهد التخطيط: يجب تمييز المحال عن بعضها.. وعالمة تاريخ وآثار: التغيير في تخطيط المكان ما يعيد للقاهرة تراثها

واجهات جديدة بذات اللون تزين العقارات، ولافتات موحدة للمحال التجارية، تدهش المارة والمواطنين وتلفت انتباههم، تثير إعجاب البعض بالتجديدات التي أعادت لمباني القاهرة التاريخية رونقها الحضاري وأحيت تراثها وأعادتها لما كانت عليه قديما، بينما تجلب انتقاد آخرين من التوحيد "المبالغ فيه" الذي جعل المحال التجارية "إسطمبة" واحدة.

بمجرد أن تطأ قدمك القاهرة القديمة وتحديدا شوارع وسط البلد وميادينها كميدان التحرير، تجد العقارات وقد جُددت واجهاتها ووُحدت تصميماتها وألوانها وألوان لافتات محالها التجارية، لتبدو بشكل موحد يحافظ على التنسيق الحضاري ويتماشى مع الطراز المعماري للمدينة التاريخية.

ونُفذ المشروع بقرار من رئيس مجلس الوزراء، بالتنسيق بين وزارتي السياحة والآثار والإسكان ومحافظة القاهرة، لإعادة القاهرة الخديوية لرونقها الحضاري وإظهار العمارات التاريخية في شكلها التراثي.

ومنطقة القاهرة الخديوية أو ما يطلق عليها "وسط البلد" حاليا، تضم 500 عقار يشكلون تحفا فنية بقلب العاصمة، حرص الخديوي على بنائها على أفضل طراز معماري لتضاهي العاصمة في جمالها كل العواصم الأوروبية.

ومؤخرا شهدت القاهرة الخديوية، ترميم ما يتخطى 300 عقار ذات الطراز المعماري التاريخي، بالإضافة إلى تطوير ميدان التحرير بالكامل وجميع العقارات المحيطة به وتوحيد جميع واجهاتها وواجهات محالها التجارية لتبدو بشكل موحد يحافظ على التنسيق الحضاري ويتماشى مع الطراز المعماري للمدينة التاريخية.

- أصحاب المحال التجارية: تضررنا من أجل الصالح العام والتعديلات أغلقت محالنا لشهر كامل

داخل محله التجاري، الواقع بإحدى عقارات ميدان محمد فريد التي تم تجديدها وتوحيد لونها، أعرب سلامة محمد (اسم مستعار)، عن إعجابه بقرار توحيد ألوان الواجهات للعمارات، لتظهر بشكل مميز أعادها لما كانت عليه عندما جاءها صغيرا يعمل كصبي في محله.

لكن الرجل الأربعيني، استنكر قرار توحيد واجهات المحال التجارية لجعلها نموذج واحدا لا يختلف أي محل عن الآخر، فجعلت محل الملابس يشبه محل الأيس كريم ولا يختلف كثيرا عن محل البقالة، الأمر الذي اعتبره سلامة أنه ضياع لهوية المحال التجارية، ويجعل الزبائن يتشتتون ولا يعرفون المحل الذي يقصدونه بسهوله كما كان في السابق.

سلامة، أكد أن واجهة العمارة يتم العمل فيها منذ عامين، حتى تم الانتهاء منها قبل ما يقارب أسبوعين، وذلك أثر على عملهم بالسلب، حيث أقفلت محالهم التجارية لشهر كامل، في مرحلة واجهات المحلات، فيقول: "قعدت في البيت بدون أي مصدر دخل، لا جنيه داخل ولا جنيه خارج، لحد ما واجهة المحل اكتملت".

أما رضا ناصر (اسم مستعار)، أحد أصحاب المحال التجارية بنفس العقار، فأكد أن واجهة العمارة تمت على ثلاث مراحل، في البداية استغرقت أعمال التكسير شهرا واحدا، نصبت فيها "السقالات" وبدء العمل في تغيير واجهة العمارة، ثم عادت لتنصب مرة أخرى لمدة 3 شهور لاستكمال أعمال الدهانات، قبل أن تعود "السقالات" مرة أخرى وتستمر لمدة 4 شهور أخرى شملت الشهر الأخير الذي تم فيه إغلاق المحلات التجارية بالكامل وتغيير واجهاتها.

وتابع الشاب الثلاثيني، أن الشركة المنفذة للمشروع طالبتهم بمبلغ مالي كبير جراء التجديدات التي أضافاتها على واجهة محله التجاري، وصلت لـ 160 ألف جنيه، ولكن لم يتم تحصيلها منهم حتى الآن، مشيرا إلى أنه كان قد جدد واجهة محله التجاري في القريب وقبل بدء الشركة في تنفيذ مشروع توحيد الواجهات، بتكلفة زادت عن 80 ألف جنيه للمحل من الخارج فقط.

أما رجب عيد (اسم مستعار)، صاحب أحد المحال التي جُددت واجهاتها أيضا بوسط البلد، فأوضح أن تجديد العمارة أحياها من جديد وجعلها وجهة مشرفة وتضاهي العمارات التراثية في أوروبا، لكنه استنكر الإضاءة الخافتة التي اعتمدها الحي لإضاءة واجهات المحال التجارية، وطالبوا أصحابها بعدم زيادة أي مصدر جديد للإنارة.

- رئيس معهد التخطيط السابق: يجب تقسيط المبالغ المالية على أصحاب المحلات

الدكتور محمود عبدالحي، أستاذ الاقتصاد الدولي ومدير معهد التخطيط القومي سابقا، أكد لـ "الشروق" أن مشروع توحيد واجهات المحلات يجب أن يراعي الحالة الاقتصادية لأصحاب المحال التجارية خاصة وسط أزمة كورونا وغلاء المعيشة ومحدودية الدخل، مقترحا أن يتم توزيع المبلغ المالي المطلوب من أصحاب المحال على أقساط مريحة لا تشكل عبئا إضافيا عليهم.

وأشاد مدير معهد التخطيط القومي، بمشروع واجهات المحلات الذي اعتبره فكرة إيجابية تعيد للقاهرة القديمة مظهرها الحضاري المميز، وتعيد أمجادها التي كانت عليها منذ ألف عام، وتدر منافعا كثيرة على المنطقة التاريخية، مقدرا أن تتكفل الدولة بأعمال توحيد الواجهات وتحصيلها فيما بعد، على أن تقسم لأقساط مريحة جدا لا تؤثر سلبا على أصحاب المحال أو تزيد الضغوطات عليهم.

وعن التوحيد الكامل لألوان وواجهات المحال التجارية، أكد عبدالحي، ضرورة تمييز كل محل تجاري عن الآخر، وجعل لافتات المحال تبرز تخصصاتها، ليكون المطعم مختلف عن محل الملابس الرياضية مختلفا عن محل ملابس الخروج وعن محلات البقالة، حتى لا يصعب الأمر على المواطنين والزبائن، ولكي لا تضيع هوية المحال التجارية.

- عالمة آثار: يجب إعادة تخطيط شوارع القاهرة لإعادة تراثها

وأوضحت الدكتورة مونيكا حنا، العميدة المؤسسة لكلية الآثار والتراث الحضاري بالأكاديمية العربية للعلوم البحرية، أن مشروع تغيير واجهات العقارات والمحال التجارية لإعادة التراث الحضاري للقاهرة الخديوية يجب أن يكون له اشتراطات محددة للتراث المعماري دون المساس بحرية أصحاب المحلات أو سلب هويتهم.

وأشارت إلى ضرورة إقرار اشتراطات تحدد أحجام اللافتات والخطوط المستخدمة والألوان وترك حرية الاختيار لأصحاب المحال التجارية، بشرط ألا يعتدي على الطراز المعمار للواجهة، وذلك حتى يكون هناك تنوعا في الأذواق، ولا تحول المنطقة التاريخية إلى مكان أشبه بمواقع التصوير المزيفة، التي لا روح فيها، أو جعلها نسخة مكررة من مدينة الانتاج الإعلامي".

واقترحت أن يعود القائمون على المشروع إلى لافتات المحال التجارية التي تعود لحقبة الخمسينيات والأربعينيات واللافتات التاريخية لمقارنة شكلها باللافتات الحالية، واختيار أكثر الواجهات المتقاربة معها، والتي ستكون مختلفة عن بعضها البعض، مضيفة أن وضع تلك الصور التايخية في "الفاترينات" أو الواجهات الزجاجية ستكون فكرة جيدة للغاية لإعادة الزمن للخلف وتعريف الناس بالقاهرة الخديوية.

وتابعت أن تغيير منطقة وسط البلد لا يجب أن يقتصر على تغيير واجهات العقارات والمحال فقط، لإعادة تراثها وتاريخها بل يجب توفير أماكن للتنزه فيها كما كانت القاهرة الخديوية، لكي تستوعب المنطقة المشاه بإغلاق بعض الشوارع وجعلها تقتصر على المشاه فقط، وهو ما أشار القائمين على المشروع بتنفيذه في المراحل المتقدمة.

- آراء المصريين: بين مؤيد للتجديدات الحضارية وتكرارها ومعارض للتوحيد المبالغ فيه

صور العمارات التي تم تجديدها وتوحيد واجهات سرعان ما انتشرت بشكل موسع بين المارة في منطقة وسط البلد والمواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، فاختلفت آراؤهم بين مؤيد للتجديدات التي أحيت المنطقة وأعادتها لتراثها الحضاري وبين معارض لفكرة التوحيد "المبالغ فيه" التي اعتبروها "جريمة لم تحترم تاريخ القاهرة ولا الخطاطين والمصممين فيها".

واقترح حسين العزت، توظيف عشرات الخطاطين والحرفيين الذين صنعوا جماليات القاهرة في القرن الماضي وتكليفهم بصناعة الواجهات الجديدة، لكل محل حسب شخصيته وتخصصه، ليتابع مستنكرا: "التوحيد مناسب فقط لأزياء الطلاب في حفل تخريجهم من الروضة لأجل الصورة الجماعية".

فيما تمنى بعض الشباب تكرار التجربة، التي وصفوها بالعظيمة، في أرجاء الدولة خاصة في المناطق التي تضم مباني أثرية تعود لمصر الملكية والخديوية خاصة كمحطه الرمل والمنشية ومحطة مصر في الأسكندرية.

- التنسيق الحضاري: لدينا رؤية كاملة لإعادة توحيد الواجهات

المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، أكد أن الجهاز لدية رؤية كاملة لإعادة توحيد كافة لافتات وواجهات المحال بوسط البلد، فيتم تنفيذ الخطة لتوحيد الواجهات والألوان وخطوط اللافتات الخاصة بالمحلات بكل الشوارع مع استخدام الخامات المناسبة للمنطقة التراثية.

وأكد سعدة، أن الاتجاه العام في التطوير هو الحفاظ على الطراز المعماري مع العودة بشكل المحال لما كان عليه قدر الإمكان، وتصحيح التعديلات التي قام بها أصحاب المحال والتي أثرت على الشكل العام وغيرت ملامح العقارات، وذلك بالتنسيق مع الأحياء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved