أساتذة التاريخ: أحداث «ممالك النار» حقيقية.. ويجب التعامل مع المسلسل على أنه عمل فنى يحمل رؤية كاتبه

آخر تحديث: الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 11:33 ص بتوقيت القاهرة

إيناس عبدالله:


د. عاصم الدسوقى:
الأتراك ليسوا أصحاب حضارة.. والمصريون لم يأخذوا عنهم شيئًا.. وسلاطينهم كانوا سفاحين بشهادة من عاصرهم
د. أحمد الصاوى:
ليس هناك أى مبالغة فى العمل.. والدراما التركية تسعى لغسل السمعة السيئة للدولة العثمانية
د. إيمان عامر:
نحن أمام دولة دموية عسكرية.. وصفها المؤرخون بالجراد.. وطبيعى أن يتعرض المسلسل لهجوم شديد لكشفه الحقيقة
د. محمد عفيفى:
* يكفى العمل أنه استفز للمشاهدين للبحث والقراءة.. وأردوغان احتكر فترة الخلافة العثمانية فى نفسه كذبًا وافتراء

أشاد أساتذة التاريخ بحالة الجدل الكبير التى أثارها مسلسل «ممالك النار» الذى يذاع حاليا على قنوات mbc، على الرغم من إجماعهم على أنه لا يمكن التعامل معه أو مع أى عمل درامى آخر باعتباره مرجعا تاريخيا، حتى لو كان مؤلفه استند فى كتابة العمل على كتب ومراجع علمية، وأكدوا أن العمل الدرامى حتى لو تم تصنيفه بأنه «مسلسل تاريخى» لكنه يظل فى النهاية عملا يحمل وجهة نظر صاحبه الذى غالبا ما يكون له هدف محدد يسعى للوصول إليه، ورسالة بعينها يريد توصيلها للناس، وعليه فهو تاريخى انتقائى، وفى هذا السياق رفضوا بالإجماع الاتهامات التى تحاصر مسلسل «ممالك النار» ومؤلفه باعتباره ارتكب اخطاء ومغالطات تاريخية، وهى الحملة التى يقودها الجانب التركى الرافض لكشف الوجه القبيح للدولة العثمانية مؤكدين أن المؤلف استفاد من التاريخ، وهو ما يؤكد وجهة نظره فى دموية سلاطين الدولة العثمانية التى سعت لاحتلال الدول العربية وامتصاص خيرها وكنوزها، وهى الحقيقة التى لا ينكرها سوى الأتراك وحدهم.
البداية مع الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ المعاصر وعميد كلية الآداب جامعة حلون سابقا والذى قال:
العمل الدرامى يمثل رؤية شخصية للكاتب الذى يخوض تجربته بفكرة مسبقة، وعليه فهو يأخذ من المراجع العلمية ما يتفق مع أفكاره وهدفه، وبناء على ذلك فإن التعامل معه على أنه وثيقة علمية أو مرجع يعتبر تعاملا غير صحيح، ويجب أن يتم تقييمه من منظور فنى، أما فيما يتعلق بالموضوع الذى يناقشه مسلسل «ممالك النار» فالتاريخ الحقيقى يؤكد أن سلاطين الدولة العثمانية كانوا سفاحين، وهناك قانون دموى سنه السلطان محمد الفاتح يبيح قتل الإخوة لضمان استقرار الحكم والدولة، وكانت الدولة العثمانية دولة غزو واحتلال وليست دولة«فتح إسلامى» كما يحلو للأتراك أن يروجوا لها فى إطار ترويج ما يسمى بالخلافة الإسلامية، على الرغم من أنه ليس هناك خلافة عثمانية بالأساس، فالأصل فى الخلافة هى قريش وبنى هاشم على وجه الخصوص ومنها كان الخلفاء الأربعة ثم بنى أمية والعباسيون، ولم يظهر هذا المسمى بعد ذلك إلا فى عصر السلطان عبدالحميد الثانى الذى وقع على الدستور الذى أصدره لمنع التدخل الأوروبى فى شئونه باسم «عبدالحميد خليفة المسلمين»، وبعدها بدأ الاتراك فى الترويج لهذا الأمر باعتباره حقيقة وهو ليس كذلك بالمرة.
وتابع دكتور عاصم الدسوقى: هناك أزمة يواجهها هؤلاء الذين يتعرضون للتاريخ ويحكمون عليه وهى أنهم لا يقرأون، ولا أدرى كيف يسعى البعض لتحسين صورة سلاطين الدولة العثمانية على الرغم من أن هناك شهودا مثل محمد أحمد بن إياس الذى عاصر هذه الفترة وكتب فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» أن السلطان سليم لا يعرف ملة ولا دينا، وكان رجال جيشه لا يترددون فى اقتحام المساجد لقتل المماليك الذين احتموا بها، وقطعوا رءوسهم وألقوا بجثثهم من فوق المنابر، بخلاف أن الأتراك ليسوا أصحاب حضارة فهم قبائل متنقلة من شمال غرب الصين، ولم يأخذ المصريون عنهم أى شىء بالمرة.
واستنكرت الدكتورة إيمان عامر، أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر، بجامعة القاهرة محاولة البعض التعامل مع دخول العثمانيين مصر على أنه فتح وليس غزوا وقالت:
هناك حالة جهل شديدة كشفت عنها حملة الهجوم ضد هذا المسلسل، وأنا أستوعب أن الانتقاد قد توجه للعمل من النواحى الفنية لكن أن يتحدث البعض عن أن هناك أخطاء تاريخية دون أن يكون لديه أى مرجعية علمية تؤهله لإطلاق هذا الحكم فهو الجهل بعينة، مثل استخدام لفظ الفتح وليس الغزو لوصف دخول العثمانيين مصر، والفتح كلمة لا تستخدم إلا مع الدول غير الإسلامية ويكون الهدف هو نشر الإسلام فى هذه الدول، لكن مع الدول الإسلامية يكون غزوا واحتلالا ورغبة فى النهب والسطو على ثروات وخير هذه البلاد، واستغرب كثيرا من هؤلاء الذين يرفضون اتهام الدولة العثمانية بأن أيديهم ملوثة بدماء المصريين والعرب.. أسألهم: «هل دخلوا مصر والمنطقة العربية محملين بباقات الورورد؟!».
وأضافت: للأسف اقتنع البعض بالوجه الملائكى للدولة العثمانية الذى أظهرته الدراما التركية وقدمت سلاطينهم على أنهم أبطال يحتذى بهم، وهنا تكمن خطورة الأعمال الدرامية التى تصل للبسطاء أسرع ما يكون، فالناس العاديون يحصلون على الثقافة والمعرفة من خلال ما يشاهدونه على الشاشة، وهو ما يبرر غضب الأتراك من «ممالك النار» فهم يرفضون إظهار وجههم الحقيقى والتاريخ الدور السلبى الذى لعبته تركيا فى المنطقة العربية، فنحن أمام دولة دموية عسكرية بلا حضارة، قد تكون ناجحة فى العمليات العسكرية، لكننا لم نستفد من ورائها بأى شىء وكان همهم الأول اقتحام القرى والمدن للحصول على خيراتها واستنزافها من كل ثرواتها والعودة لبلدهم بالسبايا والعبيد، ولم يكن غريبا أن يصفها المؤرخون بالجراد الذى يقضى على الأخضر واليابس، وبالمناسبة ليس مطلوبا من مؤلف العمل أن يكون حياديا، فهو لديه وجهة نظر ويريد تأكيدها مستندا على حقائق علمية وهذا مسموح به بلا شك، وهو ما تفعله الدراما التركية أيضا فى حملتها الترويجية لحلم الخلافة وتبرير كل جرائمها.
ومن ناحيته أكد الدكتور أحمد الصاوى، الأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، أن العمل خال من المبالغة وقال:
ليس هناك أى مبالغة فى المشاهد الدموية التى شاهدها الجميع فى المسلسل، والوقائع التاريخية تؤكد قتل إخوة السلطان، لمنع الفتن، وبالمناسبة فكل عمليات القتل تمت بفتاوى من قاضى أفندى.
وأكمل: مخطئ من يحاسب العمل الدرامى بنفس معايير الأبحاث والكتب التى تكون مجردة من الرأى بخلاف العمل الدرامى، فالباحث يكون مطالبا بإثبات كل حرف جاء فى بحثه وكتابه بخلاف العمل الدرامى الذى تدور أحداثه فى مرحلة تاريخية، لكن لا غبار عليها إن لم يلتزم مؤلفها بشكل دقيق بالسياق والمعلومات، إلى جانب أن من حقه أن يبتكر شخصيات لم يكن لها وجود فى الواقع من أجل نسج خيوطه الدرامية وتشابك الأحداث، وبالتالى يكون حكمنا على العمل عن مدى التزامه بالحقائق أو تأويله لها.
وأبدى الدكتور أحمد الصاوى تفهمه لهجوم الأتراك على المسلسل وقال:
الاتراك بطبيعتهم متحفزون ضد أى أحد يمس الدولة العثمانية، التى يعتبرونها جزءا من التاريخ التركى وفكرة الخلافة الإسلامية، وعليه فالمسألة معقدة للغاية خاصة مع وجود التيارات السياسية فى تركيا ذات الجذور الإسلامية، فتركيا أخذت على عاتقها خلال الفترة الأخيرة أن تعيد صياغة الصورة التركية أمام العرب والعالم، ومن المعروف أن الأتراك العثمانيين لديهم مشاكل كبيرة وخلافات عديدة فى شرق أوروبا والعرب فى أثناء الحكم العثمانى لا يمكن إنكارها، وعليه فهم يحاولون عمل صورة مختلفة وحديثة تظهر فى أعمالهم، بداية من «حريم السلطان» حتى مسلسل «قيامة أرطغرل»، وكلها هدفها واحد هو إعادة صياغة صورة الدولة العثمانية وغسل سمعتها السيئة أمام الرأى العام الإسلامى، بدليل أنهم يتعمدون استخدام كلمة «فتح» و«خلافة» وكلها أمور توحى بعكس ما هو حقيقى، فالدولة العثمانية كانت تغزو الدول العربية بحجج وهمية لتبرر هذا الغزو والحصول على فتوى شرعية تبيح لهم ما يفعلونه بالمنطقة العربية من قتل وسفك الدماء، وأتمنى أن يسلط مسلسل «ممالك النار» فى حلقاته القادمة الضوء على جانب المقاومة الشعبية وحرب الشوارع التى أظهر فيها المصريون بسالة وشجاعة كبيرة لمقاومة الاحتلال ولم ينجح العثمانيون فى الدخول لمصر إلا من باب الرشوة والخديعة، وبعدها بدأت الدولة العثمانية تمتص خير مصر وتفرض عليها ضرائب ومساعدات عينية، بل وتكلف مصر الإنفاق على حملاتها العسكرية وهو ما أفقرها وأعادها خطوات إلى الوراء وهناك وثائق عديدة تتضمن الكثير من المظالم بسبب هذه الضرائب.
وكشف الدكتور محمد عفيفى ــ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر فى كلية الآداب بجامعة القاهرة ــ عن أنه بصدد تخصيص الحلقة النقاشية القادمة من صالونه الثقافى الذى يحمل اسمه لموضوع الدراما التاريخية ومدى تأثيرها على الناس انطلاقا من حالة الجدل الكبير التى أثارها مسلسل «ممالك النار» وأثبت حب الجمهور لهذه النوعية من الأعمال التى تستلهم موضوعاتها من كتب التاريخ. وقال: اندهشت حينما عرفت أن أحداث مسلسل «ممالك النار» تدور فى 14 حلقة فقط، فالموضوع كبير ومهم، فنحن أمام دولة فرضت سيطرتها على مصر قرابة 3 قرون بينا استمرت سيطرتها على الشام والعراق لنحو 4 قرون، وعليه فقد شهدت هذه الفترة تطورات كثيرة على مدى مئات الأعوام، ومن هنا لا ينبغى اختزال هذه الفترة بنظرية «يا ابيض يا اسود»، فالأمر لا يمكن مناقشته فى كلمة أو عمل درامى واحد، ولكن فى المقابل هناك مجموعة حقائق لا يمكن انكارها منها ان نهاية العلاقة بين العثمانيين والعرب كانت نهاية دموية للغاية، تعكس العلاقة الحقيقية بين الجانبين، كما يجب الانتباه إلى ما يفعله الرئيس التركى أردوغان حاليا والذى يسعى بكل الطرق لاحتكار التاريخ لنفسه واعتبار أن الدولة العثمانية مقصورة على الأتراك وحدهم وهذا كذب وافتراء، فالدولة العثمانية شارك فيها عناصر كثيرة منها العرب مثلا، بدليل ان اللغة التركية كانت تكتب بحروف عربية وهذا أقل مثال على أن العرب لعبوا دورا كبيرا فى صناعة الحضارة فى العصر العثمانى.
وأبدى الدكتور «عفيفى» سعادته بما حققه «ممالك النار» من تشجيعه للجمهور للقراءة والبحث وقال:
من أهم النتائج الإيجابية التى حققها العمل هو استفزازه للمشاهدين بما تناوله من أحداث دفعتهم للبحث عن حقيقة ما يشاهدونه من جرائم وسفك دماء، وهذا أمر رائع يفرحنا نحن أساتذة التاريخ، فهذه ثقافة كنا نفتقدها، فالمشاهد كان يكتفى بما يراه على الشاشة فحسب لكن أن يشعر برغبة فى قراءة المزيد ويعتمد على نفسه فهذا رائع، وأتمنى أن يفتح هذا المسلسل الباب لعودة الأعمال التاريخية من جديد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved