«برلين السينمائى 71».. مخرجون لم يفقدوا إيمانهم بالبشرية.. وأفلام مدهشة بقصصها

آخر تحديث: السبت 6 مارس 2021 - 10:53 م بتوقيت القاهرة

عرض- خالد محمود:

مشاهدة المسابقة أون لاين تجربة مختلفة ومحفزة لما يطرحه صناعها فى ظل عام صعب
صدمة الماضى تطارد الحاضر فى «دفاتر مايا مايا» اللبنانى
«ضوء طبيعى» يطرح السؤال الصعب: ماذا يجب أن يفعل المرء ليبقى على قيد الحياة؟
«هذا العام، تبدو الصورة بأكملها أقل قتامة. ومع ذلك، فإن الشعور بالخوف موجود إلى حد كبير، لكن صانعى الأفلام فى مسابقة المهرجان لم يفقدوا إيمانهم بالبشرية. على العكس من ذلك، فأفلامهم تؤكد على القوة التى تتمتع بها أى علاقة إنسانية».. هكذا قال كارلو شاتريان المدير الفنى لمهرجان برلين السينمائى الدولى الذى أنهى دورته الأولى الافتراضية أمس الأول.
وكم كانت التجربة مدهشة ومختلفة أن أشاهد أفلام المهرجان أون لاين، نعم كنت أتمنى أن يقام المهرجان بشكله الطبيعى وبحضور الجمهور والنقاد، حيث التفاعل مع الأفلام داخل قاعة العرض والدخول فى مناقشات حولها، فتلك اللحظة بذاتها متعة حقيقية، لكن بسبب تداعيات كورونا كان علينا أن نشاهد الأفلام عبر الكمبيوتر، والواقع أن مسابقة هذا العام شهدت عرض 15 فيلما تنافست على الدب الذهبى والفضى، شكلت وجبة ممتعة ومحفزة لما يطرحه مخرجوها فى ظل عام صعب تحملوا خلاله ازمة الوباء، كانت الأفلام فى مجملها مثيرة ومدهشة بقصصها وأفكارها الجريئة، بالقطع كان الفيلم اللبنانى «رسائل مايا» الذى كان فى مقدمة مشاهدتى تجربة متميزة سينمائيا، وفيه أعاد المخرجان جوانا هادجيثوماس وخليل جريج، صدمة الماضى لتطارد الحاضر، وجعلتنا نتفاعل بشكل مباشر مع تاريخهم وصدماتهم خلال الحرب الاهلية بلبنان وبالتحديد فى الفترة من 1982 وحتى 1988،
يستكشف المخرجان اللبنانيان جوانا هادجيتوماس وخليل جريج أهمية الذاكرة الشخصية والتاريخية فى دراما تقفز بين مونتريال وبيروت، حيث تمتد مأساة الحرب الأهلية اللبنانية إلى ما بعد الثمانينيات إلى الجيل الثالث من عائلة أعيد توطينها فى كندا، تلك العائلة التى نجحت فى توصيل رسالتها بفضل أداء بطلاتها الرائعات وتتابع الصورة بجدولها الزمنى المتواصل الذى يقفز من بيروت وقت الحرب تحت القصف والهدوء الراسخ لمونتريال الحديثة.
الفيلم عبارة عن اندماج كثيف للغاية للعناصر التى تشكل إحساسنا بالوقت والذكريات، بما فى ذلك مجمعات من مئات الصور القديمة ولقطات محببة ودفاتر وأغانى وموسيقى ومقاطع صوتية ومقالات صحفية يصل صوتها من الماضى بشكل غير متوقع خلال عاصفة ثلجية فى منزل مايا الكندى (ريم تركى) وابنتها المراهقة أليكس (بالوما فوتييه)، حيث تعيش مايا فى مونتريال مع ابنتها المراهقة أليكس. عشية عيد الميلاد، تتلقى مايا صندوقا يحتوى على المجلات والأشرطة والصور التى عهدت بها إلى صديقتها المقربة ليزا عندما غادرت لبنان إلى باريس،، وبينما ماتت ليزا اعيد «صندوق الذاكرة» إلى المرسل، وهنا ترفض مايا فتح صندوق، ونجد الفتاة أليكس لديها شغف لفتح الأوراق لكن جدتها تيتا (كليمنس صباغ) تقنعها بإخفاء الصندوق من مايا قائلة لها: «إن الماضى يدفع والدتك إلى الجنون». وبالفعل، عندما تعلم مايا عن الصندوق، تغضب وتنهار لأنه سيكشف الكثير من الاسرار، وتتسلل أليكس إلى الطابق السفلى لقراءة دفاتر أمها المراهقة، تظهر الصور السنوات الرهيبة الرهيبة فى بيروت وتكشف عن مراهقة مضطربة قضتها وقت الحرب ليسرد الفيلم بدقة حياتها اليومية خلال الحرب الأهلية.
جوانا هادجيثوماس وخليل جريج لسنوات كانا يتساءلان عن دور الذاكرة فى تكوين الصور وكتابة التاريخ المعاصر وأظهر الزوجان دائما اهتماما بالعلاقات العاطفية المرتبطة بصدمة الحرب، لكنهما قررا هذه المرة وضع تلك العلاقات النفسية على المحك حيث تشكل المجلات والأشرطة الخاصة بجوانا من عام 1982 إلى عام 1988 وصور رجلها فى زمن الحرب، الأرشيف الذى بُنيت حوله قصة مايا وأليكس. إن قصتهما عبارة عن سرد تكون فيه تجربة أليكس لجماليات وسائل التواصل الاجتماعى فى محادثة مع الوجود المادى لصور شباب والدتها، ليولد فيلما فريدا ومؤثرا يعطى شكلا مختلفا لحياة وطبيعة تنتقل من جيل إلى جيل.

«ضوء طبيعى»
وفى المسابقة تواجد الفيلم المجرى الفرنسى الألمانى المشترك «ضوء طبيعى» إخراج دينس ناجى الفائز بجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج ،وبطولة فيرينك سابو، وتاماس غارباش، ولازلو باجكو، وجيولا فرانشيا، وإرن ستول، وجيولا سزيلاجى، وماركس لابيسكيس، وكريستيان كوزو، وكسابا نانسى، وزولت فودور
والذى تدور أحداثه خلال الحرب العالمية الثانية، وبينما هناك شتاء طويل على وشك أن يبدأ فى الأراضى التى لا نهاية لها فى الاتحاد السوفيتى المحتل. وهى جزء من وحدة خاصة من جنود مجريون يقومون بدوريات فى الغابات الجليدية لأوكرانيا مكلفة بالسفر من قرية إلى قرية بحثا عن مجموعات متفرقة. أثناء توجهها نحو قرية نائية ذات يوم، تتعرض الوحدة لنيران العدو وقتل قائدها. بصفته الضابط الأعلى رتبة، يجب أن يتولى سميكتا المسئولية. يخوض فى مستنقع شاسع، ويوجه الناجين إلى قرية محتلة حيث يجتمعون مرة أخرى مع تقسيمهم.
إن ضوء طبيعى ليس مجرد فيلم حرب يجعل الوجوه تبدو وكأنها رسمت بالطين، لكنه يحكى عن نزول إلى المجهول من قبل رجال يواجهون معضلات أخلاقية مستمرة.
تطرح قصة ناجى، سؤالا أخلاقيا حول المدى الذى يجب على الشخص صاحب الضمير الذهاب إليه لشجب الخطأ الذى شهده، ومدى المسئولية التى يتحملها إذا ظل صامتا.. فماذا يجب أن يفعل المرء ليبقى على قيد الحياة؟ إلى أى مدى يجب أن يضعوا أنفسهم أولا؟ ما مدى ذنبك إذا شاهدت أحداثا مروعة لم تتسبب فيها؟ نظرا لضعف كل قناعاتهم حول الصواب والخطأ، يجب على الرجال أن يقرروا ما إذا كانوا سيتكيفون أو يفعلون الشىء ثم كم عدد المشاهدين الذين سيتحلون بالصبر لانتظار الذروة الأخلاقية حيث تتجول الكاميرا المحمولة على الوجوه والتفاصيل.

«الباتروس»
ويأتى فيلم الدراما البوليسية «الباتروس» أو الانحراف بعيدا أحدث أفلام الممثل والمخرج الفرنسى كازافييه بوفوا وبطولة جيريمى رينيه، مارى جولى ميل، فيكتور بيلموندو، إيريس برى، جيفرى سيرى، أوليفييه بيكيرى ليقدم لنا ملمح اخر لسينما مسابقة برلين السينمائى.
عزز بوفوا موقعه كمصور بارع للعواطف لدى الطبقات الاجتماعية المختلفة، ومفاهيم المسئولية (وفقدان السيطرة) بالإضافة إلى الوجود العميق لرغبة الموت، كل ذلك بإحساس الأسلوب المدهش فبطلنا.
رجل شرطة يدعى لوران فى بلدة صغيرة تأخذ مسيرته المهنية منعطفا غير مرغوب فيه، فهو ليس عليه فقط طرد مثيرى الشغب المخمورين من الحانة، بل عليه أيضا التعامل مع جرائم أكثر خطورة ــ من الاحتيال فى التأمين لإساءة معاملة الأطفال لباريس انتحارى يلقى بنفسه من المنحدرات شديدة الانحدار.
تبدأ القصة بعد «حادثة تحريضية»، تحدث خلال الدقائق العشر الأولى، نشاهد بعد ذلك كيف تتكشف هذه الحادثة وتؤثر على حياة جميع المعنيين.
يفعل الكاتب والمخرج الفرنسى المخضرم شيئا مثيرا للفضول فهو يعرفنا على الشرطى وهو يتعامل مع مواقف مختلفة فى الوظيفة، وبعد ذلك يعود إلى حياة منزلية مستقرة مع صديقته (مارى جولى ميل) وابنته بوليت (مادلين بوفوا).
عالج بوفوا سابقا ضغوط العمل الشرطى فى فيلمه الرائع Le Petit Lieutenant، الحائز على جائزة كان لعام 2005،

«ضجيج سيئة الحظ»

ويجئ الفيلم الرومانى «ضجيج سيئة الحظ» اخراج رادو جود، والفائز بالدب الذهبى كأفضل فيلم للمهرجان ، والذى يتطرق لقضية صعبة حيث أصبح الفيديو سريع الانتشار ليظهر الرجل والمرأة يمارسان الجنس أثناء ارتداء الأقنعة. ومع ذلك، تم تحديد هوية المرأة. من المؤسف أنها معلمة ومن المفترض أن تكون قدوة. وهذا، علاوة على ذلك، فى مجتمع (ما بعد الاشتراكى ولكن فى النهاية أى مجتمع) على وشك أن يضيع فى خطاب الشبكة الاجتماعية الذى سيشفى المواقف الصارمة والنظيفة، والمعرفة السياسية الزائفة بكل شىء، والشوفينية المقدسة والشوفينية البشعة. نظريات المؤامرة. لكل فرد رأى. يتحول النقاش إلى محكمة ــ حول الجنس بالتراضى والمواد الإباحية وغير ذلك.
دائما ما يكون للتجارب السينمائية المبتكرة، مكان براق، ابتكر رادو جود من هذه التركيبة لوحة ثلاثية ذكية وساخرة: من خلال تصويرها الدقيق غير المبالٍ وروح الدعابة المهووسة الموجودة فى ضغوط الحياة اليومية فى شوارع بوخارست، يوضح الجزء الأول لنا ما هى السينما المعاصرة فى الفيلم الوثائقى ــ يمكن أن تبدو واجهة الخيال. الجزء الثانى عبارة عن سلسلة شاذة من الصور المقتضبة الثابتة التى تهدف إلى أن تكون موسوعة لرموز عصرنا. خاتمة الفيلم الكبرى ــ وإن كانت مفتوحة ــ عبارة عن مناقشة جرت فى المدرسة يتم فيها الحكم على حق بطلتنا فى الوجود.

دائما ما يكون للتجارب السينمائية المبتكرة بريقها الخاص ،حيث ابتكررادو جود من هذه الكوكبة لوحة ثلاثية ذكية وساخرة من خلال تصويرها الدقيق غير المبالٍ وروح الدعابة المهووسة الموجودة فى ضغوط الحياة اليومية فى شوارع بوخارست، يوضح الجزء الأول لنا ما هى السينما المعاصرة فى الفيلم الوثائقى ــ يمكن أن تبدو واجهة الخيال. الجزء الثانى عبارة عن سلسلة شاذة من الصور المقتضبة الثابتة التى تهدف إلى أن تكون موسوعة لرموز عصرنا. خاتمة الفيلم الكبرى ــ وإن كانت مفتوحة ــ عبارة عن مناقشة جرت فى المدرسة يتم فيها الحكم على حق بطلتنا فى الوجود

«دروس اللغة»
أما الفيلم الأمريكى «دروس اللغة» اخراج وبطولة ناتالى موراليسوسارك فى البطولة ومارك دوبلاس وديسيان تيرى، فتدور قصته حول آدم عندما تقلب مأساة غير متوقعة حياته رأسا على عقب، يقرر الاستمرار فى الدروس الاسبانية ويطور رابطا عاطفيا معقدا مع مدرسه للغة الإسبانية، كارينو. لكن هل تعرف حقا شخصا لمجرد أنك مررت بلحظة مؤلمة معه؟
هذا الفيلم الذكى يعيد النظر فى الإعداد الكلاسيكى للصداقة غير المتوقعة بين المرأة والرجل.
ويتجلى هذا المستوى من الراحة والثقة فى سيولة رواية الفيلم، التى تعكس تحولاتها من الكوميديا ​​إلى الدراما تقلبات الحياة. يظهر أيضا فى مساعر الممثلين حيث ينمو البطلان تدريجيا فى العمق ويتكيفان مع بعضهما البعض. تستخدم موراليس بمكر تنسيق الفيلم غير المعتاد لملاحظة هذه العلاقة المتطورة من زوايا مختلفة، بالمعنى الحرفى والمجازى. حلو ومر وصادق ومضحك فى بعض الأحيان، دروس اللغة هو استكشاف مؤثر للحب الأفلاطونى.

«أنا رجلك»
ايضا شهدت المسابقة الفيلم الالمانى « انا رجلك» للمخرجة ماريا شريدر وبطولة مارين إيجيرت التى فازت بالدب الفضي لأفضل أداء تمثيلى فى دور قيادى فاز ، ودان ستيفنز، وساندرا هولر، وهانس لو، وولفغانغ هوبش، وآنيكا ماير، وفاليلو سيك، ويورغن تاراتش، وهينريت ريشتر رول، ومونيكا أوشك.
والذى تناول قصة ألما عالمة فى متحف بيرجامون الشهير فى برلين ومن أجل الحصول على تمويل بحثى لدراساتها، تقبل عرضا للمشاركة فى تجربة غير عادية. لمدة ثلاثة أسابيع، ستعيش مع إنسان آلى شبيه بالبشر تم تصميم ذكاءه الاصطناعى للسماح له بالتحول إلى شريك حياتها المثالى. ادخل إلى توم، آلة فى شكل بشرى (وسيم)، تم إنشاؤها لإسعادها. ما يترتب على ذلك هو قصة مأساوية تستكشف مفاهيم الحب والشوق وما يجعلنا بشرا.
قامت ماريا شريدر متعددة المواهب، الحائزة على جائزة الدب الفضى عن التمثيل وصانعة أفلام بارعة، بتكييف قصة إيما براسلافسكى وأضفت عليها قوى السينما الموحية. من خلال عرض فهم عميق لكيمياء التمثيل، قامت بإلقاء الضوء على زوجها الرائد وتوجيهه، اللذين يصنعان مباراة فاشلة وغير طبيعية بشكل مسل. ولكن ما هى التضاريس الأكثر خصوبة من دراسة التناقض بين التحليل والشعور؟ بعد كل شىء، يمكن للشعر أن يستفيد من منطق الدماغ الأيسر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved