ماجدة موريس تكتب: استفتاء مهرجان القاهرة السينمائي وزمن سعد الدين وهبة

آخر تحديث: الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 2:15 ص بتوقيت القاهرة

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

حين تمر عليك السنوات، والشخصيات، وأنت قابعٌ في موقع يتيح لك المعرفة بكيفية إدارة ملفات هذه المؤسسة أو تلك، وأهمية تلك الإدارة بالنسبة لأسلوب سير العمل، خاصة إذا كان عملًا ينتمي للثقافة، والمعرفة، والفن، وما يعنيه ذلك بالنسبة للكثيرين من العاملين في مؤسسات الدولة المصرية، والذين يعتقدون أن أمور الفن، والثقافة بشكل عام، لا تحتاج إلى جهد كبير وإدارة مميزة، خاصة إذا كان مهرجان للسينما تقيمه وزارة الثقافة، ويقع تحت رعايتها المباشرة..  حين يصبح هذا هو التوجه العام الذي يحكم الرؤية لمؤسسة تعمل من أجل مهرجان سنوي دولي للسينما في العالم، يحمل اسم مصر، ويحقق نجاحاتٍ مميزةً منذ انطلاقه في منتصف السبعينيات، يصبح من المنطقي أن أتذكر أنا وغيري أوقاتًا ومواقف مهمة في تاريخ هذا المهرجان الذي تشرفت بعضوية لجنته الاستشارية العليا لمدة تزيد على عقدين من الزمن.. وخلالها تتابع على رئاسته شخصيات هامة، استطاع بعضها أن يترك أثرًا، والبعض الآخر لم يمهله الوقت.. أو الظروف لكي يفعل هذا بالرغم من قدراته..  وبالرغم من أن إدارة مهرجان كبير وراسخ، يعد واحدًا من أهم عشرة مهرجانات سينمائية دولية من قبل الاتحاد الدولي للمهرجانات السينمائية مهمة صعبة، إلا أن ما جعلها أفضل وأسهل في أوقات عديدة هو حسن اختيار فريق العمل من قِبَل رئيس المهرجان، والاعتماد على من يمتلك الخبرات الإدارية الجيدة لإدارة العمل اليومي خاصةً في الأوقات الصعبة، وأيضًا الإدارة الفنية الجيدة المؤهلة لعمل شاق في البحث عن الأفلام المهمة والقوية في كل مكان في العالم، وهي مهمة تبدو أسهل بكثير الآن من عقود سابقة، كما أن الشغف بالسينما والبحث عنها أصبح الآن أيضًا يساوي بين الهواة والمحترفين..  ولكن في أزمنة سابقة عاشها مهرجان القاهرة كانت اختيارات خبرائه قضية شديدة الأهمية.. وعمل شاق للجان المشاهدة من النقاد والمختصين على مدى أغلب أيام العام، باختصار.. كان المهرجان في زمن رئاسة سعد الدين وهبة مختلفًا في أمور متعددة، سأجتهد في تقديمها، من أجل تقديم صورة واضحة لما أعتقد أنه النموذج الأفضل للإدارة.

- أولًا..  كان الهيكل الإداري للمهرجان واضحًا، وثابتًا، وتخصصات العاملين به محددة، وكل منهم يعرف جيدًا من أين يبدأ..  وأين ينتهي.. وكيف يؤدي دوره بانتظام، وبدون انتظار لتعليمات الرئيس العلى..

-وثانياً..كانت اللجنة الاستشارية معاونة للعمل منذ اللحظة الأولى، تجتمع دائمًا لطرح الأفكار حول مسار العمل، وتناقش كل ما يخص علاقة المهرجان ببقية مؤسسات الدولة، خاصةً الداعمة له، وإمكانيات البحث عن أبواب جديدة للدعم وما يخص مهام الدورة الجديدة، بل ويوكِل رئيس المهرجان لأعضائها مهام محددةً للقيام بها وفقًا لما تسفر عنه المناقشات، والاقتراحات المطروحة على مائدة الحوار المستمر للّجنة التي تحولت في هذا الوقت إلى لجنة عاملة..  من أجل المهرجان، أو شريك أساسي وليس فرعي يقدم الاستشارات في المراحل الاخيرة.. غير أن هذا التفاعل بين أعضاء اللجنة، وبين رئاسة المهرجان، وإدارته، كانت له أهميته في قرارات هامة صدرت عن المهرجان أثناء رئاسة الأستاذ سعد الدين وهبة له.. وأتوقف هنا عند اثنين منها.. الأول يخص قرار رئيس المهرجان بعرض فيلم (الطريق إلي إيلات) في افتتاح الدورة الثامنة عشرة للمهرجان عام١٩٩٤ والثاني يخص قرار عمل استفتاء من خلال المهرجان لاختيار أهم مئة فيلم مصري بمناسبة الدورة العشرين للمهرجان عام١٩٩٦.

الطريق إلى إيلات.. فيلم الافتتاح

في الوثائق المحفوظة عن هذه الواقعة، أن هناك من اعترض على عرض هذا الفيلم في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الكبير، قالوا إنه فيلم تليفزيوني، من إنتاج قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصريّ، ولكن كانت هناك وجهة نظر أخرى، قالها رئيس المهرجان، بالحرف الواحد في تصريح منشور في أكثر من جريدة وهي (أكد سعد الدين وهبة رئيس المهرجان أن (الطريق إلى إيلات) ليس فيلمًا تليفزيونيًا، بمعني أنه لم يصور بكاميرات ڤيديو،وله أسلوب خاص في الإنتاج والإخراج، وتنطبق عليه شروط الإنتاج والإخراج السينمائي وإن كان من إنتاج التليفزيون)، وأوضح أيضًا رئيس المهرجان (أن الافتتاح بفيلم من إنتاج التليفزيون ليس بدعة، في جميع مهرجانات العالم تفعل ذلك، وآخرها مهرجان القاهرة نفسه عام ١٩٩٤، والذي شارك في مسابقته الرسمية تسعة أفلام من إنتاج التليفزيون من بين ٢٣ فيلمًا..  كما أن مهرجان القاهرة يستضيف هذا العام مدير القناة السابعة بالتليفزيون باريس، وهي من القنوات النشيطة في إنتاج أفلام عربية، آخرها فيلم ("المهاجر" ليوسف شاهين)... وأشار رئيس المهرجان إلى أن (فيلم (الطريق إلي إيلات )يصور بطولات واقعية لأفراد من قواتنا المسلحة أثناء حرب الاستنزاف..وأنه بالرغم من أن هناك معاهدة سلام لكن يجب علينا ألا ننسى بطولاتنا، وابطالنا، والتأكيد على هذه البطولات حتى في زمن السلام، خاصة أن المهرجان يستضيف الأبطال الحقيقيين في حفل الافتتاح، (ولقد قصّرنا معهم كثيرًا في الفترة الماضية ولَم يأخذوا حقهم من التكريم.. وعرض الفيلم في الافتتاح هو نوع من التعويض عن إهمال بطولاتهم).

ومن الملفت للنظر هنا هذا الإيمان العميق لرئيس المهرجان في ذلك الوقت بأهمية عرض فيلم عن بطولات الضفادع البشرية المصرية ورفض أي حجج تقال ضد هذا العرض، وربما كان السبب هو أنه الفيلم الأول الذي يتم إنتاجه عن البطولات المصرية بعد صيام عن الإنتاج طال لعشرين عامًا كما أعلن منتجه وقتها ممدوح الليثي، رئيس قطاع الإنتاج التلفزيوني في هذا الوقت..  وبرغم ما تناولته بعض الأخبار، والشائعات عن رفض وزير الثقافة في ذلك الوقت - فاروق حسني - لهذا الاختيار، إلا أن هذا الخلاف - لو كان حقيقيَا - لم يظهر للعلن، وتم افتتاح المهرجان مساء ٢٨نوڤمبر عام١٩٩٤من قبل وزير الثقافة بحضور وزير الإعلام وعدد كبير من الوزراء الذين لبّوا الدعوة لأجل الفيلم تحديدًا ومعهم أبطال المعركة الحقيقيون، وأبطال الفيلم، والذي شهدت ندوته في اليوم التالي حضورًا واهتمامًا كبيرًا من الإعلام المصري والعالمي، بحضور الأبطال ومنتجه ممدوح الليثي وكاتب الفيلم فايز غالي، ومدير تصويره ومخرج المعارك تحت الماء سعيد شيمي، والمخرجة أنعام محمد علي..  ومن الملفت هنا أن عرض هذا الفيلم الذي يعبر عن حدث مصري هام لم يتعارض مع كل إجراءات حفل الافتتاح و ضيوف المهرجان الأجانب، في هذي الدورة ومنهم النجمان الأمريكيان (مارشا ميسون) و(نيكولاس كيدچ)، والمخرج الأمريكي (مايكل وينر) ومع رؤساء لجان تحكيم ولا مع تكريمه لكل من المخرج الكبير هنري بركات المهرجان، المنتج الأمريكي (إيريك إيليسكو)، والمخرج المصري (يوسف شاهين) والمنتج الكبير جمال الليثي.. بالنجمين الكبيرين، فريد شوقي.. لشادية، بعد اعتزالها.. 

المهرجان..والاستفتاء الكبير

(تحت مظلة الاحتفال بمرور مئة عام على دخول السينما إلى مصر في نوڤمبر ١٨٩٦ يصبح تقييم حصاد السنين في مجال الأفلام الروائية المصرية الطويلة - وقد أوشك عددها أن يصل إلى ثلاثة آلاف فيلم - من الأمور الملحّة الهامة لرصد ملامح هذا الحصاد ومعرفة عناصر تميزه ومواطن ضعفه)..  هكذا بدأ الناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت، المشرف على مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي افتتاحية كتاب المهرجان عن السينما المصرية في مئة عام، والذي صدر ضمن إصدارات الدورة العشرين، وفِي هذه الكلمة المهمة التي روى فيها أحمد رأفت قصة الاستفتاء، وأسماها، أي المقدمة، (حصاد السنين) حكى قصة الاستفتاء، مستعيدًا واقعة أسبق لرئيس المهرجان سعد الدين وهبة قائلًا بالحرف الواحد ما يلي: (ولا شك أن الاستفتاءات بين السينمائيين والنقاد والمؤرخين من وسائل الاستدلال وتحديد خطوات التقييم. وهو ما آمن به الأستاذ سعد الدين وهبة من وحي خبراته المتعددة في كافة المجالات الثقافية والفنية ومن بينها بطبيعة الحال السينما، ففي عام١٩٨٣ وفِي ظل رئاسته للاتحاد العام للنقابات الفنية، ومن خلال مجلة الاتحاد (الفنون) كان تشريفه لي لإجراء استفتاء لاختيار أفضل عشرة أفلام تم إنتاجها في السينما المصرية منذ قيام الثورة وحتى عام ١٩٨٢ بغرض رصد تأثير المتغيرات الاجتماعية والسياسية على اتجاهات الفيلم السينمائي بعد ثلاثين عامًا من قيام الثورة المصرية. واليوم..  ومن موقعه كرئيس لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وبمناسبة الاحتفال بمئوية دخول السينما إلى مصر، يشرفني للمرة الثانية بإجراء استفتاء لاختيار أفضل مئة فيلم روائي مصري طويل تم إنتاجه منذ بداية ظهور أول فيلم روائي طويل عام ١٩٢٣(في بلاد توت عنخ آمون) وحتى آخر فيلم تم إنتاجه عام ١٩٩٥).

الاستفتاءات..  وتاريخ السينما في العالم

في الجزء الثاني من (حصاد السنين) يعرض أحمد رأفت تاريخ الاستفتاءات السينمائية في العالم.. بداية باستفتاء السينماتيك البلچيكي، الذي كان أول استفتاء سينمائي شهده العالم عام ١٩٥٢، وأجري خلال انعقاد (المهرجان الدولي للفيلم والفنون الجميلة) في بلچيكا، وكان موضوعه هو اختيار أحسن عشرة أفلام قدمتها السينما العالمية منذ نشأتها، وقد دعي للاشتراك في هذا الاستفتاء مئة من السينمائيين العالميين اختارهم المسؤولون عن السينماتيك البلچيكي، وكان أغلبهم من المخرجين، ولكن النتائج لم تكن على المستوى المأمول، فقد أرسل ٦٣من ١٠٠مدعو ردودهم فقط، ٢٦منهم من فرنسا التي هي مثلت الاستجابة الأكبر، بينما لم يرد سينمائي واحد من بلاد مثل الهند والصين واليابان وروسيا، ومن الغريب أيضًا - كما أكد أحمد بهجت في كتاب الاستفتاء المصري - أن عددًا من كبار المخرجين العالميين أمثال شارلي شابلن و رينيه كلير وچان كوكتو وألفريد هيتشكوك ولورانس أوليڤييه أبدوا عدم رغبتهم في المشاركة في هذا الاستفتاء والذي اتضح بعد فحص خطواته مؤخرًا وجود بعض الظواهر السلبية وأهمها انحياز المخرجين لأعمالهم، واختيارهم أفلامهم مثلما حدث مع المخرج الأمريكي (سيسيل دي ميل) الذي جعل أفلامه تتسيد قائمة اختياراته للأفلام العشرة الأفضل، واختار أربعة منها هي (الوصايا العشر) و(ملك الملوك) و(علامة الصليب) و(شمشون ودليلة) باعتبارها ضمن قائمة أفضل أفلام السينما في العالم قبل عام ١٩٥٢ وهو ما غيّر النظرة إلى الاستفتاءات بالنسبة للجهات التي قررت إجراءها فيما بعد، وترجيح كفة العاملين بالنقد السينمائي لاختيار الأفلام الفائزة فيها.

الاستفتاءات..  هناك.. وهنا

لقد شهد العالم السينمائي بعد الاستفتاء الأول الكثير من المتغيرات التي من المهم معرفتها كما أكد المسئول عن الاستفتاء الأول لمهرجان القاهرة السينمائي، والذي لا يزال حتى الآن الأول، لأنه لم تتلوه استفتاءات أخرى للفيلم المصري من قبل أي مهرجان سينمائي في مصر (فقط أقام مهرجان "دبي" السينمائي استفتاء حول أفضل مئة فيلم عربي قبل توقفه - أي المهرجان - عام ٢٠١٧. لكن المؤكد أن اُسلوب الاستفتاء على الأفضل سينمائيًا استمر وتطور بعد استفتاء بلچيكا الأول، وأن أفضل هذه الاستفتاءات هو الاستفتاء الذي تجريه مجلة (سايت أند ساوند) الانجليزية التي يصدرها معهد الفيلم البريطاني، والتي بدأت منذ العام التالي للاستفتاء البلچيكي - ١٩٥٣ -إجراء استفتاء كل عشر سنوات..  ويذكر الكتاب استفتاءات أخرى مهمة يجريها (معهد الفيلم الأمريكي) و(معرض بروكسل الدولي) وقوائم لأفضل عشرة أفلام سنويًا تقوم بإعدادها مجلات ومطبوعات غربية متعددة منها مجلة (نيويورك تايمز) منذ عام١٩٢٤، أي إنها الأقدم في العالم كله، لكنها قوائم للفيلم الأمريكي فقط وليست استفتاء يجري على نطاق واسع، ومن متخصصين.. وما يعنينا هنا أكثر ما أكد عليه مسئول مطبوعات مهرجان القاهرة من أهمية الاستفتاء والعناصر التي سعى المسؤولون عنه إلى إظهارها من خلال نموذج استفتاء (سايت آند ساوند) الذي اعتبره الاستفتاء الأفضل بين ما يتم إجراؤه في مؤسسات السينما والنقد في العالم للأسباب التالية:

أولًا - أنه يهدف إلى اختيار الفيلم الأفضل من وجهة النظر الشخصية للناقد السينمائي وليس الفيلم الأكثر شهرة أو نجاحًا جماهيريًا

ثانيًا - أن للاستفتاء هدفًا رئيسيًا هو القيام بعملية ربط الماضي بالحاضر السينمائي

ثالثًا - الاهتمام بأن يحدد الناقد الأفلام حسب أهميتها في المقام الأول، ولكنه، في الوقت نفسه، لا يتجاهل مواقف النقاد الذين يختارون قوائم الأفلام حسب الترتيب الزمني أو الأبجدي أو بعيدًا عن الالتزام بشروط الترتيب..

من الاستفتاء..إلى السينماتيك

هذه الملامح للاستفتاء النموذج الذي اختاره مسئول مهرجان

القاهرة لم تأتِ اعتباطًا، وإنما كان لها أسباب هامة، ومؤثرة في علاقة الناس بالسينما وتطورات هذا الفن، ففي الاستفتاء الأول للمجلة (سايت آند ساوند) احتلت ستة من أفلام السينما الصامتة موقع الصدارة..  وفِي الاستفتاء الثاني(١٩٦٢)تناقص العدد للثلث ليصبح فيلمين، وفِي الثالث، بعد عشر سنوات أخرى (١٩٧٢) أصبح فيلمًا واحدًا لتنسحب كلاسيكيات السينما الصامتة أمام صعود اتجاهات وظواهر جديدة في السينما العالمية، وينطبق هذا أيضًا على فيلم غير صامت لڤيتيريو دي سيكا المخرج الإيطالي الشهير (سارق الدراجة) فقد كان الأول في استفتاء ١٩٥٢، ثم السابع عام١٩٦٢، والاستفتاء الثالث عام١٩٧٢ اختفى تماما..  وسقطت من القائمة.. ويمضي أحمد بهجت في الكتاب ليؤكد أن ما قدّمته نتائج هذه الاستفتاءات في هذا الزمن دلائل مهمة، منها أن السينما تتطور باستمرار، وأن (العالم لم تعد تحركه السينما الصامتة الأمريكية وإمكانياتها الكبيرة، ولا الانبهار الأول بالواقعية الإيطالية، وإنما أصبحت هناك اتجاهات عالمية متجددة كان موقف النقاد منها يحدد التطور في الإنتاج العالمي.. فبين الاستفتاء الأول والثاني، شهد العالم شروق الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، ونمو السينما في أوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، واكتشف النقاد السينما الجديدة في اليابان والسويد وبريطانيا والهند بحث استطاعت هذه السينمات أن تقف على أقدامها أولًا ثم أخذت تسير في طريق التقدم..  ولَم تعد تشعر أنها في وضع ثانوي بالنسبة للسينما الأمريكية، خاصة من ناحية القدرة على التعامل مع قضايا الإنسان بفهم وعمق قلما يتوافران للعديد من الأفلام الأمريكية.. ) وينهي الناقد والباحث الكبير مقاله الهام..حصاد السنين.. بتساؤل مهم، بل شديد الأهمية من هذا الزمن.. (استفتاء مهرجان القاهرة السينمائي عام١٩٩٦) إلى زمننا الحالي الآن.. عن أهمية وجود سينماتيك لأي بلد تهتم بالحفاظ على ما تمتلكه من وثائق فيلمية.. مؤكدًا أن من بادر بإقامة الاستفتاء الأول في العالم هو (السينماتيك) البلچيكي، وأن الاستفتاءات نشطت واستمرت في العالم في بلدان تمتلك مكتبات فيلمية شاملة سواءً على مستوى الإنتاج المحلي أو العالمي.. (وهو ما قد يجعلنا نرى أن البحث عن الأفضل في تاريخ السينما المصرية هو بحث عن المجهول) والأسباب نجملها في الآتي: (.. فلا يوجد سينماتيك مصرى، أو حتى أرشيف وثائقي متكامل، خاصة بعد أن تآكلت ملفات المركز الكاثوليكي للسينما نتيجة اختفاء الكثير من محتوياتها، وانحسرت المادة المتاحة في ملفات مركز الثقافة السينمائية على الفترات الحديثة،و أصبح هناك استحالة في الاستفادة من الوثائق السينمائية الخاصة بالمؤرخين الراحلين أمثال أحمد كامل مرسي،وفريد المزاوي، بالإضافة إلى عدم وجود دوائر معارف سينمائية تؤرخ الأسماء الهامة، وموضوعات الأفلام، والتقييم النقدي الهام لها مثلما نجد موسوعات أجنبية متخصصة، ولا يترك أحمد رأفت الساحة خاوية، ومحبطة، ولكنه يقدم بعض البدائل الممكنة في الحالة المصرية، (التي قد تلعب دورًا في الاسترشاد) منها التزايد الملحوظ في شرائط الڤيديو الخاصة بالأفلام المصرية، الحديثة، والقديمة، ومحاولات لعرض الكلاسيكيات السينمائية واكتشاف المفقود منها تقوم بها مهرجانات السينما المصرية والمركز القومي للسينما وصندوق التنمية الثقافية، وأيضًا مجهودات عديدة في مجالات التأريخ وحلقات بحثية، وإعداد موسوعات سينمائية، وأنشطة مستحدثة في مجال تسجيل ملامح من تاريخ السينما المصرية في برامج خاصة بالكمبيوتر.

مصر..مائة سنة سينما

بصورة من أروع صور (دعاء الكروان) لأحمد مظهر وفاتن حمامة يطالعنا غلاف الاستفتاء الكبير لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي العشرين، وقد كتب أنه من إعداد وتقديم أحمد رأفت بهجت وتحرير نخبة من السينمائيين و المؤرخين والنقاد،

وحتى يتم هذا الاستفتاء لاختيار أهم مئة فيلم روائي في تاريخ السينما المصرية قام المهرجان بطبع كتاب يشمل قائمة كاملة بالإنتاج السينمائي وتحوي عناوين ٢٧٥٠ فيلمًا وأسماء مخرجيها وأبطالها، و((توجهنا بها مع استمارات الاختيار إلى أكثر من ١٥٠ شخصية من السينمائيين والنقاد والكتاب والصحفيين لكي يختار كل منهم أهم مئة فيلم دون التقيد بترتيب معين..  ولَم يجب على الاستفتاء وملء الاستمارات سوي عدد حرصنا على أن يصل إلى المائة حتى يسهل تحديد النسبة المئوية من الأصوات لكل فيلم يتم اختياره ما جعل فترة تلقي الاستمارات تستمر أكثر من شهر.. أما الشخصيات التي لم تتجاوب مع الاستفتاء فكان أغلبها من المخرجين والممثلين والمهنيين، وعدد ضئيل من النقاد والصحفيين)).

تضمنت القائمة الأولى من المشاركين في الاستفتاء كتابَ سيناريو ومخرجين ومصورين سينمائيين، ونجوم تمثيل من كافة الأجيال، أما القائمة الثانية فضمت العاملين بالصحافة والنقد والأدب، وليأتي فيلم(العزيمة) إخراج كمال سليم، ومن إنتاج عام ١٩٣٩ في المركز الأول يليه (الأرض) ليوسف شاهين، إنتاج عام ١٩٧٠ بفارق صوتين، ثم (المومياء) فيلم المخرج شادي عبد السلام - إنتاج ١٩٧٥ الثالث، وبعده باب الحديد) عام ١٩٥٨لشاهين، والخامس كان (الحرام) لبركات إنتاج عام١٩٦٥، ويأتي (شباب امرأة) إنتاج ١٩٥٦ لصلاح أبو سيف في المركز السادس، ويحتل أبو سيف أيضًا المركز السابع بفيلمه (بداية ونهاية) إنتاج ١٩٦٠، بينما يحصل عاطف الطيب على المركز الثامن بفيلمه (سواق الأوتوبيس)إنتاج عام١٩٨٣، ويأتي أنور وجدي التاسع بفيلمه (غزل البنات)عام١٩٤٩، وفِي المركز العاشر يعود صلاح أبو سيف بفيلمه (الفتوة) إنتاج عام١٩٥٧،ومن الجدير بالذكر هنا أن الأفلام المختارة أصبح عددها ١٠١ فيلم وليس مئة بعد أن تساوت أصوات الأفلام الثلاثة الأخيرة في الاستفتاء، وكانت أفلام (دنانير) إنتاج١٩٤٠ وإخراج أحمد بدرخان، و(الزوجة١٣) لفطين عبد الوهاب وإنتاج ١٩٦٢ و(انتبهوا أيها السادة) محمد عبد العزيز وإنتاج ١٩٨٥، ويلاحظ الناقد المشرف على الاستفتاء أن اختيارات المشاركين في الاستفتاء تتسق مع نتائج اختبارات سابقة لأهم الأفلام المصرية، مثل قائمة الناقد السينمائي الكبير الراحل سعد الدين توفيق لأحسن مئة فيلم مصري والتي نشرها عام ١٩٦٩ في كتابه الشهير (قصة السينما في مصر) الذي صدر عن مطبوعات دار الهلال، وقد توافقت نتائج الاستفتاء مع ٤٤ فيلمًا من قائمة سعد الدين توفيق، كما أن هذه النتائج تتوافق أيضًا مع كل الأفلام المختارة من مسابقة المركز الكاثوليكي السنوية لاختيار الأفلام المصرية التي تترشح لجائزة أحسن فيلم أجنبي في مسابقة الأوسكار الأمريكية..  وأيضًا توافقت أفلام استفتاء المهرجان مع ٥٢ فيلمًا من اختيارات النقاد في استفتاء أجرته مجلة (الفنون) الثقافية عن أفلام الفترة من ١٩٥٣ – ١٩٨٣.. ومن الملفت أيضًا في نتائج الاستفتاء في رأي الكثيرين وقتها احتلال فيلم (العزيمة)للمركز الأول، وحيث حصل علي مجموع ٩٥٪ من الأصوات، لأنه الفيلم المصري الوحيد الذي جاء ذكره بين الروائع المئة للسينما العالمية وفقًا لاختيار شيخ المؤرخين في العالم المؤرخ الفرنسي چورچ سادول، والذي وضعه في نفس مرتبة أفلام (ألكسندر نيڤسكي) للمخرج الروسي أيزنشتاين، و(قانون اللعبة) الفرنسي چان رينوار.. وأخيرًا، يعترف المشرف على الاستفتاء (بحقيقة لا يمكن تجاهلها) وهي أن الخمسين فيلمًا التالية لقائمة الأفلام المئة اقتربت في عدد الأصوات من الأفلام التي احتلت الثلث الأخير من القائمة، مما يعطيها حق الرصد، والإشارة.. وفِي تقدير كاتبة هذه السطور أن تلك الأفلام من أهم أفلام السينما المصرية أيضًا.. ولكنه احترام القانون الذي بدونه لم يكن هذا الاستفتاء التاريخي سينجح.

أستفتاء حول عشق السينما والوطن

عن العلاقة بين عشق السينما..  وبين ذلك التفاعل الجماعي الخلاق معها باعتبارها تجربة اجتماعية وجماعية يذهب إليها الناس أفواجًا للجلوس في قاعة مظلمة وتلقي ما تعرضه عليهم من صور وحكايات وقصص، وحيث يشعر كل منهم أنه جزء من كل، يضحكون ويبكون معًا في حالة وجدانية جماعية يصفها الناقد الدكتور أحمد يوسف في أول دراسات الكتاب الذي أصدره المهرجان، والذي تضمن إلى جانب تقديم الناقد أحمد رأفت بهجت قصته، وقصة الاستفتاءات في العالم، وأهميتها، وكيف تمت خطواته، وكل هذا ضمن الباب الأول للكتاب الذي تضمن أيضًا دراسة للناقد أحمد يوسف بعنوان (استفتاء حول عشق السينما.. والوطن) تحلل علاقة السينما بالناس في مصر..  وأهميتها في شحذ التواصل والإبقاء على الذاكرة الجماعية التي تجمع الناس في زمن (أصبح فيه الاختلاف أعمق من الاتفاق فأصبحت السينما هي (أحد قلاعنا الأخيرة التي تمثل البقية الباقية من أحلامنا الجماعية) ويمضي الكاتب في تتبع علاقة (المشروع الإنساني بداخل كل منا مع المشروع القومي وما تحدثه السينما من تأثير من خلال تتابع أجيال صناعها.. متوقفًا عند تحليل بعض نتائج الاستفتاء كأهمية الأفلام التي حصدت المراكز العشرة الأولى.. خاصة العزيمة، ثم يتطرق إلى رحلة السينما المصرية منذ مولدها، وسنوات الانطلاق، وما أضافته تجربة ستوديو مصر لها، ليصل إلى سنوات الازدهار وسنوات الانحسار، ويقدم تقييمًا لصناع هذه السينما بدءًا ومخرجيها، ثم ممثليها وكتابها والتحولات في أساليب التعبير السينمائي من خلالهم، والتجول بين مضامين الأفلام من خلال الشكل السينمائي الذي ظهرت به ومدى قدراتها التعبيرية باستغلال جدلية علاقة الشكل والمضمون..  وينتهي الباب الأول بتقديم نتيجة الاستفتاء بالتفصيل من إعداد وتوثيق الناقد محمد عبد الفتاح، والذي قدم المئة فيلم بتوثيق دقيق للمعلومات، ولقصة كل فيلم كنموذج مهم، وهذه الأفلام هي: العزيمة، الأرض، المومياء، باب الحديد، الحرام، شباب امرأة، بداية ونهاية، سواق الأتوبيس، غزل البنات، الفتوة، الناصر صلاح الدين، البوسطجي، رد قلبي، دعاء الكروان، اللص والكلاب، الزوجة الثانية، أم العروسة، القاهرة ٣٠، شيء من الخوف، الطوق والأسورة، أريد حلًا، لاشين، في بيتنا رجل، الكيت كات، صراع في الوادي، جعلوني مجرمًا، ريا وسكينة، البريء، ميرامار، زوجة رجل مهم، السقا مات، إسكندرية ليه، زوجتي والكلب، السوق السوداء، مراتي مدير عام، أحلام هند وكاميليا، أهل القمة، حياة أو موت، الكرنك، زائر الفجر، النائب العام، درب المهابيل، ليل وقضبان، إحنا التلامذة، العصفور، على من نطلق الرصاص، لك يوم يا ظالم، ثرثرة فوق النيل، صراع الأبطال، أين عمري؟..  عودة الابن الضال، المهاجر.. الاختيار، جميلة، ليه يا بنفسج، العار، خرج ولَم يعد، بين النساء والأرض، غروب وشروق، للحب قصة أخيرة، أمير الإنتقام.. المستحيل، قنديل أم هاشم،المذنبون، رصاصة في القلب، أغنية على الممر، المراهقات، الحب فوق هضبة الهرم، يوميات نائب في الأرياف، الوحش، سوبر ماركت، امرأة في الطريق، بين الأطلال، أبناء الصمت، الصعود إلى الهاوية، سلامة في خير، الأيدي الناعمة، المتمردون، خلي بالك من زوزو، الأڤوكاتو، سي عمر، ابن النيل، أيامنا الحلوة، حدوتة مصرية، زينب، صراع في النيل،واإسلاماه، أبي فوق الشجرة، إمبراطورية ميم، اللعب مع الكبار، غرام وانتقام، المنزل رقم ١٣، الخطايا، الجبل، السمان والخريف، بين القصرين، أنا حرة، الرجل الذي فقد ظله، دنانير، الزوجة رقم١٣، انتبهوا أيها السادة.

ميلاد..  وتطور

عن سنوات التكوين للسينما المصرية قدم الدكتور محمد كامل القليوبي، المخرج والباحث السينمائي دراسته في بداية الباب الثاني للكتاب، وهي دراسة تتناول ٣٩ عامًا من تاريخ السينما المصرية في بداياتها الأولى، والتي سجل فيها تاريخ هذا الفن وأن أول عرض سينمائي تم بمصر عقب اختراع السينما مباشرةً على يد الأخوين لوميير في فرنسا كان بمصر، وحيث لم ينتهِ عام اختراعها (١٨٩٦) إلا وكانت السينما قد انتشرت عبر أوروبا وأمريكا من خلال أصحاب القاعات الموسيقية والفنية في هذه البلاد، وكانت مصر هي الاستثناء كأول بلد غير أوروبي يقام بها عرض سينمائي في ٥ نوڤمبر من نفس العام بمبنى بورصة طوسون بالإسكندرية من خلال مغامر أوروبي اسمه هنري ديالو ستروجللو، وهكذا فإن الاحتفال بمئوية السينما في مصر يواكب الاحتفال بمئويته في البلاد التي وصلت إليها قبل غيرها بفضل أصحاب توكيلات عروض الأخوين لوميير. والذين كانت مصر وقتها أحد أهدافهم الرئيسية باعتبارها بوابة القارة الافريقية،ومركز القوة للعالمين العربي والإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر..  ويمضي د.القليوبي في دراسته مؤكدًا أن تاريخ السينمائي بأي بلد تحدده ثلاثة تواريخ، أولها تاريخ أول عرض سينمائي، ثم تاريخ أول فيلم من إنتاجه، و برؤوس أموال تنتمي له، أما التاريخ الثالث فهو تاريخ الصناعة نفسها، ويحدده تاريخ إنشاء أول استديو سينمائي للإنتاج، ثم يعود ليضع مقياسًا آخر لتاريخ السينما في أي بلد هو تاريخ صنع جمهور السينما وتكوينه.. ويمضي في تقديم الظروف التي بدأت فيها السينما تصبح جاذبة لفئات من المصريين والأجانب، والبدايات، وظهور (محمد بيومي) ليصور فيلمًا وثائقيًا عن عودة سعد زغلول، من منفاه، وبدايات الأفلام الروائية، والصراعات بين الأجانب والمصريين من صناع السينما، وأول معهد للسينما عام١٩٣٢ وصولًا للحلم الكبير.. أي افتتاح ستديو مصر نهاية عام ١٩٣٥. وعنه، أي ستديو مصر، كتب الباحث السينمائي (منير محمد إبراهيم) دراسته التالية، بعنوان (استديو مصر.. مدرسة السينما المصرية) متتبعا رحلة هذا الإنجاز الكبير منذ قرر رجل الاقتصاد محمد طلعت حرب ضم النشاط السينمائي إلى أنشطة بنك مصر وشركاته التي يمتلكها، وتأسست شركة (مصر للتمثيل والسينما) بمرسوم ملكي، تحت اسم (شركة مصر للتيارات والسينما) في عام١٩٢٥، لتكون نواة إنشاء استديو الشركة فيما بعد، وبالفعل تم شراء استديو محمد بيومي، وتعيينه مديرًا للشركة الجديدة، لينضم إليه في مرحلة تالية آخرين،ويقتصر نشاطها على تصوير أفلام الدعاية لشركات بنك مصر ورحلات طلعت حرب، وبعض الأحداث العامة لأن طلعت حرب كان مقتنعًا أن وقت السينما لم يحن بعد إلى أن تغير رأيه بعد نجاح عزيزة أمير في إنتاج وعرض فيلمها الأول (ليلى) عام ١٩٢٧، وهو ما دفع الاقتصادي الكبير لتغيير خططه كلها بشأن السينما..  وإنشاء أكبر وأهم معمل لصناعة السينمائيين ودعمهم بالسفر للدراسة والتدريب لصناعة أهم أفلام السينما المصرية في بداياتها.

من الستينيات إلى التسعينات

ويستكمل كتاب المهرجان في دورته العشرين أبحاث ودراسات الباب الثاني من خلال أربعة دراسات أخرى بجانب دراستَي كلٍّ من الدكتور محمد كامل القليوبي، والأستاذ منير محمد إبراهيم، فيقدم الناقد الدكتور أحمد يوسف دراسة ثانية له بعنوان (صفحات من تاريخ السينما المصرية) يناقش فيها علاقة المتغيرات الكبرى، مثل الحرب العالمية الثانية، بتاريخ السينما في مصر، وصعود قيم الطبقات الطفيلية وأثرياء الحرب، سلبيًا على المجتمع، ثم هجرة وعودة السينمائيين الأجانب لبلادهم، ليجد السينمائيون المصريون أنفسهم في مواجهة مسؤولية استمرار هذه الصناعة، وتداعيات هذا فكريًا وفنيًا..  ويكتب الناقد السينمائي الكبير سمير فريد دراسته عن (الستينيات والقطاع العام في السينما) موثقًا هذه المرحلة من بداية اهتمام الدولة المصرية بصناعة السينما، والذي تمثل في إنشاء (مصلحة الفنون) عام١٩٥٥، ثم (مؤسسة دعم السينما عام١٩٥٧) ثم (المعهد العالي للسينما) عام١٩٥٩، محللًا ما طرحته أولًا مؤسسة دعم السينما من أهداف، قبل أن تتحول بعد عام واحد إلى (المؤسسة المصرية العامة للسينما) لتحقيق نفس الأهداف، وارتباط مسيرتها برحلة صناعة وإنتاج الفيلم المصري، وكيف تم دمجها عام١٩٦٣مع مؤسسة الإذاعة والتليفزيون، إلى قرار تصفيتها عام١٩٧١ بعد إنتاج ١٥٠ فيلمًا روائيًا طويلًا وصلت إلى قمة الواقعية..  وبعده، يقدم المخرج والكاتب هاشم النحاس دراسته بعنوان (ملامح أساسية في سينما السبعينيات) الذي طرح فيه تجربة السبعينيات السينمائية بعد التغيير السياسي ومجيء الرئيس السادات وسماح حركة ١٥ مايو بنقد مراكز القوى وممارسات الستينيات، إلا أن السلطة سرعان ما عادت لنفس الممارسات بعد عام واحد، وبعد أن وجدت موجة جديدة من أفلام النقد السياسي، فصدرت (العصفور)، شاهين، و(زائر الفجر) ممدوح شكري، و(التلاقي) صبحي شفيق، وأفلامًا أخرى، وبعد سنوات قليلةٍ، في بداية عصر الانفتاح الاستهلاكي، وتحويل المنابر إلى أحزاب، اعتقد السينمائيون أنها انفراجة، لكن العكس هو ما حدث بفضل صدور قانون جديد للرقابة على المصنفات الفنية ١٩٧٦ امتلأ بالمحظورات الرقابية..  ومع ذلك فقد استطاع واحد وعشرون فيلمًا من هذه الحقبة الدخول في قائمة أفضل مئة فيلم مصري، كما بدأ ٤١ مخرجًا جديدًا العمل في سينما السبعينيات.. وتأتي الدراسة الأخيرة في هذا الباب الناقد طارق الشناوي عن جيل الثمانينيات والتسعينيات بعنوان (كثير من الأحلام لا يخلو من تنازلات) مؤكدًا على أن جيل الثمانينيات وامتداده في التسعينيات - والتي لم يكتمل عقدها بعد - لديه قدر من الخصوصية في اللغة السينمائية التي تناولوا بها أفلامهم، كما أن لديهم ملامح مميزة ألقت بظلالها على سينما المرحلة كلها، مثل سينما الهامشيين التي اقتربت بصدق من الواقع، وحاولت الإفلات من قولبة الشكل السينمائي السابق عليها، ونتائج الاستفتاء الذي أجراه المهرجان تؤكد هذا حيث تم اختيار ١٨ فيلمًا من هذه المرحلة، قدم١٣ منها مخرجو الثمانينيات، بينها أربعة أفلام محمد خان..  وثلاثة أفلام عاطف الطيب وفيلم أن رأفت الميهي، وفيلم واحد لكل من خيري بشارة، وداود عبد السيد، ورضوان الكاشف، وشريف عرفة، وهو ما يؤكد على أن هذا الجيل قدم أكثر من ٧٠٪ من أهم أفلام تلك المرحلة.. ومع ذلك لم يأخذ حقه من الشهرة بالمقارنة بأفلام الجيل الأسبق، وهو ما يلعب دوره في الاختيار.. 

الباب الثالث..وعشر دراسات

عشر دراسات وأبحاث من بين ٢٦ دراسةً وبحثًا قدمها المشاركون في الاستفتاء لتنشر في هذا الكتاب الأول من نوعه، والذي عبّر في ذلك الوقت، ١٩٩٦عن مرحلة جديدة ذهب إليها المهرجان في اهتمامه بتوثيق وتدقيق تراث السينما المصرية العريق..  وفِي هذا الباب الثالث تضمنت الأبحاث دراسة للدكتور رفيق الصبان عن النمط الإنتاجي للسينما المصرية واختلافه عن نمط الإنتاج في السينما الأمريكية الذي تأثرت به أغلب سينمات العالم في دراسة بعنوان (أضواء صغيرة على حكاية الإنتاج في مصر)..  ويكتب الباحث السينمائي بحثه عن (ستوديوهات السينما في مصر).. بينما نقرأ ثلاثة أبحاث متتالية عن الكتابة السينمائية أولها الصحفي والناقد فتحي العشري بعنوان (القصة والحوار في أفضل مئة فيلم مصري).. والبحث الثاني لكاتب السيناريو والصحفي سمير الجمل عن أرباب السيناريو الذين يسميهم الفرسان – الشهداء – العابرون..  ويحكي عن الجهد الكبير لكتاب السيناريو، سواء القادمين من عالم الأدب، أو الذين ذهبوا إلى السينما مباشرة.. وفِي البحث الثالث يقدم الكاتب والمؤلف السينمائي مصطفى محرم رؤيته لأهمية الحوار في الفيلم السينمائي، خاصة بعد أن انتهت مرحلة السينما الصامتة.. ويكتب الناقد السينمائي نادر عدلي دراسته عن أهم النجوم في تاريخ السينما المصرية ودورهم في تطور ونمو السينما، وفِي البحث السابع يكتب مصمم الديكور السينمائي نهاد بهجت عن (الوظيفة الدرامية لديكور السينما وكيف تعبّر عن الأبعاد الاجتماعية والنفسية وكل ما يقدمه العمل من ملامح..  وفِي البحث الثامن يقدم الباحث والمصور الدكتور إبراهيم عادل دراسته عن مدرسة التصوير السينمائي المصرية بعنوان (نظرة وإطلالة علي المستقبل)، بينما يقدم الدكتور زين نصار، الأستاذ بأكاديمية الفنون دراسة عن موسيقى الأفلام في السينما المصرية)، ويختتم الباب الثالث من الكتاب بدراسة المونتيرة القديرة رحمة منتصر وعنوانها (أحاديث حول المونتاچ).

السينما المصرية وجماليات التلقي

في الباب الرابع والأخير من كتاب الاستفتاء لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي العشرين ست من الدراسات، أولها دراسة للدكتور أحمد يوسف سعد بعنوان (قراءة تربوية للسينما المصرية)،و ثانية للدكتور حسن عطية أستاذ النقد بأكاديمية الفنون عنوانها (السينما المصرية وجماليات التلقي)، ودراسة للباحث منير محمد إبراهيم بعنوان (علامات في رحلة السينما المصرية)..  ودراسة رابعة الناقدة السينمائية ماجدة موريس بعنوان (صورة المرأة في السينما المصرية).. ودراسة للناقد والباحث السينمائي محمود قاسم بعنوان (المكان في أهم الأفلام المصرية)، ثم دراسة للناقد هشام لاشين بعنوان(أنواع الفيلم المصري من واقع الاستفتاء).. وأخيرًا دراسة للناقد سمير شحاتة عن التمثيل المصري في المهرجانات الدولية.. والحقيقة أن هذا الكتاب بما حواه من قواعد الاستفتاء ونتائجه ولتلك الأبحاث المهمة..  وبعضها ليس له مثيل فيما نشر عن السينما المصرية من قبل، يستحق التقدير والاحترام لمهرجان القاهرة، يستحق استعادته، وطباعته من جديد.. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved