30 عاما على «مذبحة تيانانمين» في الصين... البحث عن الحقيقة والتغيير!

آخر تحديث: الأحد 2 يونيو 2019 - 2:20 م بتوقيت القاهرة

بكين/تايبيه- د ب أ

يتذكر فانج تشانج عملية انسحاب الطلاب "سلميا" من ساحة تيانانمين (ميدان السلام السماوي) في العاصمة الصينية بكين، صباح يوم الرابع من يونيو عام 1989.

كان عشرات الآلاف من الطلاب قضوا تلك الليلة حول "النصب التذكاري لأبطال الشعب" في تيانانمين، بعد أسابيع من الاحتجاجات ضد فساد الحكومة. وفي تمام الساعة الرابعة فجرا، كانت آخر المجموعات الطلابية تغادر الساحة في الوقت الذي اقتربت فيه الدبابات منها.

في وقت سابق من الشهر الجاري، سرد فانج وقائع هذه التجربة التي خاضها، خلال فعالية أقيمت في تايوان لإحياء الذكرى الثلاثين لمذبحة تيانانمين التي خلفت مئات الضحايا، على الأقل، وفي بعض التقديرات عدة آلاف.

قال فانج، وهو رئيس مؤسسة التعليم الديمقراطي الصينية، غير الربحية: "كنت شاهدا على مذبحة الرابع من يونيو وأحد ضحاياها."

وطالب فانج بإجابات شافية بشأن من أعطى الأوامر للجيش بالانقلاب على المحتجين، ولماذا.

وجلس فانج على المنصة إلى جوار لي شياومينج، وهو ضابط سابق في "جيش الشعب الصيني" (جيش تحرير الشعب) كان ضمن القوات العسكرية التي أطبقت علي ساحة تيانانمين قبل ثلاثة عقود.

وقال فانج: "لم نعد نطيق الانتظار أكثر من ذلك... آمل أن يُكشف النقاب قريبا عن حقيقة ما جرى في الرابع من يونيو، وأن يتم القصاص".

وفي البر الرئيسي، الصين، يحظر الحديث تماما عن هذه الذكرى، كما تم تشديد الرقابة على الانترنت في الفترة القريبة من هذه التاريخ، وتم حجب أي إشارة مبطنة لهذه الذكرى من جميع وسائل التواصل الاجتماعي، بصورة أوتوماتيكية، مثل " مايو 35" أو باستخدام أيقونة الشمعة التعبيرية.

ويخضع الناجون من أحداث تيانانمين وأفراد أسرهم الذين لا يزالون في الصين لمراقبة صارمة وهم ممنوعون من الحديث إلى الصحفيين الأجانب.

وتأتي الذكرى الثلاثين لأحداث تيانانمين في وقت يتسم بحساسية خاصة بالنسبة للنظام الحاكم في الصين، حيث يشهد اقتصاد البلاد تباطؤا نتيجة الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، كما تواجه بكين انتقادات متنامية بسبب عمليات الاحتجاز الجماعي لأفراد الأقليات المسلمة وتضييق الخناق على جميع الحريات المدنية.

ولكن الأمر يختلف بالنسبة لمن كانوا في ساحة تيانانمين في ذلك اليوم، والذين غادروا الصين بعد سنوات نتيجة الضغوط التي مارستها الحكومة الصينية في أعقاب المذبحة، فهم لم ينسوا أحداثها أبدا.

"أوامر غامضة للتنصل من المسؤولية"
بعد مغادرة ساحة تيانانمين في صباح الرابع من يونيو قبل ثلاثين عاما، توجهت مجموعة فانج إلى شارع "ويست شانجان أفينيو"، وهو شارع واسع متعدد الحارات، وواصلوا المسير صوب الغرب. وفجأة، رأوا عددا من الدبابات يلاحقهم. ويتذكر فانج، الذي كان آنذاك طالبا في السنة النهائية يقترب من التخرج من "معهد بكين للتربية البدنية"، كيف كانت الدبابات تطلق قنابل الغاز على المجموعة.

ومرت قذيفة على مقربة منه، واكتنف دخان أسود كثيف أفراد المجموعة، وأصيبت طالبة من نفس الجامعة التي يدرس بها فانج بحالة إغماء، وحملها الشاب ليسرع بها إلى موقع آمن، ومر بها من فوق حاجز حديدي على رصيف الشارع.

وقال فانج في شهادة أمام مجموعة حقوقية: "في لمح البصر، كانت الدبابة تقترب من الرصيف لتطبق علي"، مضيفا: "بدا الأمر وكأن فوهة مدفع الدبابة على مسافة سنتيمترات من وجهي. لم استطع أن اتحاشاها في الوقت المناسب. ألقيت بنفسي على الأرض وبدأت اتدحرج. ولكن الأوان كان قد فات. سقط الجزء الأعلى من جسدي بين عجلات الدبابة، ودُهِسَت ساقاي."

وعاد فانج إلى وعيه في وقت سابق بأحد المستشفيات المحلية، وقد بترت ساقاه.

وحاول فانج لاحقا مواصلة مسيرته الرياضية عبر تمثيل بكين في مسابقات رياضية، ولكنه غادر البلاد في ظل استمرار تضييق السلطات الصينية الخناق عليه، حيث أرادت منه أن يكذب بشأن فقدان ساقيه في أحداث تيانانمين. وهو يقيم الآن برفقة أسرته في منطقة "سان فرانسيسكو باي" بالولايات المتحدة الأمريكية.

وخلال الفعالية التي أقيمت في تايوان، بدا الذهول واضحا على لي، الضابط السابق بجيش تحرير الشعب، وهو يطرح السؤال: من أصدر الأوامر للجيش بالهجوم على المحتجين؟

وقال لي: "لم يصدر أحد أمرا مباشرا بإطلاق النار والقتل"، مضيفا أن زعيم الحزب الشيوعي في ذلك الوقت، دينج شياوبنج، أعطي "أوامر شديدة الغموض" من أجل تمرير المسؤولية إلى مرؤوسيه.

وأوضح: "على سبيل المثال، صدرت لنا أوامر بالوصول إلى ساحة تيانانمين بأي ثمن"، وهو ما يمكن لأي قائد أن يفسره على أنه ضوء أخضر للقوات بإطلاق النار على المحتجين.

وقال لي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "لم أقتل أحدا، ولكنني رأيت أُناسا يُقتلون، وسمعت أُناسا يُقتلون... قُتِل أبرياء."

وأضاف لي الذي يعيش حاليا في أستراليا، أنه أصيب بصدمة جراء هذه التجربة، ويسعى إلى تقديم المساعدة للتاريخ بالحديث جهرا وكشف تفاصيل ما جرى.

"بناء عصر جديد يستند إلى فقدان الذاكرة الجمعية"
والمشهد الأكثر شهرة الذي يتذكر العالم من خلاله مذبحة ساحة تيانانمين هو "رجل الدبابة"، وهو الثائر المجهول الذي وقف أمام مجموعة دبابات كانت تغادر الساحة في الخامس من يونيو بعد المذبحة بيوم. وتظهر اللقطة الأولى من الصور محاولة الدبابة الأولى في الرتل تفادي الرجل، ثم توقفها، حيث صعد الرجل إليها وبدا أنه يتحدث إلى الجنود.

وأوضح فانج أن الصورة أثارت الوعي العالمي بشأن الاحتجاجات، إلا أن الحزب الشيوعي استخدمها في إطار دعايته ومزاعمه بأن القوات لم تفتح النار على المحتجين. وفي نفس الوقت، تلقى الناجون من المذبحة وعودا بمنحهم درجات جامعية، وفرصا وظيفية مقابل التزامهم الصمت، ومن تجرأوا على الحديث تعرضوا للتضييق.

ومع ذلك، وبعد وقت قصير من الاحتجاجات، قرر الحزب الشيوعي فرض حظر على التطرق لأي أمر يتعلق بأحداث الرابع من يونيو، مؤذِنا بـ "بناء عصر جديد يستند إلى فقدان الذاكرة الجمعية"، وإلى القومية والنمو الاقتصادي، بحسب ما ذكره العالم المتخصص في علم الحضارة الصينية ميشيل بونين.

وفرضت الديمقراطيات الغربية في البداية عقوبات على الحكومة الصينية على خلفية عملية القمع التي تمت في تيانانمين، ولكنها سرعان ما رفعت هذه العقوبات حيث فتحت السوق الصينية أبوابها وكانت زاخرة بالإمكانيات.

يعتقد الطالب السابق وانج دان أن الدول الغربية كانت "ساذجة" عندما تخلت عن حذرها في التعامل مع الصين.

وتمثل عملية احتجاز أفراد الأقليات العرقية المسلمة في إقليم شينجيانج الصيني أحدث مثال على القسوة والضراوة التي تتسم بها بكين، بحسب ما ذكره زعيم طلابي سابق يدعي ووير كايشي، وهو من عرقية الويغور المسلمة بالإقليم.

ويعيش ووير حاليا في تايوان ويعمل في مجال الاستثمار المصرفي، ويشعر بألم كلما تذكر أن كونه معارضا قد تسبب في الإضرار بوالديه اللذين لا يزالان يعيشان في شينجيانج. ويتمسك الرجل بالأمل في أن الأحوال ستتغير في وطنه يوما ما في نهاية المطاف.

ويقول: "أعيش في المنفى، ولكني أبقى على إخلاصي، وكلي أمل أنني سأشهد في يوم ما نصبا تذكاريا في ساحة تيانانمين لإحياء ذكرى رفقائي الذين سقطوا هناك."

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved