ماجدة خير الله تكتب: وجوه وأسماء وذكريات عن مهرجان القاهرة السينمائي

آخر تحديث: الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 2:38 ص بتوقيت القاهرة

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

حلم صحفية في بداية الطريق لا أحد يعرف اسمها لأنه يُكتًب بأصغر بنط ممكن على مساحة غير مستقرة فى جريدة الأخبار، تحمل عنوان السينما العالمية، يبدأ الحلم يتحقق أو على الأقل يأخذ شكلًا أكثر جديةً، عندما تعبر تلك الصحفية الأمتار التى تفصل مبنى مؤسسة الأخبار، عن مؤسسة الأهرام لتلتقي بالعملاق شكلًا وموضوعًا كمال الملاخ! المنطق يقول لماذا يهتم رجل ذو شأن وصحفي لامع له مساحة يومية تغير في مجريات الأمور فى عالم الفن والسينما والأدب والآثار، بصحفية شابة في بداية خطواتها الأولى؟ ربما يكون الإصرار والدأب الذى أبدته تلك الصحفية وجعل رجلًا بقيمة كمال الملاخ أن يوافق على لقائها!

كانت البداية عندما أخبرته باهتمامي بعالم السينما وأني أكتب زاوية باسم السينما العالمية فى صفحة الأستاذ أحمد صالح بجريدة الأخبار، أثار اهتمامه عندما أخبرته أني خريجة علوم قسم بيولوجي ولكنني أعشق السينما وأنوي التقدم لامتحان القبول للدراسة بمعهد السينما، كانت القاهرة تحتفل بالإعداد للدورة الثانية لمهرجان القاهرة للسينما الذي كان يرأسه كمال الملاخ، وكانت الصفحات الفنية تزفّ خبر استضافة الفنانة العالمية إليزابيث تايلور، لأول مرة في القاهرة بعد سنوات طويلة من مقاطعة أفلامها "لأنها يهودية"!!، وكنت أسعى بأي شكل للقائها معتقدة أن مجرد إجراء حوار معها يضمن لي خبطةً صحفيةً، تلفت النظر إلى اسمى، أو وجودي، وابتسم كمال الملاخ عندما أخبرته بخطتي وقال لي إن جدول إليزابيث تايلور مزدحم للغاية، وإنها رفضت تمامًا إجراء أي لقاءات صحفية أو تليفزيونية، لأن المدة التي سوف تقضيها في مصر تخصصها لزيارة أهم المعالم الأثرية، في الجيزة والأقصر وأسوان، وأن كل ما يمكن أن ينصحني به، أن أكتب عنها، وعن أهم أفلامها وخاصة كليوباترا الذى تم منع عرضه فى مصر، ولأن الحصول على معلومات سينمائية كان من الأمور العسيرة في ذاك الوقت، فقد نصحني الأستاذ كمال الملاخ بالبحث عن أعداد من مجلة سكرين ومجلة بريميير، ثم يبدو وكأنه أدرك صعوبة الحصول على تلك الأعداد الخاصة بفيلم كليوباترا فقرر إهدائي أعدادًا منها كان يحتفظ بها في مكتبه بجريدة الأهرام، كما وضع اسمي في كشوف الصحافة التي تقوم بتغطية أحداث مهرجان القاهرة، رغم أني لم أكن قد التحقت رسميًا بالعمل في مؤسسة أخبار اليوم! وأتاح لي الكارنيه الذى حصلت عليه أن أتابع كل الأفلام المعروضة فى المهرجان، وأن ينضم اسمي لكشف من يتم دعوتهم من الصحفيين لتغطية أحداث المهرجان في السنوات التالية، وبعد وفاة كمال الملاخ، تولى سعد الدين وهبة مقاليد الأمور ورئاسة مهرجان السينما وكنت وقتها قد التحقت بمعهد السينما، وكان الراحل د. رفيق الصبان يدرّس لنا ماده تحليل سينمائي وكان قد أبدى اهتمامًا بتحليل كتبته عن فيلم "عيون لورا مارس" بطولة فاي دانواي، وتومي لى جونز وهو ما جعله يرشحني لأكون ضمن نخبة من كبار النقاد الذين يشكلون لجنة مشاهدة واختيار أفلام مهرجان القاهرة السينمائي فى الأعوام التالية وهو ما أتاح لى فرصة التعرف على أفكار الكثير منهم، وبعضهم أثار دهشتي وإعجابي والبعض الآخر كان التقرب منه بمثابة صدمة، ومنهم المخرج الكبير كمال الشيخ الذى كان يرأس فى أحد الأعوام لجنة المشاهدة، ورغم أن أفلامه كانت ملهمة لأي عاشق للسينما أو دارس لها إلا أن آراءه فى بعض الأفلام كانت تدل على أنه أصبح خارج الزمن وكنتَ يمكن أن تسمع نقاشًا يقترب من الحدة المهذبة بين بعض النقاد وبين رئيس اللجنة، وكان يضحكني أن أسمع الجملة الشهيرة للناقد الراحل سامي السلاموني الذى يرتفع صوته أحيانًا وهو يقول جملته الشهيرة: "فيه إيه يا أستاذ كمال، ده مهرجان سينما" ولم تكن النقاشات تؤدي إلى نتائج، واقترح البعض أن يضع كلٌّ منا رأيه من خلال التقارير التى تذهب في النهاية إلى رئيس المهرجان، وأتذكر أن الخلاف وصل فى أحد الأعوام لاعتذار سامي السلاموني عن اللجنة، بل بلغ به الغضب أن اعتذر أيضًا عن التعامل مع المهرجان، وقاطعه، رغم أنه كان يقدم خدمة جليلة لجمهور المهرجان ويقدم نشرةً تتضمن دليلًا لأهم أفلام المهرجان وقيمتها وتحليل موجز عن كل منها، وكانت تباع النشرة أمام كل دور السينما التى تعرض أفلام المهرجان وكان ثمنها جنيهًا واحدًا، وسأل أحدهم سامي السلاموني: "بيطلعلك كام من عمل النشره دى؟"، فكان رده: "قاروصتين سجاير"!، أما سعد الدين وهبة فقد وضع نصب عينيه أن يحقق المهرجان إيراداتٍ ضخمة ،ليؤكد نجاحه، وطبعًا في الثمانينيات من القرن العشرين لم يكن الإنترنت قد دخل مصر، وكانت هناك صعوبة بالغة في الحصول على الأفلام الأجنبية، دون أن تتعرض لمقص الرقابة وكان جمهور مهرجان القاهرة ينقسم إلى فئتين، إحداهما تلهث خلف أي فيلم يشتم منه رائحة مشاهد جريئة، والفئة الثانية الأقل عددًا طبعًا تسعى وتلهث خلف الأفلام القيّمة التى يصعب عرضها تجاريًا في مصر، أو العثور عليها كشرائط فيديو، وانتشرت عبارة: "الفيلم ده قصة ولا مناظر؟"، يسألها كل مواطن قبل أن يدفع ثمن التذكرة، فإذا اطمأنّ لكون الفيلم يضم مشاهد عارية فإنه يكون على استعداد لأن يقف عدة ساعات في طابور لا ينتهي حتى يحصل على تذكرة تتيح له الفرجة على مشهد فيه صدر امرأة عارية، أو مشهد جنسي واضح التفاصيل!! وقد استعار السيناريست الكبير وحيد حامد عبارة "الفيلم ده قصه ولا مناظر" في فيلمه "المنسي" الذى لعب بطولته عادل إمام ويسرا وكرم مطاوع وأخرجه شريف عرفة، وكان الزحام على دور السينما التى تعرض أفلام المهرجان، يكاد يشكل حالة من السعار والفوضى والهوس، وقد شاهدت بعينيّ مديري دور العرض وهم يضربون الناس بالعصي بشكل مخيف في محاولة لمنع الفوضى، ومع ذلك لم يعترض أيٌّ منهم على تلك المعاملة الخشنة، كل طموحهم وأحلامهم أن يتمكنوا رغم شده الزحام من مشاهدة الفيلم بأي شكل، والغريب أنه رغم تلك الأجواء المرتبكة، فقد شهد المهرجان أفلامًا بالغة القيمة، لم تهمّ إلا عشاق السينما ونقادها الجادين فقد شاهدت فيلم المخرج الإيطالي الراحل سيرجيو ليونى "حدث ذات يوم فى أمريكا" في سينما كريم، أيام كانت من أرقى دور العرض حديثة الإنشاء في شارع عماد الدين، الفيلم مدته تزيد على الثلاث ساعات.. متعة فنية حقيقية، تستطيع أن تصفه بالتحفة السينمائية، وقد فوجئت بأن المخرج الراحل رأفت الميهي يجلس خلفي وتصاحبه الفنانة الراحلة معالي زايد، وحتى ذاك الوقت كان يمكنك أن تجد من صناع السينما المصرية من يهتم بالنزول لمشاهدة أفلام المهرجان، عكس وقتنا الحالي خاصةً وأن الفيلم كان يبدأ عرضه في الحادية عشرة صباحًا، وهو موعد يعتبره أهل السينما المصرية غير مناسب بالمرة، لبدء نشاطهم اليومي ودارت بعد ذلك حلقة مناقشة "على الواقف" بين رأفت الميهي، وجمع ممن حضروا الفيلم، وكان النقاش من أمتع ما استمتعت، وأكد الميهي على انبهاره من استخدام سيرجي ليوني "للفلاش باك" واختلاف الأزمنة، والتحرك مع الزمن للأمام والخلف، بسلاسة وعبقرية، وطبعًا كان لابد وأن يتطرق الحديث عن الفرق بين عالم الجريمة كما قدمه سيرجي ليوني فى "حدث ذات يوم في أمريكا" الذى لعب بطولته روبرت دي نيرو، وجيمس وودز وثلاثية الأب الروحي لفرانسيس فورد كوبولا وتحدث الميهي طويلًا عن استحالة عقد مقارنةٍ بين الفيلمين، لاختلاف الزمان والمكان الذي تدور فيه أحداث كل منهما، بالإضافة لاختلاف الموضوعين، اللذين لا يجمعهما شيء غير فكرة الجريمة المنظمة!.. ومن الأفلام التي عرضت من خلال مهرجان القاهرة صاحبتها حفاوةٌ إعلامية ضخمة فيلم المخرج كوستا جافراس"هانا.ك" الذى لعبت بطولته جيل كلايبورج، والممثل الفلسطيني محمد بكري، ودارت أحداث الفيلم حول محامية أمريكية يهودية، تتبرع للدفاع عن شاب فلسطيني متهم بالقيام بأعمال تخريبيةٍ ضد المنشآت الإسرائيلية، ورغم أهمية الفيلم والقضية وما تعرض له المخرج الكبير من هجوم من صحافة الغرب، إلا أنه لم يقابل فى مصر بالاهتمام الذي يليق به، لأن الفنان حسين فهمي وبدون أي مبرر مفهوم، ادّعى أن الفيلم دعوة للتطبيع بين إسرائيل وفلسطين! وطبعًا لأن الصحافة المصرية تعشق الضجيج، لم تلتفت لقيمة الفيلم، ولا مخرجه ولا أيٍّ من أبطاله، وأتذكر في تلك السنوات التي كان فيه مهرجان القاهرة هو الحدث السينمائي الأكثر قيمةً في العالم العربي كانت شركات الإنتاج المصرية تتقاتل فيما بينها لعرض أحدث افلامها في المهرجان، حتى إن دورات كثيرة شهدت عرض فيلم مصري فى الافتتاح، مثل "حرب الفراولة" للمخرج خيري بشارة وبطولة محمود حميدة ويسرا، وسامي العدل، وطبعًا كان من تأليف مدحت العدل، ونال الفيلم حفاوةً كبيرةً من الصحافة الفنية رغم أنه لم يكن من أعمال خيري بشارة المميزة، وشهد المهرجان عرض فيلم WHO FRAMED ROGER RABBIT للمخرج روبرت زيميكس وبطولة بوب هوسكينز،الذى فاز فى عام إنتاجه 1988 بثلاث جوائز أوسكار، في المؤثرات البصرية، والمونتاج، ومؤثرات الصوت، وكانت روعة الفيلم تكمن فى المزج الكامل بين الشخصيات الحقيقية وشخصيات الرسوم المتحركة، قبل انتشار حيل الكمبيوتر جرافيك، وكان عرض الفيلم في مهرجان القاهرة حدثًا فنيًا غير مسبوق. أما الحدث الأكثر غرابةً الذى شهده مهرجان القاهرة، فكان عرض فيلم ناجي العلي في حفل الافتتاح وهو فيلم من إخراج عاطف الطيب وبطولة نور الشريف ومحمود الجندي، وسيناريو بشير الديك، طبعًا كل تلك الأسماء من فناني مصر، لم يكن من الممكن التشكيك في نواياهم أو وطنيتهم، وقيمتهم الفنية، وغنيّ عن الذكر أن أي فيلم مصري يمر بمراحل كثيرة قبل أن يتم تصويره وقبول عرضه، بمعنى أن سيناريو الفيلم مرّ حتمًا على الرقابة، وكان مديرها في ذلك الوقت هو حمدي سرور، الذي كان يسارع بعرض كل سيناريو يمكن أن يشتمّ فيه رائحة قلق على الأمن العام! وعلى هذا فإن ما حدث مع فيلم ناجي العلي يبدو غريبًا بعض الشيء، فبعد عرضه في حفل افتتاح المهرجان وحفاوة استقباله إعلاميًا، ونقديًا، ثم عرضه تجاريًا، تقدمت شركة الإنتاج بطلب تصريح لطبعه على شرائط الفيديو وهنا كانت حملة ضارية قد بدأت ضد الفيلم وبطله نور الشريف، وصلت الحملة لاتهامه بالخيانة لمشاركته في أداء شخصية ناجي العلي رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذى تم اغتياله في ظروف غامضة، وكانت التهمة الجاهزة أن رسومات ناجي العلي فيها إساءة لمصر!! وكان ناجى العلي من بين مئات المثقفين العرب الذين أعلنوا موقفهم المناهض من اتفاقية كامب ديفيد واعتبروها خيانة للقضية العربية، ولدم الشهداء!، وكان الصحفي الراحل إبراهيم سعدة يقف خلف حملة الهجوم الضاري على الفيلم، وخصص أعمدة الكتاب فى مطبوعات مؤسسة أخبار اليوم التي كان يرأس مجلس إدارتها للهجوم على الفيلم ونور الشريف بشكل خاص! ولم يكن مفهومًا السبب الحقيقي الذى دفع إبراهيم سعدة لشن تلك الحملة المسعورة، التي لم تطل أيًّا من المشاركين في فيلم ناجي العلي لأن المنطق يقول إنه لو فى الأمر دافعٌ نابعٌ من موقف سياسي أو وطني لكان الأجدر بالهجوم هو كاتب السيناريو أو المخرج أو كلاهما، ولكن نور الشريف هو فقط الذى تلقى كل السهام في صدره، ولم ينقذه من تعنت إبراهيم سعدة، إلا فكرة "داوني بالتي كانت هي الداء"، حيث اضطر لأن يلجأ إلى رجال الأمن القومي الذين يحركون سعدة وبقية رؤساء التحرير في تلك الأثناء، وكان مسلسل الثعلب هو الثمن الذي دفعه حتى يكف سعدة عن محاربته، وطبعًا فشل المسلسل الذي جاء من ملفات المخابرات فشلًا ذريعًا، ولكن أعقبه نجاحٌ مبهرٌ ناله نور الشريف بعد عرض مسلسله لن أعيش في جلباب أبي، الذى شاركته بطولته عبلة كامل وعبد الرحمن أبو زهرة.

بعد وفاة سعد الدين وهبة، تعاقب على رئاسة مهرجان القاهرة كلّ من حسين فهمي، وعزت أبو عوف، وشريف الشوباشي، وكان دائمًا الهاجس الذى يسبب إزعاجًا لكل منهم يكمن في اختيار فيلم الافتتاح وخاصةً بعد بداية نشاط مهرجان دبي الذي سحب البساط لبعض الوقت من تحت أقدام مهرجان القاهرة فكان منتجو الأفلام المصرية يفضلون المشاركة بأفلامهم في مسابقة دبي، نظرًا للجوائز المالية الضخمة التي كان يقدمها المهرجان، وهذا مادفع بعضهم للبحث عن أي خبطةٍ فنيةٍ فتم دعوة بعض أبطال مسلسل الجريء والجميلات ومنهم "رون موس" الذى كان يلعب شخصية الفتى البلاي بوي "ريدج "، وأحدث وجوده حالة هائلة من الضجيج الإعلامي وتزاحم النساء عليه، ولكن كان النقد الموجه للمهرجان أن الضيف رغم شهرته، إلا أنه ممثل تليفزيوني محدود الشهرة، ولم يكن لائقًا استضافته فى أكبر وأهم مهرجان سينمائي في الشرق الاوسط! وفي حين وجهت الصحافة نقدًا لحسين فهمي لحرصه على أن يلتزم ضيوف المهرجان بارتداء الملابس الرسمية والكرافت أو البابيون وكان رأيهم أن هذا تعنتًا لا يليق، خاصةً وأن نسبةً كبيرةً من الصحفيين الذين يغطون أحداث المهرجان لا يمتلكون ملابس رسمية، وتناسوا كل أنشطة المهرجان وأفلامه ونشراته ومطبوعاته، ولم يتراجع حسين فهمي ولم يتراجعوا، وتربصوا به عند قبوله عرض فيلم اختفاء جعفر المصري الذي كان من بطولة نور الشريف وحسين فهمي ورغدة وإخراج عادل الأعصر، كان الفيلم ضمن البرنامج الرسمي، لكنه لم يحصل بالطبع على أية جوائز، ولم يطق حسين فهمي صبرًا مع الهجوم المتكرر عليه، فاعتذر أو تم استبعاده، وكانت السيدة سهير عبد القادر تسيطر على كل من توالى على مقعد رئيس المهرجان، ويبدو أن طموحها كان أكبر من أن تلعب دورًا غير أساسي وغير واضح، رغم علاقتها الوطيدة بكثير من النجمات والنجوم والعاملين بالصحافة، وإن لم تكن تعرف من هي سهير عبد القادر فهى كانت سكرتيرة لسعد الدين وهبة ،وقريبة من دوائر الحركة فى وزارة الثقافة أيام فاروق حسني ويبدو أنه كان لها دورٌ في ترشح رئيس المهرجان، حتى إن خناقتها مع شريف الشوباشي أدت إلى استبعاده من رئاسة المهرجان بشكل مهين! ولكن بعد قيام ثورة يناير وخروج فاروق حسني من الوزارة ضاعت أحلام سهير عبد القادر فى الحصول على أي موقع في المهرجان، ثم توالى على رئاسة المهرجان الناقد الكبير سمير فريد، ثم الناقدة ماجدة واصف، التي استمرت لعامين متواليين، وكانت الأمور قد استقرت إلى حدٍّ كبير، كل هذه السنوات التى بدأت فيها علاقتي مع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، شاركت فيها في لجنة المشاهدة، وهي مهمة تتيح لأعضائها متابعة عدد ضخم جدًا من الأفلام العالمية وكتابة تقارير عنها بعضها يتم قبوله وبعضها يتم رفضه سواء لأسباب فنية أو رقابية! وطوال هذه السنوات التي تعاقب عليها من جلسوا على مقعد الرئيس كان الدينامو الذى يحرك المهرجان ويعمل بدون أي ضجيج ، ويختار معاونيه بعناية ونظرة ثاقبة لا تخطئ هو الراحل يوسف شريف رزق الله، عرفته لأكثر من ثلاثين عامًا، لم يتغير عشقه وحماسه للأفلام الجميلة، سافرنا كثيرًا مع جمع من زملاء المهنة لمهرجان كان، حيث كان يقدم رسالة يومية للتليفزيون المصري، وحدث أن استضافني أكثر من مرة للحديث عن أهم الأفلام التي شاهدتها فى الدورات المختلفة لمهرجان كان.. يوسف شريف رزق الله كان حريصًا على متابعة أنشطة كل زملائه وتلاميذه ويعرف إمكانيات كل منهم، ليضعه في المكان الصحيح، هذا العام 2019 يغيب يوسف شريف رزق الله بعد حضور مكثف ونشاط لا يهدأ استمر قرابة الأربعين عامًا، وكان لابد أن يستريح ويسلم الراية لأحد تلاميذه المرموقين أحمد شوقي، ورغم غيابه إلا أن الجميع يعمل بجدية لتظهر الدورة القادمة بمستوى يليق باسم مهرجان القاهرة ومكانته بين مهرجانات العالم، والحمد لله فإن رئيس المهرجان محمد حفظي لم يفته تكريم يوسف شريف رزق الله في حياته، وكان ذلك في العام الماضي ،وبعد رحيله سوف يقدم المهرجان ما يليق بتكريمه كواحد من أهم من أثروا حياتنا الثقافية فى مجال السينما طوال النصف قرن الأخير.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved