(حور ون نفر) الفرعون الثائر

آخر تحديث: الأحد 5 فبراير 2012 - 1:30 م بتوقيت القاهرة
هند صلاح الدين

يعد الفرعون حور ون نفر أو أرماخيس عند المؤرخين الإغريق من أهم وأبرز الشخصيات التى لعبت دورا فى تاريخ مصر تحت الاحتلال البطلمى الذى امتد خلال الفترة من 332 ق.م إلى 30 ق.م الأمر الذى جعل اسمه يخلد فى ذاكرة التاريخ تقديرا لمكانته ودوره فى الدفاع عن حرية مصر وكرامة شعبها.

 

لقد كان حور ون نفر مصريا صميما من أبناء الصعيد الأشداء حيث نشأ فى مدينة طيبة تحت حكم الملك بطلميوس الرابع (221 ــ 205) ق.م. وكان بطلميوس الرابع من ملوك البطالمة الذين عرف عنهم الضعف والاستهتار وسوء الحكم والإدارة فلم يكتف بالوضع المتدنى للمصريين منذ بداية عصر البطالمة الذين اعتبروا المصريين فى مرتبة أقل عن غيرهم من الطوائف الأخرى الموجودة فى مصر، بل ضاعف عليهم الالتزامات المادية وإيجارات الأراضى الزراعية وفرض ضريبة الرأس لتكون كضريبة يجب دفعها على كل الأحياء من المصريين، مما أدى إلى زيادة الأعباء واضطراب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وهيأ الظروف لقيام ثورة قومية تعيد للمصريين كرامتهم المهدرة وحقهم المسلوب، وتحررهم من الذل وربقة الاحتلال.

 

وقد بشر الأدب المصرى القديم آنذاك بقيام هذه الثورة فتروى البردية المعروفة باسم نبوءة صانع الفخار ما تعرضت له مصر من ألم ومهانة بسبب غزو الفرس أولا ثم غزو الإغريق بعد ذلك، كما تحدثت بصفة خاصة عن مرارة ذلك «اليوم العظيم» الذى احتل فيه الإغريق مصر، ووصفت الإسكندر الأكبر أو ربما قائده بطليموس الأول بأنه «الكلب الكبير» بينما كان اليونانيون هم ببساطة «كلاب»، ثم انتهت البردية بنبوءة من المعبود جحوتى رب الحكمة والمعرفة والكتابة ورسول الآلهة يبشر فيها المصريين باقتراب يوم الخلاص؛ لأنه سيظهر واحد من أبناء مدينة أهناسيا، وسوف يحرر مصر ويطرد منها الأجانب، وسوف يرسى دعائم نظام ماعت ربة العدالة والحرية، وعلى الرغم من أن كاتب هذه البردية ادعى إنها تعود إلى عصر الأسرة الثلاثين من تاريخ مصر الفرعونى، أى قبل غزو الإسكندر لمصر فى عام 332 ق.م، إلا أن هذه البردية قد كتبت فى واقع الأمر قبل وقوع الثورة مباشرة حيث لجأ الثوار إلى ماضيهم العريق وإيمانهم القوى لكى يضفوا على دعواهم الأصالة والصدق.

 

وقد استثارت هذه النبوءة المصريين الذين استشعروا قوتهم تحت زعامة أحد الثوار الذى ربما كان من مدينة أهناسيا كما ادعت النبوءة، خصوصا بعدما لجأ بطلميوس الرابع عند حربه مع الملك أنطيوخس الثالث ملك السلوقيين فى سوريا فى سابقة كانت الأولى من نوعها إلى دمج الجنود المصريين فى صلب الجيش المقاتل بعد أن كانوا لا يؤلفون إلا الفرق الإضافية فى الجيوش البطلمية، وكان للمصريين الفضل الأكبر فى القضاء على جيش السلوقيين السورى فى معركة فاصلة عند رفح عام 217 ق.م. مما ترتب عليه استعادة المصريين لثقتهم بأنفسهم وشعورهم بأنهم ليسوا أقل قوة وكفاءة من الإغريق، فهبت الثورة فى مصر الوسطى وامتدت إلى الدلتا ومنها إلى أرجاء مصر كلها، وعندما وصلت الثورة إلى الصعيد اشتد لهيبها نتيجة لمحافظة أهل الصعيد على عقيدتهم وتقاليدهم التى توارثوها عن أجدادهم من الفراعنة القدماء، مما دفعهم إلى محاولات استرجاع حريتهم وكرامتهم المسلوبة كلما بدت بارقة أمل، فغدت طيبة معقلا للثورة تحت زعامة الثائر الطيبى حور ون نفر الذى تولى قيادة الثورة فيها، ورأى أهل الصعيد فيه صورة لفراعنة مصر الغابرين فتوجوه ملكا عليهم وخلعوا عليه الألقاب الملكية للفراعنة القدماء، وقام حور ون نفر بإعداد جيش من الثوار واشتبك فى صراع عنيف مع بطليموس الرابع؛ فتحدثنا نقوش معبدإدفو بأن أعمال البناء فى هذا المعبد العظيم فى العام السادس عشر من حكم بطليموس الرابع قد توقفت فى ذلك العام عندما اندلع لهيب الثورة هناك، وعندما كان الثوار يختبئون داخل المعبد، كما وصلتنا بردية تعود إلى نهاية القرن الثالث ق.م، كانت فيما يبدو جزءا من تقرير لأحد رجال الشرطة يتحدث عما قام به بعض الثوار وسط لهيب هذه الحرب؛ فتروى «إنه فى بداية الشهر هاجم المصريون الحراس واختبئوا فى مركزهم، وبعد ذلك ظهر الحراس على مقربة من هذا المركز، فتقدم المصريون نحو المنازل المجاورة وأحضروا عدة الهجوم عند منزل نختنبيس المطل على ساحة المعبد، وانقضوا على هذا المنزل، لكنهم انسحبوا عندما استعد الحراس ليهدموا عليهم جانبا من السور».

 

ويبدو أن لهيب الثورة قد امتد ليصل إلى بعض المعابد المصرية وأصابها بالخراب؛ فقد أشار النص المسجل على حجر رشيد على أيدى الكهنة المصريين المجتمعين فى منف فى العام التاسع من عهد بطلميوس الخامس إلى قرارهم بتهنئة الملك الشاب على معاقبته للثوار الذين هاجموا المعابد وخربوها.

 

وقد استطاع الفرعون حور ون نفر أن يبسط نفوذه على منطقة طيبة وصعيد مصر حتى أبيدوس شمالا حيث عثر على العديد من الوثائق الديموطيقية المؤرخة بسنين حكمه، وقد حمل فيها الألقاب الملكية كاملة، بل ومن الجدير بالذكر أن أولى المحاولات المسجلة حتى الآن لكتابة اللغة المصرية القديمة بالحروف اليونانية والتى تبدأ معها المرحلة الأولى لنشأة الخط القبطى قد جاءت من عهده فى صورة نص فريد عثر عليه فى معبد سيتى الأول بأبيدوس الذى يعود إلى عصر الأسرة التاسعة عشرة، وهذا النص عبارة عن مخربشة مكونة من سبعة أسطر تذكر «العام الخامس من حكم الفرعون حور ون نفر محبوب إيزيس وأوزوريس ومحبوب آمون رع ملك الآلهة».

 

 وقد استمر الفرعون حور ون نفر فى الحكم لأكثر من خمسة عشر عاما نشر فيها الأمن والسلام فى ربوع الصعيد وأعاد إليه بعضا من مجده القديم حتى وفاته عام 190 ق.م. تقريبا، ثم تبعه فى الحكم الفرعون عنخ ون نفر، رفيقه فى الثورة والكفاح، الذى استمر حكمه لأكثر من ست سنوات حاول فيها الحفاظ على مكتسبات الثورة، لكنه سقط عن العرش خلال حروبه مع بطلميوس الخامس الذى تمكن من القضاء على ثورة الصعيد عام 186 ق.م، واستعاد مصر العليا إلى نفوذ البطالمة مرة أخرى. إلا أن ذلك لم ينجح فى إخماد شعلة الثورة فى نفوس المصريين، ولم يفلح فى أن يثنى الشعب المصرى عن الدفاع عن حقوقه المشروعة فظلت الثورات المصرية مستمرة بمثابة النور الذى يهدى الروح إلى طريق الحرية والكرامة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved