مؤسس صفحة قاوم لـ«الشروق»: بعض الأشخاص يتخذون الابتزاز مهنة للحصول على المال

آخر تحديث: الأربعاء 1 ديسمبر 2021 - 5:26 م بتوقيت القاهرة

ياسمين سعد

الابتزاز الإلكتروني .. أزمة انتشرت في المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت ظاهرة خلال الأشهر الماضية، حيث تصدرت عناوين أخبار شهر أكتوبر الماضي قصة انتحار إحدى الفتيات فيما عرفت إعلاميا بفتاة الهرم، بسبب تعرضها للابتزاز.

وبالرغم من شهرة الحادث ومحاولة مواجهة أزمة الابتزاز حفاظا على أرواح الفتيات اللاتي يتعرضن لهذا النوع من الجرائم، إلا أنه لم تمر سوى أيام قليلة حتى تصدرت عناوين الأخبار حوادث أخرى بسبب نوع جديد من الابتزاز وهو ابتزاز الدجل والشعوذة، أبرزها القضية التي عرفت إعلاميا باسم حامل في شبح، والتي ادعت صاحبتها بأن هناك أحد الدجالين قام بابتزازها لتتزوج منه، ولم تكن هذه هي الحالة الوحيدة، فهناك عشرات القصص المشابهة.

لهذا فتحت الشروق مناقشة حول الابتزاز الإلكتروني، فما هي أسبابه؟ وكيف يحمي الفتيات أنفسهن من الابتزاز؟ وما هي الحقوق القانونية التي يجب أن يعلمها من يتعرض للابتزاز؟ كل هذا وأكثر سنقدم إجاباته خلال هذا الملف.

قاوم .. محاربة الابتزاز بدأت من هنا

حاورت الشروق محمد اليماني مؤسس صفحة قاوم على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" التي تعتبر بمثابة الملاذ لمعظم الفتيات اللاتي تعرضن للابتزاز على الإنترنت، فبعدما أطلقها في شهر يونيو من العام الماضي، وجد اليماني آلاف الرسائل التي ترسل إليه من فتيات تعرضن للابتزاز.

برر اليماني انتشار هذه الحوادث بشكل كبير خلال العام الماضي بسبب فترة العزل لجائحة فيروس كورونأ، التي جعلت بعض الشباب بلا عمل، ولا يفعلون شيئا سوى الحديث على الإنترنت، ما جعلهم يستغلون بعض الفتيات، عن طريق ابتزازهن للحصول على مبالغ مادية كبيرة.

أطلق اليماني الشاب الثلاثيني، صفحة قاوم بسبب غضبه الشديد من الابتزاز، حيث حاول في البداية مساعدة فتاة يعرفها معرفة شخصية تعرضت لهذه الأزمة، ولكن لم تمض سوى أيام قليلة قبل أن تنتحر الفتاة؛ ظنا منها أن أمرها سينفضح للجميع.

ووسط وفاة الفتاة ورؤيته للمبتز يكمل حياته بشكل طبيعي ويبتز فتيات أخريات، لم يجد اليماني بدا سوى من محاربته، فأسس صفحة قاوم على موقع "فيسبوك" لمحاربة هذا الشاب وكل من يحاول سلب فتاة حياتها عن طريق ارتكاب هذه الجريمة.

حاول بعض المبتزين التشكيك في مصداقية "قاوم" في بدايتها، ولكن كان اليماني وفريقه يقدمون كل ما يثبت صحة الحوادث التي يتعاملون معها، فزاد الدعم حتى تجاوز متابعي الصفحة 630 ألف شخص بالجهود الذاتية فقط.

يؤكد اليماني للشروق، أن الابتزاز أصبح ظاهرة في المجتمع المصري؛ لأن عدد الحالات في ازدياد يوما بعد يوم، فتتسلم قاوم يوميا 700 حالة ابتزاز على الأقل، وقد يصل عدد الحالات في اليوم الواحد إلى 1000 حالة، موضحا أن الصفحة استقبلت منذ إنشائها في يوليو لعام 2020، ما يزيد عن 400 ألف حالة ابتزاز.

من هو المبتز وما هي صفات ضحايا الابتزاز؟

بخبرته في التعامل مع حالات الابتزاز عبر صفحة قاوم، أوضح اليماني للشروق أن جميع المبتزين الذين تعامل معهم يتشاركون في عدد من الصفات أبرزها: أنهم أشخاص انطوائيين، فاقدين الثقة لأنفسهم تماما، يستهدفون الضحية ذو الخبرة القليلة في الحياة، والتي يعلمون أنها ستقع فريسة سهلة لابتزازهم.

أشار اليماني إلى أن المبتز يشعر بداخله بنقص كبير، ولذلك يحاول إكماله بأي شكل من الأشكال، فيلجأ إلى ابتزاز الفتيات لشعوره بعدم إعجاب أي فتاة به طواعية، فيحاول إجبارها على ذلك وعلى التعامل معه، ثم يستغلها جنسيا من خلال ابتزازها، مؤكدا أن معظمهم يدمنون مشاهدة الأفلام الإباحية.

أوضح اليماني أن هناك نوع آخر من المبتزين، وهم ممتهني الابتزاز، فهم يستهدفون الضحية التي ستدفع لهم مبالغ مالية كبيرة مقابل عدم فضحها، دون أن يقوموا بالتحرش جنسيا بالضحية، ويعيشون حياتهم كعمال في مهنة الابتزاز، يتنقلون بين ضحية وأخرى.

أما عن صفات ضحايا الابتزاز، أكد اليماني دهشته في بداية عمله بقاوم لأنه وجد أن جميع فئات المجتمع تخضع للابتزاز، موضحا أنه لم يكن يتصور أن هناك شخصيات مثقفة وذوو منصب جيد في المجتمع من الممكن أن تخضع لابتزاز جنسي على يد أحد المبتزين على الإنترنت، والذي يجبرها على إقامة علاقة معه.

ولكن مع تزايد هذه الحالات، أدرك اليماني أن هناك خلل أسري، نفسي، أخلاقي أو عقائدي يجعل الضحية تقع فريسة للابتزاز، ولا يرجع الأمر إلى مستوى معين من الفقر أو الثقافة كما يظن البعض.

استقبلت قاوم العديد من حالات الابتزاز من سيدات من جميع الأعمار بدءا من 12 عاما وصولا إلى سيدات تجاوزن الـ60 عاما، كما تنوعت الحالات الاجتماعية للسيدات اللاتي تعرضن للابتزاز، فمنهن العزباء، المتزوجة، والمطلقة، وهن يعملن في جميع الوظائف والمستويات المختلفة، ولا يوجد تركيز من المبتزين على فئة معينة من السيدات، فالجميع يتعرض له.

أوضح اليماني أنه بالرغم من أن الفئة الأكبر في التعرض للابتزاز من السيدات، إلا أن هناك رجال يتعرضون للابتزاز أيضا على يد نساء مبتزات، مؤكدا أن هذه الجريمة لا ترتبط بأي شيء وليس لديها معايير معينة سوى العلل الأخلاقية التي انتشرت في المجتمع.

أشار اليماني للشروق إلى أن عدم الحذر من الآخرين هو المفتاح الأول للتعرض للابتزاز، فمشاركة سر صغير لصديق أو صديقة مقربة، والتسرع في الثقة في الآخرين خاصة ممن نتعرف عليهم على الإنترنت، قد يتحول سريعا إلى حالة ابتزاز قاسية، ينتج عنه إذلال نفسي كبير للضحية.

وعن موقف الأهالي عند تعرض بناتهن للابتزاز، قال اليماني إن معظم الأسر تتعامل بعنف كبير مع الضحايا، مما يضطر "قاوم" إلى التدخل والتحدث مع الأهل وتوعيتهم بهذه القضية الكبيرة؛ لمحاولة تهدئة الأحوال بين الفتاة وأسرتها.

كيف تقاوم قاوم المبتزين؟

شرح اليماني للشروق آلية صفحة قاوم في التعامل مع حالات الابتزاز قائلا: "نتعامل بأكثر من طريقة مختلفة لحل مشكلات الابتزاز، فكل موقف يختلف عن الآخر، فهناك حالات نبلغ عنها الشرطة على الفور لما يرتكبه المبتز من جرائم في حق الضحية، وهناك حالات أخرى نتحدث فيها مع المبتز ونقوم بتوعيته، حتى يتم حل المشكلة وديا".

وأضاف، "هناك حل آخر يجدي نفعا كبيرا ولكننا نستخدمه بشكل محدود، وهو ابتزاز المبتز كما فعل مع الضحية، فنقوم بتهديده بفضحه أمام أسرته ومجتمعه إذا لم يتوقف عن ابتزاز الضحية، وعندها فقط يتوقف عن أفعاله".

مواجهة أهالي الضحية للمبتز من أبرز الحلول القوية التي تنهي مشكلات الابتزاز كما يوضح اليماني، فعندما يتفهم الأهالي طبيعة المشكلة ويقفون مع ابنتهم لحلها، يعلم المبتز أن هناك من يدافع عن الضحية، وأنها لن تقع فريسة لابتزازه، ويتوقف وقتها عن ابتزازها.

الإنكار يتصدر المشهد عندما يتم مواجهة المبتز بجرائمه، فهو لا يعترف بما فعله ظنا منه أن سينجو بفعلته إذا أصرّ على الإنكار، كما تنكر الأسرة أيضا أفعاله؛ لعدم تصديقهم في البداية إمكانية ارتكاب الابن مثل هذه الأفعال، ولكن بمواجهة الأهالي بالإثباتات، يتحدثون بدورهم معه لحل الأزمة منعا للفضيحة.

"وإن عدتم عدنا"، شعارا اتخذته قاوم لمواجهة كل مبتز، حيث يقدم المبتز لفريق قاوم جميع الضمانات القانونية التي تؤكد عدم عودته لابتزاز الضحايا مرة أخرى، على أنه فور عودتهم للابتزاز، ستعود قاوم لمواجهتهم مرة أخرى.

أكد اليماني محاولة عشرات الفتيات لإنهاء حياتهن بسبب الابتزاز قائلا: "عايشنا حالات كثيرة لفتيات أقدمن على الانتحار بسبب الابتزاز، سواء اللاتي لم يجدن أي شخص يساعدهن، أو فتيات يقدمن على الانتحار ممن نحاول مساعدتهن بالفعل؛ وذلك بسبب شدة الأذى النفسي والرعب الذي عشنه، حتى أنهن يشعرن بأنهن سيبقين داخل هذه الدائرة للأبد، والحل الوحيد لكسرها هو الانتحار".

ما الحل العملي الأمثل للقضاء على الابتزاز الإلكتروني؟

من خلال تجربته في مواجهة الابتزاز لأكثر من عام ونصف، ذكر اليماني أن أول حل لمواجهة هذه الأزمة هو أن يسلك ضحايا الابتزاز الطرق القانونية، مشيرا إلى أنه بالرغم من وجود قوانين تضمن لمن تعرض للابتزاز حقوقه، إلا أنهم لا يحررون محاضر ضد المبتزين، ويفضلون التواصل مع قاوم، خوفا من "بعبع" المجتمع، وأن هذه أفكار خاطئة يجب التوعية بشأنها.

كما أوضح اليماني أنه على الدولة نشر التوعية بحقوق ضحايا للابتزاز، وحماية بياناتهم لتشجيعهم على تحرير محاضر ضد المبتزين، مطالبا مؤسسات الدولة المدنية والحقوقية بنشر التوعية بين ذوي ضحايا الابتزاز؛ حتى لا يقوموا بتعنيف الضحايا ومعاملتهم بقسوة.

وأضاف أن بطش الأسرة والأقارب هو السبب الأول لتشويه الضحية نفسيا، ووصولها لمرحلة تسليم نفسها للإذلال من قبل المبتز؛ خشية علم أسرتها بالحقيقة، متابعا: "إذا وقف الأهالي مع الضحايا، لن يكون هناك مشكلة".

أكد اليماني أيضا على أهمية دور المؤسسات الدينية في التوعية الشرعية بحجم جريمة الابتزاز، وأن التعليم يساهم في عدم خلق جيل جديد من المبتزين، لافتا إلى ضرورة إرسال الحملات الاجتماعية التوعوية للمدارس والجامعات، لترسيخ بشاعة جريمة الابتزاز في نفوس الشباب والأطفال.

ونوه إلى سعي فريق عمل "قاوم" إلى إشهارها كمؤسسة رسمية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، لتكون قريبا أول جمعية أهلية متخصصة في مكافحة الابتزاز في مصر، كما أنها ستطلق تطبيقا توعويا لتوضيح القوانين التي تحمي من الابتزاز، بجانب الخطوات التي يجب على الضحايا اتباعها للحصول على حقوقهم من المبتزين بسهولة.

وفي نهاية الحديث، حذر اليماني من موجة ابتزاز جديدة تواجهها "قاوم" حاليا وهي الابتزاز عن طريق الدجل والشعوذة، بعدما استقبلت الصفحة عشرات الحالات التي يتم فيها ابتزاز الضحية عن طريق أحد الدجالين، وتكون هذه الابتزازات معظمها جنسية مقابل جلب الشيخ للحبيب، أو إجبار الزوج على العودة إلى منزله، وما يشابهها من أزمات.

وذكر أن هذه النوعية من الابتزازات لا تخضع فقط ضمن جرائم الابتزاز، ولكنها أيضا تصنف ضمن جرائم الاتجار بالبشر، مؤكدا أن الصفحة ستقاوم هذا النوع من الابتزاز بكل قوة قبل أن يتحول إلى ظاهرة كبرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved