الشيخ زويد.. قلب سيناء المنهك
آخر تحديث: الجمعة 5 يونيو 2015 - 11:39 ص بتوقيت القاهرة
كتب ــ مصطفى سنجر:
• 5 قرى باتت شبه مهجورة.. و7 مدارس و3 وحدات صحية خرجت من الخدمة
• المدينة تخلو من البنوك وعربات الإطفاء والإسعاف التى يستغلها المسلحون فى عمليات الإرهاب
• سوق الثلاثاء موقع للتواصل الاجتماعى بعد غياب الاتصالات والإنترنت.. ومياه الأمطار والآبار الجوفية أصبحت بديلًا لانقطاع مياه الشرب
• شواهد وثقت تاريخ المدينة مثل «صخرة ديان ــ قاعدة قوات حفظ السلام ــ شجرة الكينيا»
مر عامان على بدء العمليات العسكرية ضد معاقل الإرهاب بشمال سيناء، وتحديدا بالشيخ زويد.. عيارات الكلاشينكوف وقذائف «الآر. بى. جى» والهاون يميزها الأطفال الذين يجمعون فوارغ الرصاص من الطرقات للعب، حظر التجوال وصمت الليل حيث يطبق السكون التام على حراك البشر، أفرز قدرة عند الأهالى على تمييز الاشتباكات من الأعيرة النارية التحذيرية.
السمة الموحدة الملحوظة فى أكثرية بنايات الشيخ زويد هى آثار الطلقات النارية على الحوائط، فمنها من أصاب وقتل مواطنين، ومنها من ترك نقشا يؤشر لخطورة الأوضاع، حيث تحولت المدينة لمسرح عمليات قائم على المفاجأة.
الشيخ زويد باتت كمدينة فى أشد حالات الإنهاك، أو كبيت فسيح أسدلت العناكب خيوطها على أرجائه، حيث توقفت حركة العمران الخاص والحكومى تماما، وتردت بنيتها التحتية بانعدام الصيانة أو عدم القدرة على الصيانة فى تلك الأجواء بالغة الحساسية، وعادت الحياة لدكاكينها القديمة المميزة بالشرفات المحمولة على الأعمدة، بعد أن كانت مغلقة لنحو 30 عاما، فالمحال ذات البنيان المعمارى الحديث التى انتعشت فترات ما قبل ثورة 25 يناير، باتت مغلقة لوجود غالبيتها فى الطريق الدولى وميدان الشيخ زويد المغلق للعام الثالث، الأمر الذى دفع التجار لاستئجار المحال القديمة فى بلدة الشيخ زويد البعيدة نسبيا عن قسم الشرطة.
يقول الأهالى إن فترة ما قبل عام 82 كانت التجارة ترتكز هنا، إلا أن بناء المصالح الحكومية فى موقع آخر وعمران الطريق الدولى أنهى عصر تلك الدكاكين التاريخية، وها هى الأقدار تعيدها للحياة مرة أخرى، ولو بسبب تداعيات الحرب على الإرهاب، فارتفع إيجار المحل العتيق من 150 جنيها إلى 700 جنيه شهريا.
ميدان الشيخ زويد الذى كان يعج بالحركة التجارية وسيارات الأجرة بات مهجورا، وبدا كدائرة سقطت عليها قنبلة ضخمة أحالت متاجرها إلى ركام، مصالح حكومية لا تزال تعمل فى محيط الميدان بتنسيق أمنى وبأقل عدد من الموظفين، ومنها شركة الكهرباء وسنترال المدينة المركزى ومجلس المدينة والإدارة التعليمية وإدارة الشباب والرياضة ووحدة رعاية صحية، جميعها طالها جزء من الدمار جراء ثلاث سيارات مفخخة استهدفت قسم الشرطة خلال عامى 2013 و2015، وجميعها فشلت فى استهداف القسم شديد التحصينات، بينما لحق بالغ الضرر بالأهالى والمصالح الخدمية.
الشيخ زويد البلدة العتيقة أو العنيدة كما يحلو لنشطاء «الفيسبوك» المحليين وصفها تضم 14 تابعا، غالبيتها فى الظهير الصحراوى وحول الطريق الدولى المار من وسط المدينة بين العريش ورفح، ووفقا لإحصائيات رسمية من مجلس مدينة الشيخ زويد يبلغ عدد سكانها 58.449 ألف نسمة، يفوق عدد الإناث فيها الذكور بمئات قليلة، حيث تقول الإحصائية إن عدد الذكور يبلغ 17.282 ألف نسمة وعدد الإناث 17.500 ألف نسمة، ويرتكز 23.667 ألف نسمة فى المدينة بينما يتوزع الباقون على قرى «أبو طويلة بعدد 3327، وأبو العراج 2348، والتومة 1422، والجورة 3073، الخروبة 2407، الزوارعة 3029، السكادرة 2954، الشلاق 2936، الظهير 2685، العكور 3301، القريعة 1074، المقاطعة 1906، قبر عمير 3256، أبو الفيته 1064».
يرتكز وجود قبيلة السواركة فى أكثرية قرى مركز الشيخ زويد، فيما تحل قبيلة الرياشات بقرية أبوطويلة، ويتنوع سكان بقية القرى من عائلات عديدة وقلائل من قبائل الترابين والرميلات، فيما تتنوع عائلات مدينة الشيخ زويد الحضرية وغالبيتهم يعملون فى قطاعات التجارة والزراعة والوظائف الحكومية، ومنها عائلات «الصقور وأبو حسونة والمشوخى والبطين وشويطر والقيم وأبو سنجر والحمايدة والحجوج والنصايرة وقويدر وشراب»، وتوجد عائلة أبو إسكندر فى قرية السكادرة، بينما توجد عائلات أبو طرطور والعجالين والجبالى فى قرية قبر عمير، ويوجد اثنان من الأحياء السكنية بالمدينة التى تم إنشاؤها حكوميا، وهما الكوثر والزهور، وهى أحياء يقطنها غالبية من الموظفين الوافدين من محافظات أخرى.
سكان الشيخ زويد رغم أنهم يقرون بصحة الاتجاهات الأصلية الأربعة فى كتب الجغرافيا، إلا أنهم يتداولون شكلا مغايرا للاتجاهات، فيطلقون على الشمال غرب وعلى الشرق جنوب وعلى الشرق شمال وعلى الغرب القبلة، ولا يعلم أحدا سببا لتلك العادة، وتتعدد لهجات سكان مركز الشيخ زويد، حيث يمكنك تمييز كل عائلة بلهجة معينة، سواء لهجة بدوية أو حضرية أو شامية، إلا أن الأعراف والتقاليد المتداولة حياتيا بين الأهالى لا تختلف كثيرا، عدا تفاصيل هامشية، ورغم تنامى الأفكار المتشددة بعقول بعض أبناء المركز إلا أنها تعج بالزوايا الصوفية، وقد شهدت المدينة تدمير عناصر مسلحة لمقام الشيخ زويد بعد الثورة، والذى سميت المدينة باسمه، ويقول الأهالى إن الشيخ زويد هو أحد جند عمرو بن العاص الذى توفى أثناء مروره من هنا.
ومن رموز الشيخ زويد، الشيخ الراحل خلف الخلفات مؤسس طريقة صوفية من أبناء قبيلة السواركة، وصاحب تاريخ نضالى ضد الاحتلال الإسرائيلى، والشيخ سالم أبو طويلة من قبيلة الرياشات الذى اغتاله عميل إسرائيلى فترة الاحتلال بسبب مواقفه الرافضة لبيع الأراضى للإسرائيليين، ومن رموزها الأحياء الشيخ حسن الخلفات من المجاهدين ضد الاحتلال الإسرائيلى، كما ضمت قبيلة الرياشات المناضلة ضد الاحتلال فرحانة رياشات التى رحلت العام الماضى.
قرى عديدة جنوب الشيخ زويد باتت خالية تماما من السكان، فتحولت بيوتها إلى ركام إثر المعارك العنيفة وعمليات القصف، ورحل منها الأهالى إلى أماكن متفرقة حفاظا على أرواحهم، وباتت تلك القرى مسرحا للعمليات الأمنية وملاحقات العناصر المسلحة، ومنها قرى اللفيتات والزوارعة والتومة وجزء كبير من المقاطعة وقبر عمير.
نصيب المواطنين من المياه العذبة فى الشيخ زويد ينحدر إلى مستوى متدن، فمصدر المياه العذبة الوحيد رسميا هو محطة التحلية عند ساحل المدينة، ومن المفترض أن قدراتها فى الضخ تبلغ 5 آلاف متر مكعب، إلا أنها لا تنتج تلك المياه وتصل إلى نحو 1500 متر مكعب فقط لأسباب فنية وأخرى تتعلق بعدم انتظام مواد كيماوية تضاف للتحلية للمحطة، ويتم الضخ نصف ساعة اسبوعيا من تلك المياه للمدينة، بينما يتم تزويد القرى الـ14 من خلال صهاريج مياه كحصص محددة، إلا أن ظروف استيلاء المسلحين على تلك الصهاريج بغرض تفخيخها، دفع الشركة القابضة إلى وقف انتقالها للقرى، ويعوض الأهالى النقص الحاد فى مياه الشرب بشراء المياه من جرارات أهلية غير مراقبة صحيا، تجلب المياه من آبار جوفية بساحل المدينة، بينما يعتمد سكان بادية الشيخ زويد على تخزين مياه الأمطار فيما يسمى محليا «هربات» أو صهاريج تحت الأرض.
رغم تناثر الوحدات الصحية فى قرى الشيخ زويد بهيئة حديثة الطراز، إلا أن العمل فى تلك الوحدات بات شبه منعدم لنقص الكوادر الطبية، حيث يتم تعيين حديثى التعيينات من الأطباء الوافدين من محافظات أخرى بها، فيفضلون عدم التواجد بسبب الظروف الأمنية، فيما لا يقل المستوى فى المستشفى العام بالمدينة عن حال الوحدات، فقلة من الأطباء أبناء الشيخ زويد يعملون فى المستشفى مفتقد القدرة على استقبال الحالات الحرجة، فبات دور المستشفى تحويل الحالات الطارئة إلى مستشفى العريش، وخرجت 6 وحدات صحية من الخدمة تماما نظرا لتدمير طالها أو وجودها بمناطق توترات.
واعترف الدكتور طارق خاطر وكيل وزارة الصحة بشمال سيناء، بعدم القدرة على إعادة تشغيلها للظروف الأمنية، كما انعدم وجود مرفق الإسعاف بالمدينة، فاختطاف سيارة إسعاف واستهداف اثنتين من وحدات إسعاف الطريق الدولى من قبل العناصر المسلحة، ثم إحراق سيارة إسعاف الجمعة الماضىة فى الخروبة، دفع رئاسة المرفق بالعريش إلى وقف تحركات الإسعاف نهائيا بالشيخ زويد، كما ينعدم وجود مرفق دفاع مدنى وإطفاء بالمدينة منذ أحداث ثورة 25 يناير، ولا توجد أى سيارة إطفاء بالمدينة، كما توقفت سيارة نقل القمامة الوحيدة عن العمل بسبب تعليمات صدرت بتوقيف السيارات الحكومية، وكذلك سيارة كسح مياه الصرف الصحى.
مدارس الشيخ زويد الابتدائية والإعدادية بنات ومدارس قرى الزوارعة واللفيتات والظهير وقبر عمير، بخلاف اثنين من المعاهد الأزهرية فى الجورة والمقاطعة، باتت خارج الخدمة نهائيا بسبب ما طالها من تدمير جراء العمليات الأمنية أو باستهداف المسلحين لها، وانعدمت القدرة على ترميم تلك المدارس بسبب الظروف الأمنية، حيث تم توزيع الطلاب على مدارس بديلة، فيما يرتكز اثنان من الكمائن الأمنية فى مدرستين، هما مدرسة جرادة ومدرسة الشلاق الابتدائية، كما تعمل أكثر من 10 مدارس بشكل جزئى لوجودها فى مناطق توترات أو لأضرار أصابتها جراء القذائف المتساقطة.
قطاع الزراعة فى مركز الشيخ زويد الذى كان على وشك طفرة زراعية غير مسبوقة فى المساحات وتنوع الزراعات، أصيب بنكسة خطيرة بعد اندلاع الارهاب والعمليات الأمنية المضادة له، فقبل العام 2012 تمددت زراعات الزيتون والخوخ والخضراوات بأحدث الأساليب الزراعية، وحفر الأهالى الآبار الجوفية لاستخدامها فى الرى، كبديل لانعدام مصادر المياه وشح مياه الأمطار، ووجود تلك الأراضى فى مناطق العمليات الأمنية أدى لإهمالها لعدم قدرة أصحابها على رعايتها خشية الرصاص العشوائى والقذائف، خلافا لتجريف الأمن مساحات كبيرة منها بعد أن أطلقت عناصر مسلحة القذائف وزرع العبوات عند أطرافها.
قطاع الكهرباء لحقت به أيضا إضرارا جسيمة لاعتماد المدينة على شبكات نقل الكهرباء الهوائية، ما جعل أسلاكها عرضة للانقطاع أو إصابة المحولات الكهربائية بالرصاص، وبلغ عدد المحولات التى خرجت من الخدمة بسبب الرصاص نحو 25 محولا خلال شهرين، وفقا لتصريح المهندس السيد سالم رئيس قطاع شبكات الكهرباء بالمحافظة.
تخلو مدينة الشيخ زويد من أى أفرع للبنوك، فقد تم إتلاف الفرع الوحيد لبنك مصر فى مجريات ثورة 25 يناير، ما كلف أهل المدينة ثمنا باهظا للانتقال إلى العريش لإنجاز مصالحهم البنكية، ومن مكتب بريد متداعى الخدمات لتردى شبكات الاتصالات، يأتى ذلك فى حين شرعت المصالح الحكومية فى استخراج بطاقات «فيزا» لموظفيها، ما يعنى أن جميع الموظفين سينتقلون للعريش يوم صرف الرواتب وهو ما يخلق أزمة حقيقية.
يضم مركز الشيخ زويد 4 محطات وقود، توقفت عن العمل تماما منذ 9 أشهر، بعد أن صدرت التعليمات بعدم نقل الوقود اليها، فيما تضم المدينة محطة تزويد بالغاز وحيدة وهى أيضا متوقفة عن العمل منذ 4 أشهر، والبديل المتاح للأهالى هو الانتقال للعريش على بعد 35 كيلو مترا غربا للتزود باحتياجاتهم من الوقود والغاز.
شواهد لافتة فى الشيخ زويد تؤشر لحقب تاريخية مختلفة، وتبدو من خلال شجرة عتيقة من أشجار الكينيا تقع قرب المخبز الرئيسى والجامع الكبير بالمدينة، فلم يتمكن الأهالى من تحديد عمر تلك الشجرة وهى من آثار الإنجليز فى المنطقة، حيث زرعت أشجار الكينيا بجوار خط السكك الحديدية الذى اندثر بعد حرب العام 1967، وتبقت اشجار قليلة فقط، ونظرا لضخامة الشجرة وظلالها فقد تحول محيطها إلى موقف للسيارات المخصوص وسيارات نصف النقل.
ومن بين الآثار نصب تذكارى إسرائيلى بساحل المدينة يسمى صخرة دايان لايزال قابعا، تحميه اتفاقية كامب ديفيد، فوق تلة أثرية تخليدا لقتلى إسرائيليين سقطت مروحيتهم فى ساحل المتوسط العام 67، وعلى جدران الصخرة نقش الأهالى عبارات الامتعاض من وجودها فى المكان، كما يوجد فى قرية الجورة جنوب المدينة قاعدة جوية أنشأتها اسرائيل والتى حاولت إقناع الأهالى ببيع الأرض لإنشاء المطار، إلا أن شيخ قبيلة السواركة الراحل خلف الخلفات تصدى للمحاولات الإسرائيلية ورفض بيع الأراضى حتى قامت إسرائيلى بإنشاء المطار جبرا، ويستخدم حاليا كقاعدة لقوات حفظ السلام متعددة الجنسيات «M F O» منذ العام 1982، وفى قرية الشلاق التابعة للشيخ زويد قرب ساحل البحر توجد المحطة الرئيسية لضخ الغاز الطبيعى لإسرائيل من خلال أنبوب يمتد لمسافة 100 كيلو متر تحت سطح البحر وهى متوقفة عن العمل وتخضع لحراسة أمنية مشددة.
أكثر المشاهد الأهلية حيوية فى الشيخ زويد، يتكرر مرة واحدة يوم الثلاثاء من كل أسبوع، حيث تنعقد السوق الشعبية الذى تعرض فيه جميع المنتجات والخضراوات والمواشى والطيور والملابس والأسماك ومنتجات البيئة المحلية، ويفد إليه غالبية سكان القرى والمدينة للتبضع والاستفادة من انخفاض الأسعار النسبى، فتبدأ السوق فور انتهاء الموعد اليومى لحظر التجوال الساعة السادسة صباحا، ويتدافع الأهالى للشراء بسرعة فائقة، حيث ينتهى السوق 12 ظهرا.