كيف ينوى بيل جيتس محاربة الوباء العالمي القادم في كتابه الجديد؟

آخر تحديث: الجمعة 3 يونيو 2022 - 8:06 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم:

هناك أزمة ثقة فى التعامل مع المعلومات حول أى وباء يجتاح العالم.. ولكننى واثق أن الحقيقة ستبقى والأكاذيب ستتبخر»
بيل جيتس عبر كتابه الجديد: منع الأوبئة «أزمة معرفية».. وبرغم قدرتنا لكننا عاجزون تمامًا عن التنبؤ بالمستقبل
صدر حديثًا لرجل الأعمال بيل جيتس، كتاب جديد يحمل عنوان «كيف نمنع الوباء القادم» عن دار نشر «نوبف دابلداى» يوثِّق من خلاله تفاصيل جائحة «كوفيد ــ 19» بالأرقام والإحصاءات، كما يقدم عدة نصائح حيال كيفية الوقاية من جائحة أخرى أشد وطأة قد تعصف بالعالم بما فى ذلك اقتراح تكوين فريق للاستجابة العالمية للأوبئة والتعبئة بتمويل سنوى قدره مليار دولار.
ويأتى ذلك على خلفية إصدار منظمة الصحة العالمية تقريرًا جديدًا يقدر عدد الوفيات العالمية بسبب وباء كورونا بـ 15 مليونًا ــ أى ما يقرب من ثلاثة أضعاف العدد الرسمى السابق لوفيات الوباء، كما تعتقد السلطات الأخرى أن الوفيات الزائدة فى العالم قد تكون أقرب إلى 18 مليونا، ولكنها لا تُقارن بما حدث مع جائحة الإنفلونزا الإسبانية 1918 ــ 1919، التى قتلت ما يقدر بنحو 40 مليون شخص ــ أى ما يعادل حوالى 150 مليونًا على مستوى العالم باستخدام الأرقام السكانية الحالية.
وبرغم تلك الأرقام المرعبة، فإن عملاق التكنولوجيا الأمريكى لا يعتقد أن هذا هو أسوأ وباء مررنا به؛ بل ويرى أن الأسوأ لم يأتِ بعد، ولهذا السبب ينصحنا من خلال كتابه الجديد بالبدء فى الاستعدادات منذ الآن؛ حيث إننا لا نعلم إن كان العامل الممرض الرئيسى التالى سيكون قابلا للانتقال ومميتًا مثل «كوفيد ــ 19»، أو مدى جدوى أو فعالية لقاحات الحمض النووى الريبى المرسال ‏mRNA والذى يستخدم الآن بالفعل لمحاربة «كوفيد ــ 19» مثل لقاح موديرنا الأمريكى.
ويرى «جيتس» أننا يجب أن نفعل المزيد مما نقوم به الآن ولكن بشكل أفضل وأسرع، فنحن برغم عجزنا عن التنبؤ ما إذا كان الوباء القادم سينجم عن فيروس مثل كورونا أو إنفلونزا أو بعض العوامل الممرضة التى لم نفكر فيها بعد، إلا أننا نستطيع خلق أنظمة مراقبة وتشخيص معملية أفضل من أجل تعيين معيار الخطر على وجه السرعة واستنباط تدابير طبية مضادة قبل تفشى المرض خارج نطاق السيطرة.
وأكد «جيتس» من خلال كتابه أننا بحاجة إلى شيئين رئيسيين من أجل مجابهة ذلك الخطر المجهول الجديد: أولًا الممارسة من خلال إجراء تمارين منتظمة تحاكى التعامل مع جائحة عالمية، وثانيًا تمويل فريق طبى عالمى مكون من 2000 فرد على الأقل ومُدرّب على أعلى مستوى للتعامل مع الأزمة، واقترح «جيتس» تسمية ذلك الفريق باسم «جرثومة» أو ‏Germ.
وأوضح «جيتس» أن مثل هذه التدابير لن تكون ذات فائدة لنا بعد تحديد الثغرات فى أنظمة الاستجابة للوباء إذا ما فشلنا فى تصحيحها، وذكر على سبيل المثال (تدريب كيجنوس ــ ‏Exercise Cygnus)؛ الذى كان عبارة عن عملية محاكاة لمدة ثلاثة أيام أجرتها حكومة المملكة المتحدة فى أكتوبر عام 2016 لتقدير تأثير جائحة إنفلونزا H2N2 الافتراضى على المملكة المتحدة، وقال إن المحاكاة نجحت فى تحديد ثغرات فى استعداد المملكة المتحدة لوباء الإنفلونزا، بما فى ذلك عدم كفاية المخزونات من معدات الوقاية الشخصية، ولكن لم يتصرف أحد وفقًا لتلك التوصيات، مما جعل المملكة المتحدة «تتسول» بعد ذلك من أجل استعارة معدات الوقاية الشخصية من البلدان الأخرى عند وقوع الكارثة.
وبالمثل، كانت لجان التخطيط بالحكومة الأمريكية على دراية منذ فترة طويلة بأن التشخيص الشامل الذى يتم إجراؤه على عدد كبير من الأفراد سيكون مفيدًا فى حالة حدوث جائحة، ومع ذلك، فشلت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها فى طرح اختبارات «كوفيد ــ 19» كافية، مما أعاق تتبع جهات الاتصال وإجراءات العزل الفعّالة، وبسبب نظام الحكم الفيدرالى فى أمريكا، لم يستطع حكام الولايات تحديد المسئول عن تلك الأخطاء، وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة عانت من أعلى معدلات وفيات «كوفيد ــ 19» فى العالم.
وعلى النقيض من ذلك، استجابت دول مثل سنغافورة وفيتنام وكندا ــ والتى تضررت بشدة من وباء سارس عام 2003 ــ بسرعة وحسم لوباء كورونا المستجد بعد أن تعلمت الدرس بصورة قاسية، كما ورد عبر صحيفة «الجارديان» البريطانية.
وبيّن «جيتس» أن مسألة الوقاية من الأوبئة المعدية ليست مسألة لوجيستية فحسب، ولا يُمكن اختزالها للثقة فى الخبراء العلميين الحاليين، وذلك بسبب غياب وجود معلومات حقيقية فى عالمنا الذى لا يفتقر إلى الشك فى كل ما يُقال؛ خاصة فى المراحل الأولى من الجائحة عندما تكون هناك حاجة ماسة إلى بيانات موثوقة حول طرق الإصابة بالمرض وطريقة انتشاره.
علاوة على ذلك، فإن العلماء بشر فى النهاية وأحيانًا ما يخطئون فى توقعاتهم؛ وذكر «جيتس» على سبيل المثال ما حدث عام 2014، حين اعتقد عدد قليل من الخبراء أن فيروس إيبولا، وهو فيروس تسبب سابقًا فى تفشى المرض فى جميع أنحاء وسط أفريقيا، يشكل تهديدًا لدول غرب أفريقيا مثل سيراليون وليبيريا، وبالمثل، بناءً على تجربة سارس التى كان من السهل على الأطباء اكتشافها لأن المصابين تطور لديهم المرض بسرعة وبشكل ملحوظ، اعتقد القليل من الخبراء أن فيروس «كوفيد ــ 19» أو كما يُسمى أحيانًا «سارس ــ CoV ــ 2» كان قادرًا على الانتشار بدون أعراض حتى فوات الأوان.
وبعبارة أخرى، يرى «جيتس» أن منع الأوبئة يعد أزمة معرفية بقدر ما هو مشكلة تقنية؛ فنحن بإمكاننا الاستعداد للتهديدات الوبائية المعروفة، أو على الأقل المحاولة، ولكننا عاجزين تمامًا عن التنبؤ بما قد يحدث فى المستقبل، أو فى أخذ الحيطة منه برغم وجود البيانات والإحصاءات من الأوبئة السابقة والتى من المفترض أن تساعدنا فى مسعانا هذا.
وعن سر اهتمامه بالوضع العالمى المتضرر من الوباء والبعيد عن مجال عمله، وصف «جيتس» نفسه بأنه «محب للتكنولوجيا» ومن ثمّ فإن الابتكار وإيجاد حل للمشكلات هو من أهم أدواته، وأشار إلى أنه غير مهتم بمعالجة دور تكنولوجيا المعلومات فى نشر نظريات المؤامرة حول اللقاحات أو المعلومات المضللة حول فعالية عمليات الإغلاق التى شهدها العالم.
ومن المفارقات الساخرة أنه برغم جهود «جيتس»، فإن مجموعة من بعض مناهضى تلقى التطعيم ضد الوباء المستجد اتهموا «جيتس» بمحاولة زرع رقائق دقيقة فى البشر عن طريق الحقن من خلال التطعيم ولكن «جيتس» آثر الصمت وتجاهل القضية؛ حيث قال إنه واثق من أن «الحقيقة ستبقى والأكاذيب ستتبخر».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved