محسن فخري زادة: صراع داخلي إيراني على إرثه

آخر تحديث: الجمعة 4 ديسمبر 2020 - 4:04 ص بتوقيت القاهرة

بي بي سي

القاعدة السائدة هو أن الناس يتحدون في أوقات الشدة، وهل هناك سبب أفضل للوحدة من اغتيال شخصية قيادية، وإن كانت غامضة، على يد عملاء أجانب.
قد يكون ذلك صحيحا في معظم الحالات، لكن ليس عندما تكون إيران هي الدولة المعنية، وبالتأكيد ليس لدى اغتيال محسن فخري زادة.
وكان فخري زادة، الذي أطلق عليه البعض لقب "أبو البرنامج النووي الإيراني"، قد أغتيل في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بالقرب من طهران في عملية تلقي إيران باللوم فيها بشكل لا لبس فيه على إسرائيل.

وتعهدات إيران بالانتقام والعقاب فور تأكيد مصرعه، وبدا أن الاغتيال قد قرب الفصائل المختلفة في إيران من بعضها البعض لبضع ساعات، لكن ذلك سرعان ما تبدد.
"لا" للتسوية
واندلعت المظاهرات عشية اغتيال فخري زادة وفي اليوم التالي لمصرعه، حيث طالب المتظاهرون بطرد المفتشين النوويين التابعين للأمم المتحدة وهتفوا "الموت لمن يريدون التسوية"، في انتقاد مباشر لحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني.

وتدعم حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني المحادثات مع الغرب، وفي عام 2015 أبرمت اتفاقا نوويا مع القوى العالمية (جي سي بي أو إيه)، والذي بدأ في الانهيار بعد أن سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاقية في عام 2018.
ولم يمض وقت طويل قبل أن تدخل الشخصيات المتشددة في المعركة، وتحمل الحكومة المسؤولية.

فقد زعم النائب البرلماني نظام الدين موسوي أن الحكومة ترفض وصف فخري زادة بأنه عالم نووي لضمان "عدم الإضرار بالمفاوضات النووية".
ومع خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وإعلان الرئيس المنتخب جو بايدن عن نيته العودة إلى الاتفاق النووي، يعتقد المحللون أن فرص تناول طهران وواشنطن قضايا خارج البرنامج النووي الإيراني قد تحسنت.
مؤيد أم مناوئ للاتفاق النووي؟
ويقول المتشددون إن نظام التفتيش المنصوص عليه في الاتفاق النووي سمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى فخري زادة، وكان على الحكومة أن تنفي ذلك الادعاء كل يوم تقريبا منذ عملية الاغتيال.

ويزعم عدد من المشرعين أن الاتفاق النووي سمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التأكد من وجود فخري زادة وقاموا بتسريب المعلومات عنه إلى إسرائيل.
وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، زاعمين أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أجرت مقابلة مع فخري زادة وجمعت معلومات حساسة عنه مما سهل عملية اغتياله.
وسرعان ما رفضت وزارة الدفاع المزاعم بأن فخري زادة، الذي كان نائباً لوزير الدفاع وقت مصرعه، قد تحدث إلى مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقالت وزارة الدفاع الإيرانية إنها رفضت طلبات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة للتحدث إلى فخري زادة الذي كان يقود هيئة الابتكار والبحث فيها.
ونفى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كبير المفاوضين الإيرانيين خلال محادثات الاتفاق النووي، الاتهامات على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قائلا إن الأمم المتحدة كانت على علم بفخري زادة قبل وقت طويل من توقيع الاتفاق النووي، منذ أن فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات عليه في عام 2007.
ونشرت الحكومة في اليوم التالي، ولأول مرة، صورا للرئيس روحاني وهو يمنح فخري زادة وسام الخدمة من الدرجة الثانية لدوره في تأمين الاتفاق النووي.
وقالت وكالة أنباء إيرنا التي تديرها الحكومة إنه حصل على التكريم في 8 فبراير/شباط عام 2016 مع أعضاء آخرين من فريق التفاوض الإيراني، ولكن في أجواء سرية وبعيدا عن وسائل الإعلام والجمهور "لأسباب أمنية".
"الاستئثار" بفخري زادة
وقد أثار الإصدار المفاجئ للصور ضجة في إيران. وقد هدد فريدون عباسي ديواني، النائب في البرلمان والرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية (إي إيه أو آي) "بالتحدث إلى وسائل الإعلام إذا حاول قبيلة الاتفاق النووي ( المؤيدون للاتفاق) الاستئثار بفخري زادة".
وفي غضون ساعات بعد نشر الصور، بثت هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية خلال برنامج تلفزيوني مباشر ما قالت إنه تسجيل صوتي لفخري زادة رافضا احتمال إجراء محادثات مع الولايات المتحدة.

ويقول الصوت في التسجيل: "لا يمكن المساومة مع أمريكا ما دامت أمريكا على ما هي عليه، وطالما أننا نعتزم اتباع القائد الأعلى".
ونظرا لأن فخري زادة ظل بعيدا عن أعين الجمهور ولا يعرف عنه سوى القليل جدا فمن الصعب التحقق مما إذا كان الصوت في التسجيل يعود إليه.
وفخري زادة ليس أول شخصية بارزة في إيران تتقاتل عليها أجنحة السلطة المختلفة.
فبعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في وقت سابق من العام الجاري، أشاد المسؤولون الحكوميون به وأشادوا بدوره "الاستشاري" الذي ساعد في إبرام الاتفاق النووي.
وعلى الجانب الآخر، اعتبر منتقدو روحاني هذه الخطوة محاولة من حكومته لتعزيز مكانتها وسط ضغوط متزايدة بسبب ضعف الاقتصاد الناجم جزئيا عن العقوبات الأمريكية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved