الطائرات المسيرة.. المعنى الجديد لتكنولوجيا القتل

آخر تحديث: الثلاثاء 3 سبتمبر 2019 - 6:02 م بتوقيت القاهرة

أدهم السيد:

تعرف بـ"الدرونز" أو "الزنابير" لصوتها الشبيه بالنحل وهجمتها الخاطفة التي لا تخطئ هدفها، إنها "الطائرات المسيرة" صاحبة الصيت الأفظع في ميادين القتال الحديثة، بعد أن مثلت مفهوما واضحا لتكنولوجيا الحرب وإدارة المعارك عن بعد، والتي يدور أغلبها في الشرق الأوسط.

وفي التقرير التالي، تستعرض "الشروق" مراحل تطور الطائرات المسيرة واستخداماتها في الحروب.

• ما قبل الطائرات المسيرة

يشرح موقع "محبي الدرونز الأمريكي"، أول تطبيق بدائي للطائرات بدون طيار، حيث استخدم الجنود النمساويون مناطيد مزودة بالقنابل لضرب الجنود المتمركزين في مدينة فينيسيا عام 1839، ولكن التقنية الجديدة كانت مخزية حيث كثرت إصاباتها الخاطئة التي كانت تقع في صفوف النمساويين أنفسهم.

وبدأ استخدام أول طائرة مسيرة باستخدام ريموت كنترول في تجربة الأخوين رايت عام 1913، وسرعان ما دخلت الطائرة المجال العسكري بعد تجربة الأخوين بـ16 عاما، لتطور البحرية البريطانية طائرة بدون طيار يتم التحكم بها من خلال موجات الراديو لتطلق عليها اسم "كوين بي"، والتي استخدمت لغرض التدريب كهدف طائر، بينما كانت تزود بالقذائف لإطلاقها في هيئة صاروخ موجه أثناء الحرب العالمية الثانية.

• الجيش الأمريكي وتسمية الـ"درونز"

يقول "ستيفن سلوجا" مؤلف كتاب الطائرات المسيرة عام 2008، إن تسمية "درونز" بدأت بالظهور حين شاهد الأدميرال الأمريكي "ويليام ستاندلي" عرضا للطائرات المسيرة البريطانية 1935 ويقترح بعد ذلك على أحد ظباط البحرية الأمريكية تطوير شيئا مشابها ليتم تسميته بـ"الدرونز" في إشارة للنحلات العاملة والتي لا تعمل منفصلة بمفردها بل تتبع قيادة لها كما هو الحال لدى الطائرة التي تحتاج مشغل أرضي قريب أو طائرة بطيار ترشدها في الجو.

• التجسس في الحرب الباردة

وذكر موقع "بيورو إنفيستجيتف" أن الجيش الأمريكي عمد لاستقدام طائرات مسيرة بغية تصوير مواقع عسكرية في الصين أو فيتنام الشمالية عوضا عن الطائرات التقليدية التي قد تتعرض للضرب ومن ثم أسر الطيار، لكن تلك التقنية كانت لا تزال تُرى باهظة الثمن كما أن الأقمار الصناعية وطائرات بطيار كانت تملك فعالية أعلى منها.

• إسرائيل وتاريخ الدرونز الحديث

بدأت الدرونز باتخاذ مكان مرموق في الحروب العسكرية عام 1982 أثناء حرب لبنان، حيث قام المهندس الإسرائيلي "إبراهام كريم" بتعديل طائرات مسيرة لتستخدم لأغراض مراقبة تحركات الجيش السوري في لبنان والتشويش على اتصالاته وما جعل الجيش الإسرائيلي يولي تلك التقنية اهتماما كبيرا هو شدة حفاظه على أرواح جنوده ورغبته دائما لتجنب المواجهات المباشرة التي تسفر عن خسائر بشرية.

ووفقا لقناة "فرانس 24"، فقد تربعت إسرائيل على عرش تصدير الطائرات المسيرة والتي أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز المشترين لتربح إسرائيل مليارات الدولارات من تلك التجارة.

• دور الدرونز بعد أحداث الـ11 من سبتمبر وسياسة قطع الرؤوس

عمد الجيش الأمريكي بعد هجمات 11 سبتمبر لانتهاج سياسة جديدة تعمد لملاحقة واغتيال قيادات التنظيم والسعي للقضاء بشكل كامل على تجمعات عناصر القاعدة في باكستان وأفغانستان واليمن وليبيا والصومال.

وأعلن الجيش الأمريكي خلال فترتين رئاسيتين للرئيس السابق "جورج بوش" عن شن 57 ضربة باستخدام الدرونز ضد قيادات وعناصر "القاعدة"، بينما تضاعف ذلك الرقم 10 مرات في عهد أوباما ليبلغ 563 ضربة على فترتين رئاسيتين.

ووفقا لمواقع "لونج وور جورنال"، و"نيو فاونديشن" الأمريكيتين، و"بيورو إنفيستجيتف" البريطاني، والمسؤولين عن متابعة أنشطة محاربة أمريكا للإرهاب، فقد أوقعت ضربات الدرونز بين عامين 2004 و2013، آلاف القتلي من عناصر القاعدة ومئات القتلى من المدنيين، ولكن وسائل إعلام محلية في الدول التي شهدت ضربات الدرونز وضعت أرقام أكبر من تلك.

ويذكر أن الرئيس الأفغاني السابق "حميد كرازاي"، طالب عام 2012 بإيقاف نشاط الدرونز على أرض أفغانستان بعد وقوع 30 ضربة ذلك العام على منازل مدنيين.

• هناك من يسحب البساط.. الصين وروسيا منافستين لأمريكا

لم تدم السيطرة الأمريكية بشركاتها العملاقة إلى جانب إسرائيل -عرابة تصدير الدرونز- على سوق الطائرات المسيرة طويلا، حيث أدت القيود التي تفرضها أمريكا على تصدير تلك الطائرات عائقا حقيقيا أمام كثير من الدول ما ذهب بالبعض منها إلى معسكرات الشرق كالصين وروسيا التي لا تعبأ بفرض القيود على المشترين بقدر ما تهتم بالأرباح الطائلة، حيث رصد تقرير لمؤسسة الملكية البريطانية للخدمات المتحدة إقدام دول أبرزها السعودية والإمارات على تزويد أساطيلها الجوية بطائرات مسيرة صينية الصنع.

• انقلب السحر على الساحر.. الدرونز في يد أعداء إسرائيل

رغم امتلاك إسرائيل السبق في تطوير صناعة الدرونز وترويجها للعالم، إلا أنه سرعان ما فهمت إيران السر وبدأت بتطوير الدرونز خاصتها بدءا من طائرات "مهاجر" خلال حرب الخليج الأولى وليس انتهاء بطائرات "أبابيل" والتي سرعان ما أمدت بها طهران الجناح العسكري لحركة "حماس" "كتائب عز الدين القسام"، التي لم تلبث بدورها حتى هاجمت بها القوات الإسرائيلية صيف 2014 خلال حرب غزة الثالثة.

ولم تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي أمام التنسيق الإيراني الحمساوي لتطوير الطائرات المسيرة، فأقدم فريق أمني إسرائيلي على عملية اغتيال نالت شهرة واسعة، والتي كان ضحيتها المهندس اتونسي محمد الزواري نهاية عام 2016.

ولم تنته متاعب إسرائيل حيال طائرات إيران المسيرة بموت الزواري، حيث استغلت إيران تواجد بعض قواتها في سوريا لجعلها منطلقا لهجمات الدرونز ضد الأهداف الإسرائيلية، والتي كان آخرها هجوما اعترضته إسرائيل منذ أسبوع.

• الطائرات المسيرة بحوزة تنظيم داعش

ولا تقتصر صناعة الطائرات المسيرة على الدول والجيوش النظامية فحسب، بل بدأت الجماعات الإرهابية استخدام ذلك النمط الهجومي وعلى رأسها تنظيم داعش.

وفي صيف 2014، نشر تنظيم داعش فيديو دعائيا يظهر مدى تمدد رقعة سيطرته في العراق، حيث استخدم في مقدمة الفيديو مشاهد التقطت بطائرات الدرونز لإضفاء لمحة سينيمائية على دعايته، ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك.

ووفقا لصحيفة "التليجراف"، فقد تقدم البنتاجون الأمريكي بطلب للكونجرس لتوفير 20 مليون دولار من أجل التغلب على السلاح الجديد لدى التنظيم.

وذكرت صحيفة "ديلي بيست" نقلا عن وثائق مسربة للمخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" أن تنظيم داعش في الموصل قد أولى اهتماما لسلاح الدرونز لدرجة إنشائه لواء عسكريا خاصا لتطويرها منذ عام 2013.

ولم يغفل تنظيم القاعدة هو الآخر عن أهمية سلاح الدرونز، فكثيرا ما يخرج الجيش الروسي ببيانات مفادها تصدى قواته لعشرات الضربات الصاروخية بواسطة الدرونز التي يطلقها عناصر موالين لتنظيم "القاعدة" على قاعدة "حميميم" العسكرية الروسية شمال سوريا.

• استخدامات سلمية للدرونز

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن أول استخدام سلمي للدرونز كان عام 2006، حيث تم استعمالها في مجالات إدارة الكوارث، وإطفاء حرائق الغابات، ومراقبة الحدود، وتصوير أنابيب النفط، ورش المزارع.

كما أصدر اتحاد الطيران الأمريكي في ذات العام أول تصريحا لطائرة شحن بدون طيار، وكان يتم إصدار تصريحين من هذا النوع كل عام.

وصرح مدير شركة "أمازون"، رجل الأعمال ججيف بيزوس، بأن طائرات الدرونز ستصبح من وسائل النقل المعتمدة لدى شركته ليحدث ثورة في مجال طائرات الشحن بدون طيار في الأعوام التالية.

في عام 2015، أصدر اتحاد الطيران الأمريكي، 1000 تصريح لطائرات شحن بدون طيار؛ ليرتفع ذلك الرقم لـ3 أضعاف بالعام التالي خلال طفرة سببتها الدرونز في وسائل النقل التجاري.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved