نبيل نعوم يكتب: كينج كونج أو الفناء فى الحب

آخر تحديث: الجمعة 5 مارس 2021 - 7:24 م بتوقيت القاهرة

تعتبر شخصية كينج كونج الغوريلا العملاقة من أكثر الشخصيات الخيالية التى ظهرت فى العديد من الأفلام كما ظهرت فى القصص المصورة، وفى الكثير من الألعاب الإلكترونية. فى 2 مارس عام 1933، ومن إخراج «مريان كوبر» و«إرنست سكودساك» ظهر أول فيلم يمثل قصة الحب القاهر الذى حمله كينج كونج لـ «آن» الممثلة التى أتت إلى جزيرة الجمجمة النائية من ضمن وفد سينمائى للتصوير؛ حيث تجرى عبادة كينج كونج «الملك كونج» الذى يُعتبر ملك وإله الجزيرة بالنسبة إلى السكان الأصليين الذين تعودوا على تقديم إحدى الفتيات كأضحية له. وهناك تنويعات على القصة، أُضيفت إليها منذ أول عرض فى 1933، والذى جاء بعده إعادة للفيلم فى عام 1976 من إخراج «جون جيليرمن» وآخر فى 2005 من إخراج «بيتر جاكسون»، ومن المنتظر فيلم جديد فى نهاية مارس2021، وذلك غير بعض الأفلام التى تخيلته فى صراعات مع وحوش أخرى وخاصة «جودزيلا».
وتبدأ القصة بحضور فريق سينمائى بقيادة «كارل دنهام» لتصوير فيلم فى تلك الجزيرة النائية؛ حيث يتم اختطاف بطلة الفيلم وتدعى «آن» من قبل سكان الجزيرة لتقديمها كأضحية إلى كونج، لكن كونج يُعجب بها ويحميها مضحيا بنفسه من المخاطر التى تتواجد فى الغابة بسبب أنواع الديناصورات الرهيبة القوة، وبعد العديد من الأحداث التى تدور فى الغابة، يقوم «كارل دنهام» برمى قنبلة غازية على كونج وتنويمه ليشحنه إلى مدينة نيويورك؛ حيث يُعرض وهو مقيد بالسلاسل ويصبح «دنهام» ثريا من خلال ذلك. لكن تبدأ أضواء الكاميرات والكشافات القوية فى إغضاب كونج، فيهرب من العرض إلى أنحاء المدينة محطما كل ما هو أمامه باحثا عن «آن»، وبعد أن يجدها يصعد بها إلى أعلى مبنى فى مدينة نيويورك للهروب من الشرطة التى تطارده على الأرض، لكنه يجد هناك أيضا تهديدات فى الجو. ويتم رميه بالرصاص بواسطة الطائرات من أعلى المبنى الذى صعد إليه ويسقط بعد ذلك ميتا أسفل المبنى. فى إحدى النهايات يقول مخرج الفيلم: «لم تكن الطائرات من قتلته، لقد قتل الجمال الوحش». إشارة إلى أسطورة «الجميلة والوحش» التى ظهرت فى عدد من الأفلام، أحدهم فى عام 1946 من إخراج الفنان الفرنسى «جان كوكتو».
وفى واقع الأمر لم تكن شخصية الغوريلا كينج كونج هى أصل فكرة الفيلم الأول فى 1933 إذ إن «ميريان كوبر» كان طيارا أمريكيا، ومغامرا ورحالا، وإلى جانب ذلك كان مخرجا وكاتب سيناريو، وقد اعتاد مع شريكه «إرنست سكودساك» على إخراج الأفلام
الوثائقية. وكان لديهما اهتمام خاص بالشمبانزى والقرود العملاقة، إلا أن قصة كونج جاءت فى الحقيقة من وحى التنانين، وتنانين «الكومودو» تحديدًا. وقد وُصفت سحالى جزيرة «كومودو» العملاقة فى فيلم وثائقى لـ «كوبر» بأنها أخطر وأشرس كائن مفترس على وجه الأرض، ويشبه الديناصورات المخيفة.
من هنا بدأت فكرة فيلم كينج كونج العملاق، وجاء اختيار الغوريلا كشخصية رئيسية فى الفيلم بدلا من التنين، لأن الغوريلا فى ذلك الوقت كانت تُعد مخلوقا أسطوريا، فالشخص الغربى الأول الذى شاهد غوريلا الجبال كان كابتين «روبرت فون برينج» من الجيش الألمانى فى سنة 1902. لذا لم يعرف الناس الكثير عنها مما جعلها مادة يمكن لـ «كوبر» تشكيلها على حسب رؤيته، بالإضافة إلى أن الشبه بينها وبين الإنسان جعل الفيلم أكثر تأثيرا.
وبنظرة أخرى على قصة الفيلم الأول الذى ظهر فى 1933، وبناء عليها توالت الأفلام، نجد كينج كونج يصور رمزيا وجهة نظر أمريكا البيضاء عن السود فى ذلك الوقت، والتى للأسف هى وجهة نظر مستمرة إلى حد كبير إلى الآن. ففى الفيلم، يبحر طاقم فيلم بطولى إلى جزيرة مجهولة، موطن قرد عملاق، يُعرف باسم كونج والذى يختطف بطلة الفيلم «البيضاء»، ليتم إنقاذها لاحقا بواسطة فارسها «الأبيض». يتم القبض على كونج «الحيوان الغاشم المدمر» ونقله إلى نيويورك لعرضه باعتباره ثامن أعجوبة فى العالم. لكن كونج يتحرر بتحطيم أغلاله، ويدمر المدينة بحثا عن المرأة «البيضاء» التى ولع بها. وحين يجدها، وهربا من الشرطة يصعد بها فوق مبنى «إمباير ستيت» ويتم إسقاطه.
ويعتقد بعض علماء السينما أن القبض على كونغ وتقييده مرتبط مجازيا بتجارة الرقيق فى الولايات المتحدة. فالفيلم صدر قبل 35 عاما من ولادة قانون الحقوق المدنية لعام 1964 ــ وهو قانون تاريخى يحظر التمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الدين، أو الجنس، أو الأصل القومى ــ فالفيلم يشير إلى الدمار والفوضى إذا حصل الرجال السود (يمثلهم كونج) على الحرية الكاملة. والفيلم يمثل أيضا بدائية وشراسة وتخلف سكان الجزيرة الأصليين السود، لذا لا يهم المستعمرين احترام معتقداتهم ورموزهم. وإن نُظر إلى تمرد كونج على أنه حركة من قبل السكان الأصليين للإطاحة بالسلطة الاستعمارية. فمقتله فى النهاية يدل على قدرة القوى الاستعمارية على سحق مثل ذلك التمرد. كما يحذر الفيلم أيضا من الرومانسية بين الأعراق، أو الاختلاط الجنسى بينهم. ففى وقت إنتاج فيلم كينج كونج الأول، كان الجمهور فى الولايات المتحدة فى عام 1931، مشغولا بقضية اتهام تسعة من المراهقين السود باغتصاب امرأتين من البيض، فى القضية المعروفة باسم «فتية سكوتسبورو».
لكننا فى الوقت نفسه نرى فى هذه القصة أو فى التعبير عنها سينمائيا نموذجا لحب خالص وغامر من الغوريلا «الحيوان» للمرأة التى عشقها وضحى بالكثير من أجلها، وأيضا نرى وبطريقة ما أن ذلك الحب لم يكن رغم استحالته من جهة واحدة. فنظرا لمدى صدق حب كونج لـ «آن» نراها فى النهاية تحن إليه، بل ربما بالفعل تعشقه.
وهذا يرجعنا إلى دموع الممثل العبقرى نجيب الريحانى، وصوت الموسيقار محمد عبدالوهاب فى الأغنية الخالدة عاشق الروح من تلحينه، ومن كلمات حسين السيد:
وابيع روحى فدى روحى... وأنا راضى بحرمانى
وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فانى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved