بابا الفاتيكان فى مذكراته: أزمة كورونا أظهرت فشل «أسطورة الاكتفاء الذاتى» للدول

آخر تحديث: السبت 5 ديسمبر 2020 - 1:26 ص بتوقيت القاهرة

كتبت ــ إسراء حامد:

نشرت جريدة الجارديان «The guardian» البريطانية مقالا نقديا حول كتاب «دعونا نحلم.. الطريق إلى مستقبل أفضل» للبابا فرانسيس Let Us Dream: The Path to a Better Future، الصادر عن دار سايمون وتشاستر فى الأول من ديسمبر2020، وهو عبارة عن تأملات البابا المكتوبة خلال فترة الإغلاق والحظر الشديد خلال أزمة فيروس كورونا، ومناقشات طويلة مع المعلق والمؤلف الكاثوليكى الإنجليزى أوستن إيفيرى، حيث يرى البابا أن فترة الحظر وسكوت الشوارع وامتلاء المستشفيات وتوقف العالم بشكل مرعب: «ربما تكون بداية، تقسم حقبة عن أخرى»، قائلا: «هذه لحظة لنحلم، لإعادة التفكير فى أولوياتنا ــ ما نقدره، وما نريده، وما نسعى إليه ــ لنلتزم بالعمل فى حياتنا اليومية لنحقق ما كنا نحلم به».
وأكد البابا فرنسيس أن أزمة كوفيد أظهرت فشل «أسطورة الاكتفاء الذاتى» التى تضعف الروابط التى تربط المجتمعات ببعضها البعض، حيث أظهر الفيروس بلا رحمة اعتمادنا المتبادل وضعفنا المشترك، واعتمادنا بشكل جماعى على الدولة أكثر من أى وقت مضى، فكان التصفيق عند عتبات الأبواب للممرضات والأطباء وعمال الخدمة العامة الذين خاطروا بحياتهم ليساهموا فى استمرار الخدمات الأساسية هو بمثابة تذكرة أن حياتنا هدية وأننا ننمو من خلال العطاء لأنفسنا: لا نحافظ على أنفسنا، بل قد نخسر أنفسنا فى سبيل خدمة الآخرين» يا لها من علامة تناقض مع الفردية والهوس بالذات وانعدام التضامن الذى يهيمن على مجتمعاتنا الأكثر ثراء» ــ حسبما ورد فى صحيفة «الجارديان».
كما كشفت تلك الفترة الصعبة على حد قول البابا عما وصفه بالأخوة، تلك الحالة الإنسانية التى يمكن أن تصبح منصة انطلاق لسياسة جديدة للصالح العام، فخلال عزلته كباقى سكان العالم ذلك الوقت تحسس البابا وميض تعاطف غير مسبوق من خلال إعادة قضايا المنسيين والمستبعدين والذين يتعرضون لسوء المعاملة بشكل خطير، متحدثا عن محنة مسلمى الروهينجا وأقلية الأويغور، ونضالات حركة حيوات السود مهمة، و «أوبئة» الجوع والعنف المستمرة وتغير المناخ قائلا: «إذا أردنا حقًا أن نخرج من محنة كوفيد أقل أنانية مما دخلنا فيه «علينا أن ندع أنفسنا نتأثر بآلام الآخرين».
يذكر البابا فى كتابه بأمثلة لنقاط تحول شخصية مماثلة من الكتاب المقدس بما سماه «كوفيدات شخصية»؛ فلقاء القديس بولس مع يسوع على طريق دمشق قلب أولوياته وشعوره بالذات رأسا على عقب، الملك داود على الرغم من روعة ملكه لم يجد الحكمة الحقيقية والتواضع إلا عند أدنى درجات مده عندما خرج ملعونًا ومهانًا أثناء فراره من أورشليم، كما يتذكر فرانسيس نفيه المهين فى عام 1990 إلى مدينة قرطبة الأرجنتينية الإقليمية، حيث أرسل نفسه إلى هناك للتفكير فى أسلوب قيادته المعيب والمتغطرس، فيصف أنه بالكاد غادر منزله: «لقد كان نوعًا من العزلة الذاتية، كما فعل الكثير منا مؤخرًا، وقد أفادنى ذلك»، أزمات كهذه تطيح بالذات السيادية وتبدأ عملية التطهير والتوضيح الذاتى حسبما ذكر فى كتابه.
وفى القسم الأخير من المذكرات كتب فرانسيس أن كوفيد علمنا أن «لا أحد ينجو بمفرده»، كما أنه جهزنا لتجنب كل من الفردية المفرطة والشعبوية العدوانية التى تزدهر فى تحديد الأعداء فى الداخل والخارج. ويصر البابا على أن «الأخوّة» هى «الحدود الجديدة» القادرة على التوفيق بين مطالب الحرية والمساواة التى تتنافس فى كثير من الأحيان وذلك وفقا لما ذكرته الجارديان.
وبذلك انضم الكتاب إلى مجموعة عصر كوفيد الأدبية ككتاب طغيان الاستحقاق Tyranny of Merit لمايكل ساندل، الصعود The Upswing لروربرت بوتنام والأخلاق Morality لجوناثان ساكس، والتى تدعو جميعها إلى إعادة ضبط مجتمعية للقيم والمؤسسات الليبرالية، وبالتالى عاد مصطلح الضمير الجمعى للواجهة من جديد، فيقول البابا فى الكتاب الجديد «فكلمة نحن التى ترفعها الأسرة والمؤسسات والمجتمع ككل هى التى تساهم فى تفوق المصالح الفردية، وبدون تلك المعادة نظل جميعنا فى معركة طاحنة للسيادة بين الفصائل والمصالح المتضادة».
فالحالة المستقطبة التى عاشها العالم بين الضمير الجمعى والمصالح الفردية قبل الدخول فى جائحة كورونا لا يجب أن تظل بعد انتهاء تلك الفترة الصعبة على حد تعبير البابا، وكما بدأ باقتباس من شاعره الألمانى المفضل فريدريك هوليردين «أينما وجد الخطر، تنمو قوة البقاء»، كان يمكن أن ينهى بالاقتباس الشهير لأحد أشهر الشعراء الألمان أيضا راينر ريكله «يجب أن تغير حياتك».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved