انتصارات أكتوبر.. لماذا تغير موعد الحرب من 15 نوفمبر 1972؟
آخر تحديث: الأربعاء 4 أكتوبر 2023 - 9:41 ص بتوقيت القاهرة
منال الوراقي
تمر هذا الشهر الذكرى الخمسين على لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة، وهي خامس الحروب العربية الإسرائيلية، والحرب التي حرب شنتها كل من مصر وسوريا في وقتٍ واحدٍ على إسرائيل عام 1973، إبان عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات.
وبدأت الحرب يوم السبت 6 أكتوبر 1973، الموافق 10 رمضان 1393 هـ، بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية؛ أحدهما للجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة وآخر للجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة، وبمساهمات بعض الدول العربية سواء بالدعم العسكري أو الاقتصادي.
في مذكراته التي جاءت بعنوان "البحث عن الذات"، أرخ الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، ذكريات حرب أكتوبر، فقد تمت طباعة الكتاب لأول مرة فى أبريل عام 1978، وصدرت له طبعة ثانية فى أكتوبر بذات العام، ونشر الكتاب بأكثر من 13 لغة أهمهم الإنجليزية والفرنسية والعبرية واليابانية.
انتصارات أكتوبر.. لماذا تغير موعد الحرب من 15 نوفمبر 1972؟
يقول السادات في مذكراته: لم أذهب إلى الإسكندرية كما كانت عادتى فى كل صيف منذ هزيمة يونيو 67 إلى سنة 72، وبمجرد وصولى إلى الإسكندرية بدأت الإعداد للمعركة رغم أن العالم كله بما فيه مصر فسروا طردي للخبراء السوفييت من القاهرة بأنه قرار بعدم الحرب.
وتابع: استدعيت وزير الحربية وأبلغته أن يجمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في اليوم التالي، ويخطره بأني قد قررت أن تكون القوات المسلحة جاهزة للقتال ابتداء من يوم 15 نوفمبر سنة 1972، واستدعيت بعد ذلك سيد مرعى، وكان وقتها أمين الإتحاد الإشتراكي، وطلبت منه أن يجتمع بأمناء الإتحاد الإشتراكي ويبلغهم أن معنى هذه القرارات هو أننا سوف ندخل الحرب لا العكس، وطلبت من ممدوح سالم وكان وقتها نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية ومسئولا عن الدفاع المدني أن يعد الجبهة الداخلية ويسد جميع الثغرات فيها.
وأضاف: كان المفروض أن يقدم لي وزير الحربية تقريراً عن الخطة والهيكل العام لها فقد كلفته بأن يجمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لهذا الغرض، بل إنه عاد لى بعد يومين وقال إنه جمع المجلس الأعلى وأبلغهم رسالتى، وإن القوات المسلحة المصرية ستكون جاهزة ليس فى 15 نوفمبر 1972 كما طلبت، وإنما ستكون جاهزة فى أول نوفمبر 1872.
وأردف: وهنا أريد أن أفسر لماذا اخترت 15 نوفمبر 1972 لتكون القوات جاهزة، فقد كانت الانتخابات لرئاسة الجمهورية الأمريكية ستتم في الأيام الأولى من نوفمبر سنة 1972، وأردت أن أعطى الرئيس المنتخب فرصة لمحاولة حل المشكلة سلميا، فإذا لم يتم ذلك كان لا بد أن نكون جاهزين للتحرك عسكرياً.
وتابع: من أجل ذلك دعوت المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى اجتماع فى 28 أكتوبر 1972 لاستوثق من استعداد القوات المسلحة، وطلبت أن يدلى القادة لى بتقاريهم عن استعداد القوات، وخاصة أننا كنا نقترب من نوفمبر 1972 الذى حددته مع وزير الحربية.
وأوضح: حينما ذكرت القادة برسالتي التي كلفت وزير الحربية بنقلها إليهم فى الصيف، فوجئت بالجنرال نوال المسئول عن الشئون الإدارية للقوات المسلحة يرفع يده، ويسأل: "أنا لم أسمع أى رسالة من قبل وأريد أن أسأل ما هي هذه الرسالة اللى سيادتك بعثتها لنا؟ أنا ما عنديش فكرة عن أى رسالة جت من سيادتكم".
وتابع: نظرت إلى وزير الحربية وقلت له أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة: "إزاى ده يحصل ؟ احنا مش اتفقنا في الصيف إنك تجمع المجلس وتبلغهم يكونوا مستعدين للمعركة في 15 نوفمبر؟ ألم تعد إلى بعد يومين لتقول إنك جمعت المجلس وإنهم سيكونون مستعدين اعتباراً من أول نوفمبر،أى قبل الميعاد الذى حددته؟"، فهمس في أذني قائلا: "أنا ما رضيتشي يا أفندم أقول للكل .. أنا قلت بس لقادة الجيوش عشان السرية".
وأردف: سرية؟ سرية على الناس الذين سيحاربون؟ وضع غريب.. قلت في نفسي.. إزاى يقدر قادة الجيوش يحاربوا من غير المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟، ثم إن الجنرال الذي سأل هذا السؤال كان هو المسئول عن الشئون الإدارية التي عليها أن ترعى الجيوش بإمدادها بالطعام والماء والذخيرة والبنزين .. الخ . . وبدونها لن تتمكن أى وحدة من القوات المسلحة من تنفيذ مهامها القتالية.
وأضاف: عندئذ تأكدت عندى الشكوك التي كنت أحسها إزاء وزير الحربية فهو لا يريد أن يحارب، لأنه يخشى المعركة، فبدأت أسأل قادة الجيوش.. سألت قائد الجيش الثالث عبد المنعم واصل: أنت حالك إيه؟ قالى: يا أفندم احنا مكشوفين .. وأى حشد حنعمله حيكشفوه اليهود ويضربوه قبل ما يعدى ليه ؟ لأن اليهود مقيمين ساتر ترابى ارتفاعه 17 متر على جانب القناة وإحنا تحت هذا المستوى .. حوالي 3 أمتار فقط . . وهذا جعل العساكر تنشأ عندهم فكرة أن اليهود عاملين وراء هذا الساتر إلكترونات وأشياء لا قبل لهم بها.
وتابع: ما معنى هذا الذى أسمعه ؟ إن الخطة الدفاعية 200 التي استلمتها من عبد الناصر قد انهارت، فقبل أن يموت عبد الناصر بشهر واحد دعانى وذهبنا سوياً إلى مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة فى مدينة نصر، وهناك جمع القادة المصريين والخبراء السوفييت ومحمد فوزى وزير الحربية فى ذلك الوقت، ووقف الخبراء السوفييت والقادة المصريون لمدة ٧ ساعات أمام عبد الناصر وأمامي يشرحون الخطة الدفاعية 200 التي أقرها الجميع.
واستكمل: كان هذا الوضع العسكري الذي تسلمته من عبد الناصر، خطة دفاعية سليمة %100، ولكن لا وجود لخطة هجومية.
وأضاف: كان محمد فوزى وهو وزير للحربية دائم المحافظة على الخطة الدفاعية 200، فإذا ارتفع اليهود متراً، ارتفعنا نحن متراً ونصف، فلما جاء من بعده وزير الحربية الجديد واسمه صادق ألغى ما كان يفعله سلفه فوزى فلم يرتفع متراً واحداً.. وهكذا وصل اليهود إلى 17 متر وظللنا نحن 3 أمتار فقط.
واستكمل: سألت الجنرال سعد مأمون قائد الجيش الثانى، وهو الآن محافظ القاهرة، فقال نفس كلام قائد الجيش الثالث، قلت لهم: آسف. أنا جاى النهارده وفاكر أنكم جاهزين لتنفيذ أى خطة نضعها .. أقوم ألاقى الخطة الدفاعية منهارة؟ إزاى نهجم واحنا مش جاهزين حتى دفاعياً. عاوزينا نكرر هزيمة 1967؟
وقال: أنهيت الاجتماع وخرجت وقد استقر رأيي على تغيير وزير الحربية المتخاذل الذي كذب علي، واستدعيت الجنرال أحمد إسماعيل الذي كان مديراً للمخابرات في ذلك الوقت، وهو الذى أنشأ أول خط دفاعي في سنة 1967 من بور سعيد للسويس، وطلبت منه أن يعمل قائداً عاما للقوات المسلحة على أن يأتى فى اليوم التالي لحلف اليمين كوزير للحربية.
وتابع: وفى نفس الوقت أرسلت سكرتيرى الخاص إلى وزير الحربية المتخاذل ليبلغه أني قبلت استقالته، وأعطيت أوامري لرئيس أركان حرب القوات المسلحة بأن يتولى القيادة إلى أن يحلف الجنرال أحمد إسماعيل اليمين، فلم يكن في إمكاني أن أترك أى فراغ فى القوات المسلحة مهما كان بسيطاً ولو للحظات، مضيفا: وطلبت من الجنرال أحمد إسماعيل بعد أن تسلم عمله تصحيح الخطة الدفاعية 200 وإعادتها إلى ما كانت عليه فإذا كان الساتر الترابي لليهود 17 متراً فلابد أن نكون نحن 20 متراً واعتمدنا لهذا 20 مليون جنيه
وأردف: ولكن رغم هذا لم أستطع أن أنام ليلة واحدة بعد اجتماعي بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة في أكتوبر سنة 1972 .. كيف تتكرر مأساة سنة 1967؟، ثم إن القوات المسلحة هي أمل البلد فكيف يحدث فيها هذا التقصير؟ وإذا حدث أي تحرك من جانب إسرائيل فكيف نرد عليه؟ واستمر حالى هكذا، هواجس وقلق إلى أن جاءني الجنرال أحمد إسماعيل فى 30 نوفمبر سنة 1972، وكان قد تم تعيينه في 30 أكتوبر، ليبلغني أن الخطة الدفاعية أصبحت كاملة، وأنه بصدد إعداد تجهيزات الهجوم.
واستكمل: في أوائل يناير سنة 1973 كان الجنرال أحمد إسماعيل قد وضع الهيكل الأساسي للخطة، وقد قام بشيء لم يحدث فى العسكرية من قبل إذ طلب من كل ضابط على امتداد القناة أن يتسلق الساتر الترابى الذى أصبح 20 متراً، وينظر أمامه على امتداد 10 کیلو داخل سيناء، وأن يحدد على الأرض خطته التي يستطيع أن ينفذها بعد العبور، مما أعطى للضباط ثقة في أنفسهم وجعلهم يشاركون مشاركة فعالة ليس فقط في العمل بل وفى التخطيط أيضاً.
وتابع: وعلى ذلك نستطيع أن نقول إن خطة حرب أكتوبر 1973 قد وضعتها القوات المسلحة بأجمعها على كل المستويات.