قصة أثر (20).. بوابات الإسكندر: السد الذي بناه ذو القرنين لحماية القبائل من شر يأجوج ومأجوج

آخر تحديث: الأحد 2 مايو 2021 - 12:44 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

يضم العالم في جوفه وظاهره كنوز أثرية مهيبة وتحف فنية عديدة بل ومعالم لم يقل رونقها رغم مرور الزمن، كل منها تحوي وتحمل قصتها وأسرارها الخاصة، فوراء كل اكتشاف ومعلم حكايات ترجع لعصور بعيدة وأمكنة مختلفة، على رأسها تلك القطع الفريدة والمعالم التاريخية المميزة في بلادنا، صاحبة الحضارة الأعرق في التاريخ، والتي ما زالت تحتضن أشهر القطع والمعالم الأثرية في العالم.

لذلك تعرض لكم «الشروق»، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسة "قصة أثر"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء القطع والمعالم الأثرية الأبرز في العالم بل والتاريخ.

فمن اليهودية والمسيحية وحتى الإسلام، ذُكرت قصة الملك العظيم، الملقب بـ ذي القرنين، وقصة بنائه سدا ضخما ليمنع قوم يأجوج ومأجوج من إيذاء الشعوب التي كان تسكن العالم، آنذاك، ففي القرآن الكريم، وردت قصة الرجل، الذي آتاه الله مُلكًا عظيمًا، وطاف مشارق الأرض ومغاربها، فكان حاكمًا عادلًا له قوة وسلطان، يعاقب الظالم ويكافئ الصالح.

ففي القرآن الكريم، وتحديدا في سورة الكهف، قال الله تعالى: "قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا".

بوابات الإسكندر.. سد يأجوج ومأجوج

رغم اختلاف العلماء والفقهاء على مر التاريخ حول هوية ذي القرنين ويأجوج ومأجوج وحتى مكان السد العظيم الذي بناه ليحمي العالم من هؤلاء المفسدين، فيُعرف بعض علماء المسلمين ذو القرنين بأنه الإسكندر الأكبر المقدوني، أحد أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ، والذي حكم العالم في القرن الرابع قبل الميلاد، ويرجحون أن يأجوج ومأجوج وهما أمتان من بني آدم، ومن نسل يافث بن نوح -عليه السلام- محبوسون داخل سد ذي القرنين، ويحاولون يوميا الخروج من ذلك السد المنيع.

واستنادًا إلى بعض الكتب التي تناولت خصيصا موقع سد ذي القرنين، وشهادة العلماء والخبراء، فإن السد المنيع أو الردم، كما يعرفه البعض، يقع في أرض القوقاز، بين سدين مائيين وهما بحر الخزر -قزوين حاليا- والبحر الأسود، حيث توجد سلسلة جبلية كالجدار تفصل الشمال عن الجنوب، يقع بينها مضيق وحيد وهو مضيق "داريال" المعروف، الذي يحوى السد، الذي هو عبارة عن جدار (ردم) حديدي أثري، وموجود حتى الآن.

ولهذه المرجحات يعتقد الكثير من العلماء أن سد "ذو القرنين" هو الجدار الحديدي الأثري، الذي يقع في هذا المضيق، والذي يُطلق عليه البعض اسم "بوابات الإسكندر"، والواقع بين أوسيتيا الجنوبية التابعة لجورجيا وأوسيتيا الشمالية التابعة لروسيا، وفقا لما ذكره الكاتب والمؤرخ السوري محمد خير رمضان في كتابه "ذي القرنين، والباحث عبد الله شربجي، في كتابه "رحلة ذو القرنين إلى المشرق".

بالحديد والنحاس.. مواصفات سد ذي القرنين

وفقا لما ذكر بالآيات القرآنية، فقد أحسن ذو القرنين بناء السد؛ حيث بناه بطريقة هندسية مميزة، فشُيد كسد كبير يصعب تسلقه واختراقه، ولعل السبب في نجاح البناء يعود إلى فطنة ذي القرنين، إذ أدرك خطر فساد يأجوج ومأجوج، فأمر العمال ببناء السد من الحديد والنحاس المذاب، لسد التجاويف التي تتخلل قطع الصلب، وبالتالي يُصبح السد محكم الإغلاق، وقويا، وصلبا.

من هم ذو القرنين ويأجوج ومأجوج وقبائلهم؟

وفقا لتقرير نشرته دار الإفتاء المصرية، فإن ذو القرنين المذكور في سورة الكهف في قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا"، كان ملكًا من ملوك الأرض وعبدًا صالحًا مسلمًا، طاف الأرض يدعو إلى الإسلام، فنشر الإسلام وقمع الكفر وأهله وأعان المظلوم وأقام العدل.

وعرفت التقرير يأجوج ومأجوج بأنهما قبيلتان من بني آدم، تنحدران من ذرية يافث بن نوح -عليه السلام- كانوا متوحشين واحترفوا الإغارة والسلب والنهب والقتل والظلم في قديم الزمان، وكانوا يقطنون الجزء الشمالي من قارة آسيا، وغالب كتب التاريخ أشارت إلى أنهم منغوليون تتريون، وأن موطنهم يمتد من التبت والصين جنوبا إلى المحيط المتجمد الشمالي.

أما القبائل التي استنجدت بذي القرنين لحمايتهم من يأجوج ومأجوج، فقد أشار القرآن الكريم إلى أنهم في جهة مشرق الشمس، وأنهم ضعفاء متأخرون في الحضارة، إذ لم يكن لهم من البنيان ما يسترهم من وهج الشمس، وأنهم لا يكادون يفقهون ما يقال لهم؛ ولكن الله هيأ لذي القرنين من الأسباب ما يجعلهم يفقهون عنه ويفقه عنهم، ويرى بعض المؤرخين أنهم كانوا يقطنون في شمال أذربيجان وجورجيا وأرمينيا.

قصة ذو القرنين ويأجوج ومأجوج وبناء السد

ويحكي القرآن قصة بناء ذي القرنين لسد يمنع عدوان يأجوج ومأجوج المفسدين في الأرض؛ فقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ۞ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ۞ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ۞ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ۞ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ [الكهف: 94-98].

وذكر القرآن أن ذا القرنين أثناء طوافه بالأرض بلغ بين السدين، فوجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، فاشتكوا له من الضرر الذي يلحق بهم من يأجوج ومأجوج، وطلبوا منه أن يقيم بينهما سدا يمنع عنهم فسادهم، فاستجاب لطلبهم، فمنع السد الذي أقامه ذو القرنين يأجوج ومأجوج من الخروج، وسيظل السد يمنعهم إلى آخر الزمان عندما يأتي وعد الله، ويأذن لهم بالخروج، وعند ذلك يدك السد، ويخرجون على الناس أفواجاً أفواجاُ كموج البحر "وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ"، وذلك قرب قيام القيامة والنفخ في الصور، "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا".

وقد ذكر القرآن الكريم أيضا قصة يأجوج ومأجوج ونقبهم السد وخروجهم في سورة الأنبياء، وفي قول الله تعالى: "حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا.." [الأنبياء:96-97].

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved