«الدراجات».. متعة وثقافة وظواهر لافتة

آخر تحديث: الإثنين 5 أغسطس 2019 - 5:06 م بتوقيت القاهرة

القاهرة - أ ش أ:

تمنح الدراجات متعة للصغار والكبار وتنطوي على فوائد صحية، فضلا عن ذكريات لأجيال تلو أجيال فيما تدخل في اهتمامات مثقفين كبار حول العالم وتتحول أحيانا إلى ظواهر لافتة مثل ظاهرة "الدراجات النيلية".

وحسب بيانات وتقديرات معلنة، فإن هناك نحو مليار دراجة هوائية على مستوى العالم، فيما يرجع تاريخ الدراجة الهوائية إلى القرن الـ19 في أوروبا وظهرت عمليا على يد الكونت الفرنسي دي سيفراك، وإن كان أول تصور لشكلها يعود للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي في نهاية القرن الـ15 وتركت تأثيرات متعددة على الحضارة الإنسانية ورؤى مثقفين كبار.

فالكاتب الأمريكي الكبير ارنست هيمنجواي الذي قضى في 2 يوليو عام 1961، اعتبر أن ركوب الدراجات الهوائية من أفضل السبل التي تتيح للمرء أن يتعرف على ملامح ومعالم أي بلد، كما عرف المؤرخ البريطاني الذي ولد في 2 يونيو عام 1958 باهتمامه برياضة ركوب الدراجات الهوائية ضمن دراساته التي تتناول التاريخ بنظرة شاملة.

وتزدان المكتبة الغربية بكتب ذات مضمون ثقافي مميز حول رياضة الدراجات الهوائية ومن أشهرها كتاب "دوران كامل: من أيرلندا إلى الهند بدراجة" للأيرلندية ديرفلا ميرفي التي تجسد مقولة هيمنجواي حول الدراجات.

فهذه الكاتبة التي تجاوز عمرها الـ87 عاما هي من أشهر راكبي الدراجات في العالم وعرفت بكتبها المتعددة التي تعبر عن ولعها بالدراجات والمغامرات حول العالم، فيما ذاعت شهرة كتابها "دوران كامل" وتروي فيه رحلتها بالدراجة من أوروبا إلى إيران وأفغانستان وباكستان وصولا للهند.

وبالنسبة لديرفلا ميرفي التي يعد كتابها "دوران كامل" من أمهات الكتب في ثقافة ركوب الدراجات فإنها تبحث في رحلاتها بالدراجة الهوائية التي شملت القارة الإفريقية عن إجابة للسؤال "كيف يعيش الناس في هذا العالم؟"، فيما تعرف المكتبة الغربية أسماء شابة لكتاب في عالم الدراجات مثل البريطانية اميلي شابل صاحبة كتاب: "ما الذي يدور حولنا؟".

وفي هذا الكتاب، تتحدث اميلي شابل عن رياضة ركوب الدراجات في عالم يفترض أنه يتلاءم أكثر مع الرجال لما ينطوي عليه أحيانا من مخاطر ومصاعب لكنها ترى أن عشقها لركوب الدراجات الهوائية أتاح لها اكتشاف مدينتها لندن بصورة أفضل بل وحتى إعادة اكتشاف نفسها.

وتهتم الصحافة الثقافية في الغرب بكتب الدراجات بصورة خاصة في السباقات الكبيرة للدراجات مثل "سباق طواف فرنسا" الذي أقيم الموسم رقم 106 له هذا العام في الفترة من 6 يوليو الماضي وحتى 28 من الشهر ذاته.

كان الفيلسوف والأكاديمي والناقد الأدبي الفرنسي الراحل رولان بارت قد وصف هذا السباق الشهير في بلاده للدراجات الهوائية بأنه "أكبر من سباق رياضي على أهميته وشهرته العالمية" حيث رأى هذا المثقف الكبير الذي قضى في 25 مارس عام 1980 أن هذا السباق للدراجات الهوائية الذي يتكون من 21 مرحلة ويشارك فيه متسابقون من دول شتى يشكل "ملحمة للسمو الأخلاقي والإصرار البطولي على النصر".

وليس رولان بارت هو المثقف الغربي الوحيد الذي توقف أمام المعاني العميقة لسباقات الدراجات الهوائية فهناك مثقفون في الغرب توقفوا مليا أمام هذه الرياضة ككل وبعضهم قبله بوقت طويل مثل الشاعر والقاص والكاتب المسرحي الفرنسي الراحل الفريد جاري ومواطنه الشاعر ستيفان مالارميه.

وللقاص الهولندي تيم كراب البالغ من العمر 76 عاما قصة بعنوان "راكب الدراجة" يتناول فيها عالم الدراجين الذي ينتمي له جنبا إلى جنب مع عالمه الأدبي باعتباره من الدراجين الذين حققوا شهرة في بلاده.

وإذا كان الكاتب والروائي السوري الكبير حنا مينه قد عمل في مهن متعددة وعرف ألوان الشقاء في أيام الصبا والشباب، فإن هذا الأديب الذي قضى في 21 أغسطس عام 2018 عن 94 عاما تاركا للمكتبة العربية أكثر من 40 رواية حملت الدراجات الهوائية ذكريات خاصة معه لأنه حسب سيرته الذاتية عمل لفترة في مهنة إصلاح الدراجات.

وبعض الأسماء الشهيرة في سباقات الدراجات يمارسن أيضا رياضات أخرى مثل البطلة الأولمبية الإنجليزية فيكتوريا بيندلتون التي أحرزت شهرة في سباقات الخيول، إلى جانب سباقات الدراجات التي توجت فيها بعدة ميداليات أولمبية.

وركوب الدراجات لكثير من الأطفال في مصر يقترن عادة بالأعياد ويتحول إلى جزء من ذكريات الطفولة المبهجة كما تجلى في ذكريات العيد لعالم الاقتصاد والكاتب المصري الراحل الدكتور جلال أمين وابن الكاتب الكبير أحمد أمين ليقول: "أذكر أن ركوب الدراجة ذات العجلتين كان أخطر من أن يسمح به أبي فكنت استأجر الدراجة ذات العجلات الثلاث وأنا أسف بالطبع لما يدل عليه ذلك من صغر سني وقلة شأني".

ولم يكتب للدكتور جلال أمين الذي قضى في 25 سبتمبر الماضي أن يرى تلك الظاهرة الجديدة التي تفرض نفسها الآن على عالم الدراجات كما عرفه المصريون وهي ظاهرة "الدراجات النيلية".

وأمست "دراجات النيل" ظاهرة لافتة للانتباه حتى أن تقارير صحفية ومتلفزة تحدثت مؤخرا عما يسمى "بالنايل بايك" أو الفكرة التي ابتكرتها مجموعة من الشباب تحت هذا المسمى للتنزه بالدراجات على صفحة النيل معتبرين أنها تشجع "السياحة النيلية".

وتقوم فكرة فريق "النايل بايك" على تثبيت الدراجة العادية فوق طوف عائم لتتحول إلى دراجة مائية فيما يفضي "تبديل الدراجة لتوليد قوة تدفعها للأمام على سطح النهر" مع إجراءات خاصة لضمان السلامة وتثبيت جميع الأجزاء في أماكنها جيدا لتحقيق الآمان الكامل.

وفيما عرفت أوروبا من قبل هذا النوع من الدراجات المائية فمن الطبيعي أن ركوب الدراجات في الماء يختلف عن ركوبها في اليابسة ومن ثم فاختيار مواقع التجول في النهر عامل مهم من أجل سلامة قائد الدراجة المائية.

وإذ عرفت مصر في السنوات الأخيرة فعاليات مهمة للدراجات حتى أن ماراثون للدراجات في عام 2015 امتد لنحو 19 كيلومترا بمشاركة نحو 2000 شخص من أطياف متعددة فإن هذه الرياضة في مصر تتفاعل أيضا بصورة إيجابية مع أنشطة إنسانية كما حدث في الاحتفال الأخير باليوم العالمي للقلب في 29 سبتمبر الماضي حيث جرى تنظيم حملة توعية "لتبني أسلوب حياة صحي" شارك فيها الاتحاد المصري لركوب الدراجات ومنتخب مصر للدراجات.

وفي هذه الحملة للتوعية الصحية وبالتعاون مع الهلال الأحمر المصري جرى رسم قلب استحق الدخول في موسوعة جينيس للأرقام القياسية من خلال قيادة الدراجات لمسافة 761 كيلومترا لمدة 3 أيام متوالية حول دلتا النيل، فيما تؤكد منظمة الصحة العالمية أن ركوب الدراجات يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب.

وفي مطلع العام الحالي، استقبلت محافظة أسوان بالتنسيق مع وزارة السياحة "فريق رحلة طواف إفريقيا بالدراجات الهوائية من مصر إلى جنوب إفريقيا" وهي الرحلة التي نظمتها "المنظمة العالمية لركوب الدراجات" بمشاركة 50 دراجا من مختلف أنحاء العالم، فيما استمرت هذه الرحلة لنحو 4 أشهر عبر مسافة قدرت بنحو 12 ألف كيلومتر.

وفي أواخر العام الماضي لفت الشاب المغربي عبدالهادي سكرادي الأنظار برحلته على متن دراجة هوائية عبر القارة الإفريقية في مغامرة شدت اهتمام صحف ووسائل إعلام متعددة، وقال إنه قام برحلته الإفريقية مدفوعا برغبة في الاستمتاع بتجربة اكتشاف فريدة لثقافات ومناظر طبيعية جديدة وأطباق بنكهات متنوعة.

وفيما كان هذا الشاب البالغ من العمر 21 عاما قد قام في عام 2017 برحلة طاف فيها بدراجته الهوائية المغرب فإنه أبدى في مقابلات صحفية حول رحلته الإفريقية بدراجته "التي يقودها بإيقاعه الخاص" تأثره بالكرم والترحيب الحار الذي حظى به في كل مكان حل به في إفريقيا. وفي كل مكان حول هذا العالم ستجد الدراجات بعالمها الممتع وثقافتها الإيجابية وظواهرها الجديدة المثيرة للفضول!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved